22 ديسمبر، 2024 6:12 م

التقيت قبل ايام بصديقٍ لم أره منذ اكثر من عامين . كان من الطموحين جدا , و من الذين يُتوقَع لهم مستقبلا مؤثِّرا . لكنني بعد ان سألته عن عمله , اجابني بأن مختصر عمله اصبح مجرد توقيع حضوره و انصرافه و استلامه المرتب كل شهر . اختصر كل شيء بمصيره الذي احاله الى فاشل , و السبب طبعا لا يعود له , بل الى القطاع العام الذي حوّل الكثير من الموظفين الى فاشلين , و طمر كل طموحاتهم و براعتهم التي استقبلوها بأيام دراستهم الحقيقية في مطمر النفايات . القطاع العام بالرغم من كونه ضامنا معيشيا لا بأس به , لكنه في الحقيقة قاتل ابداع ومُحبِط آمال . كل الشباب الطموحين الآن الى الوظيفة الحكومية هم في الحقيقة لا يملكون نظرة بعيدة , و يلهثون وراء عملٍ سيجعلهم فقراء مدى الحياة . ربما سيقول البعض إنّ القطاع الخاص غير واضح المعالم في البلاد , و لا يملك قوانين عمل جيدة تكفل العامل فيه , و ذلك صحيح جدا . لكن ذلك لا يعني ان يحشر شاب تحصّل على شهادة جامعية كل طموحه بوظيفة . الابداع التي نسمع بقصصه كل يوم عن شخصيات بدأت من الصفر و تغيّرت حياتها بالمال و الشهرة لم يكن بسبب قطاع العمل الحكومي , انما بالمحاولة الخاصة , و انماء الطاقات , و توسعة مساحات العلم والتعلم في العقلية , والتخطيط الشخصي الجيد مع الكثير من الصبر .
من يريد ان يكون مبدعا لا يعتمد على القطاع العام , الذي اصبح يشتري البرامج الجاهزة من شركات ومكاتب البرمجة ( الخاصة ) ليعمل المُبرمج الحكومي عليها كأي مستخدمٍ عادي يمتلك تحصيلا بسيطا . و يشتري التصاميم لينفذها المهندسون مثل أي آلة . بل تغيّر نطاق عمل الكثير من الفنيين الى نمط عمل اداري لا يرتبط بما تلقّوه في كليات الهندسة او التكنولوجية . الابداع طموح شخصي صِرف يصنعه مالكه وفق المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم . امّا الطامح للوظيفة الحكومية , فهو إمّا يحاول إخفاء فشله كانسانٍ غير جدير بصنع شيء ما في الحياة , أو إنه يريد ان يكون فقيرا دائما , لا يتعدى تخطيط حياته استلام المرتب , وتسديد اقساط ما يشتريه من حاجيات المنزل الكثيرة للتاجر المتمكن العامل في القطاع الخاص .