23 ديسمبر، 2024 2:07 ص

عن إستنساخ التجربة الايرانية في العراق

عن إستنساخ التجربة الايرانية في العراق

يسعى الکثيرون لتبرير عدم نجاح العملية السياسية العراقية بعد سقوط نظام حزب البعث، بعدة أسباب منها عدم إستعداد الشعب العراقي لهضم و تقبل الديمقراطية و قوى دولية و إقليمية تسعى من أجل مصالحها الخاصة الحيلولة دون ذلك، وغلبة العقلية العرقية و الطائفية و القبلية على ساسة و أحزاب العراق، وبطبيعة الحال فإننا ومع تحفظنا الکامل على أول فقرة، و قبولنا بالفقرتين الاخريين، فإننا نرى بأنه لابد من التوسع في النقطة الثانية، و السعي لتسمية الامور بمسمياتها.

العملية السياسية لعراق مابعد حزب البعث و منذ أن شرعوا بتفعيلها على الارض، کان هنالك طرفان محددان يهيمنان عليها و يوجهانها، ولهما الدور و التأثير الاکبر عليها، وهما الولايات المتحدة الامريکية و الجمهورية الاسلامية الايرانية، أما الدول الاخرى وخصوصا الاقليمية الاخرى فيمکن وصف دورها بالهامشي أو الثانوي في أفضل الاحوال، ومن يراجع العملية السياسية العراقية طوال الاعوام السابقة، يجد إنها کانت أشبه ماتکون بکرة تتلاعب بها واشنطن و طهران، مع تصورنا إن طهران کانت الاکثر إستغلالا للفرص لأسباب مختلفة.

تناول الدورين الامريکي و الايراني في العراق يدفع للإقرار بوجود إختلاف شاسع بينهما من حيث علاقتهما و حجم دورهما و تأثيرها على الاوضاع، ذلك إن الدور الامريکي هو بالاساس دور طارئ و محدد بالکثير من العوامل و الظروف في حين إن الدور الايراني هو دور مختلف تماما، فهو دور له إمتداد و عمق تأريخي و سياسي و ديني، بالاضافة الى عامل آخر مهم و حساس وهو إن العديد من القوى السياسية في العراق قد تم تأسيسها أو تمويلها أو إختراقها من جانب إيران بل و حتى إن البعض من الشخصيات التي عول عليها الامريکيون قبل و أثناء و بعد الاحتلال کانت على علاقة و صلة قوية بالمخابرات الايرانية.

القادة الايرانيون، کانوا قبل حرب تحرير الکويت و الاحتلال الامريکي للعراق يعدون العدة لإعداد و تهيأة القوى السياسية ـ الفکرية التي ستسيطر على العراق عند حدوث طارئ ما هناك، وفي أثناء الحربين آنفتي الذکر، فإن مساعي طهران بشأن الهيمنة على العراق صارت تجري بإتجاه و سياق يمکن تشبيهه بمن ينتظر سقوط تفاحة ناضجة في حضنه، خصوصا وان أغلب القوى التي تم إعدادها لهذا الغرض کانت تستلم رواتبها من طهران حتى بعد دخولها العراق عقب الاحتلال الامريکي للعراق!

ونعود للموضوع الاساسي وهو أسباب عدم نجاح العملية السياسية في العراق و خصوصا تطبيق الديمقراطية، حيث إن طهران ومن خلال بيادقها”الشيعية” و”غير

الشيعية”، قد لعبت دائما الدور الاکبر و الاهم تأثيرا، ويکفي أن نشير الى إنها کانت وراء إعادة السياسي الفاشل و المشبوه نوري المالکي الى الحکم لولاية ثانية على الرغم من خسارته في الانتخابات و فوز أياد علاوي فيها، کما إن الاحزاب و المکونات و الجماعات و الميليشيات المختلفة التابعة لإيران، ماأنفکت من الدعوة و بطرق و أساليب مختلفة لإستنساخ تجربة نظام ولاية الفقيه في العراق(رغم إنها کما رأينا و يرى العالم کله دمرت إيران و أثقلت کاهل شعبها بالمشاکل و الازمات).

السعي لإستنساخ تجربة إستبدادية قمعية لم تجلب على الشعب الايراني سوى المجاعة و الفقر و الدمار و المآسي و الانقطاع عن العالم الخارجي و الدوران في حلقة مفرغة، هو کارثة و مصيبة بحد ذاتها، وهذه المجاميع التابعة أو المسيرة بشکل أو بآخر من جانب طهران، هي التي تقف وراء جمود العملية السياسية في العراق و إخفاقاتها المستمرة و وصولها الى طريق مسدود، ولاندري الى متى سيبقى هذا الجري غير السديد و غير المجدي وراء تجربة مشبوهة و عقيمة کتجربة نظام ولاية الفقيه؟!