إن الدعوة إلى إقليم سني تشكله المحافظات السنية الست، والتي عاد إلى التلويح بها سياسيون سنة هذه الأيام بالذات، متذرعين بأحكام الدستور المغشوش الذي فصلته أحزاب السلطة على مقاس مصالحها غير الوطنية، مرفوضة من ألفها إلى يائها، لأنها تأتي في وقتها غير المناسب، ومن أشخاص لم يُعرف عنهم شيء من نزاهة واستقامة وحسن سلوك وسيرة، وفي المحافظات السنية قبل غيرها.
إن عشم هؤلاء المتاجرين بحقوق الطائفة السنية عشمُ إبليس بالجنة، وذلك لأن جماهير المحافظات السنية، اليوم، غيرها بالأمس. ولأن إرادة المحتل، وسلطات القهر والقمع والتهجير لن تتمكن، بعد اليوم، من إسكاتها عن المزورين والغشاشين والمهربين الذين سرقوا حصتها من مقاعد البرلمان والوزارة، وتحولوا إلى قادة وزعماء وأثرياء، وهم، لو كان العراق دولة تحترم نفسها وأهلها، لما استحقوا غير أن يكونوا إما سجناء أو هاربين من وجه العادالة عائدين يتسكعون في مقاهي العواصم العربية والأجنبية التي جاؤوا منها.
شيء آخر. إذا كانت جماهير المحافظات السنية الست تشكو من فساد الأحزاب الحاكمة في بغداد فإنها تشكو أكثر من فساد مضاعف ذاقت منه الأمرين على أيدي هؤلاء الذين تسلطوا على مجالس محافظاتها ومؤسساتها بقوة السلاح وبالمال الحرام.
ألا يكفيها أن تجدهم دوارين شحاذين من عاصمة إلى أخرى، ومن جهاز مخابراتإلى آخر، بحثا عمن يدعمهم لتحقيق مشروعهم الذي لن يكون، لو تحقق، إلا مزرعة خاصة بهم وبأولادهم وأبناء أعمامهم وأخوالهم يستأثرون بخيراتها، ويملكون بأموالها القصور الباذخة في دبي وعمّان ولندن وباريس، ولا يخافون ولا يستحون؟.
خصوصا وهي ترى أن تحركاتهم تلك تأتي في هذا الزمن الجميل الذي أشاع في نفوس الملايين من العراقيين روح الأمل في دفن الطائفية، وطرد الأجانب، وإعادة الوطن إلى أهله سالما معافى، وكأنهم يريدون إحياء الطائفية، وإنعاش العصبية العنصرية والمناطقية، وإشعال فتيل حروبٍ أهلية جديدة تعيد الوطن وأهله إلى سنوات الاحتراب السابقة التي ما زالت المئات، بل الآلاف من المعتقلين والمخطوفين والمهجرين تدفه أثمانها الباهظة إلى اليوم.
إن كل مشروع تقسيمي انفصالي من هذا نوع، وفي هذا الوقت بالذات، هو عمل غير وطني وغير شريف يراد به التشويش على هذه اليقظة الشبابية الشجاعة الداعية إلى حكم ديمقراطي حقيقي لا يتحكم به صاحب خنجر وسكين، ولا صاحب عمامة أو عقال، ولا وصاية فيه لأجنبي أيا كان، ومن أية ملة كان.
ولكن الشيء المفرح السعيد هو أن الوقائع والقرائن كلَّها تؤكد أن جماهير المحافظات السنية، بالخصوص، قد استفاقت، وصححت مقاييسها، وصارت أقرب إلى يقين بأن أصحاب مثل هذه الدعوات المشبوهة هم أساسُ خراب البصرة والرمادي والنجف وأربيل، وأن الوطن لا يمكن أن يصبح وطنا يليق بالبشر إلا بحسابهم على ما أهدروه من أعمارهذه الجماهير، وما سفحوه من دماء أبنائها وبناتها، وما سرقوه من ثرواتها، وما داسوا به على كرامتها، وما زالوا يدوسون.
تُرى ومتى يُؤمن المتشاركون في سلطة الفساد والعمالة بأن شباب الانتفاضة التشرينية الصابرة سوف ينتصرون، وسوف يعيدون بناء العراق الحر، رغم كل ما يدبرون وما يتوهمون؟. إنها إرادة الطوفان الذي لا يعود إلى وراء.