عن الإرث الإبداعي للراحل لصنع الله إبراهيم

عن الإرث الإبداعي للراحل لصنع الله إبراهيم

قبل أيام قليلة غادرنا الكاتب المناضل صنع الله إبراهيم عن عمر 88 سنة، والذي كتب العديد من الروايات التي حملت تجربته النضالية والحياتية بأسلوبه مميز، فهو ولد في القاهرة 1937 وتوفي فيها صباح 13 آب/أغسطس 2025. وعندما زار ستوكهولم في بداية التسعينات، قوبل بترحيب من قبل المثقفين العرب وكان أكثرهم العراقيون وقليل من المصريين وجلهم من أعضاء السفارة المصرية، بدا أكثر انسجاماً مع العرب والعراقيين وكنا نستمع اليه بشغف عن تجربته السياسية التي أولاها أهمية واعتقالعه في زمن جمال عبد الناصر وكان منشرح الخاطر وروى أعاجيب من الإرهاب والتعذيب بالشوم الثقيلة (الهراوات).. والتي راح ضحية الضرب بها المناضل الأديب الناقد شهدي عطية الشافعي! وعن التعذيب الرهيب من قبل الضابط سيء السمعة اللواء حمزة البسيوني، وكتابه الأشهر في أدب السجون “سجن الواحات” الذي ضم ممارسات رهيبة حقاً لما تعرض له خيرة مفكري ومثقفي وكتاب مصر..
ثم استغرق في محاضرته عن حكم السادات واتفاقية كامب ديفد وتبادل الزيارات مع إسرائيل التي اعتبرها صنع الله إبراهيم بداية التراجع العربي ..وحاول بعض أفراد السفارة تبريرها باعتبارها نتيجة التحرير في حرب اكتوبر!
وفي الحقيقة بدا صنع الله إبراهيم نحيلاً وصوته لا يكاد يصل الأسماع وبرر ذلك بصحته المتدهورة، ولم أقدّر وقتها أنه سيعيش خمس سنوات على الأكثر، لذا أن يعيش قرابة تسع عقود مفعمة بنشاط كتابي وإبداعي أعتبرها حالة نادرة لولا أن داهمه الالتهاب الرئوي الحاد الذي قضى عليه.. وأذكر حين تطرق عن صحته واسمه قال: أتيت الى الدنيا نحيلا ضعيفاً مفزعاً واحتار أهلي باختيار اسم مناسب؛ ولكونه أتى على تلك الهيئة المريبة سماه والده صنع الله متمنياً له أن يعيش!
درس الحقوق لكن اندفاعه للصحافة كان الأهموهو ما يتناسب مع توجهه الشيوعي ضمن “حدتو”، وكانت بدايته المهنية مع وكالة الأنباء المصرية ثم الألمانية الديمقراطية وعاش تجربة التصوير السينمائي في موسكو ليقفل راجعا عام 1974 وليتفرغ لشؤونه الكتابية الخاصة بعد عام.. وليبرز ضمن أهم كتاب الرواية العرب بل وقسم من أعماله اختيرت ضمن أهم مائة رواية عربية..
رواية شرف 1997 جائت بالتسلسل الثالث ضمن افضل الروايات العربية.. ناهيك عن روايات أخرى سامقة المكانة مثل “ذات” عام 2013 التي تحولت الى مسلسل بطلته بنت اسمها ذات و “وردة” و “بيروت بيروت” و “العمامة والبقعة” و “نجمة اغسطس” و “امريكانلي” و”الجليد وبرلين” و”التلصلص| و”تلك الرائحة” وغيرها..
عالج صنع الله إبراهيم الواقع المصري الذي طغى على جل رواياته ضمن معالجات سردية ثقافية وسياسية وتوثيقية تعكس التطورات في مصر وباسلوب يميل الى السخرية تؤرخ الأحداث وخاصة السياسية منها..كما أن الكثير منها مرتبط بسيرته الذاتية ووتجربته المريرة في السجن أيام الحقبة الناصرية!
ورواية “شرف” التي بطلها الشاب شرف تمثل إنموذجاً عاماً لكتاباته لما تتضمنه من نقد اجتماعي وسياسي وقد أثارت الجدل حولها، حيث تدور أحداثها في سجن مصري، حين قتل شرف أجنبياً حاول الاعتداء عليه، وتكشف عن فساد المنضومة القضائية والأمنية المتواطئة، ضمن سرد روائي متماسك معزز بوثائق ومقتطفات من الصحف الحقيقية!!
وهذه الرواية تمثل نظرة صنع الله إبراهيم للأدب الملتزم بقضايا الأنسان التي هي انعكاس لقضايا ومنظومات البلد السياسية والثقافية التي ينخرها الفساد! لذا ليس من الغريب ان تحظى باهمية كبيرة لكونها تسلط الأضواء عن المسكوت عنه في النقد المصري والعربي ولا غرابة في أن تكون وأحدة من أفضل ثلاث روايات على رأس مائة رواية عربية!
حاز صنع الله ابراهيم على جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004
جائزة كفافيس للادب عام 2017
رفض جائزة الدولة التكريمية عام 2003
سيبقى اسم صنع الله إبراهيم خالدا خلود أعماله الإبداعية!

أحدث المقالات

أحدث المقالات