هذه هي حقيقة الاسلام السياسي .. وهذه هي حقيقة نمط تفكير متصدّروه .. حتّى الشيخ الهادئ د. عبد الملك السعدي لم يستطع الخروج من استقطابه وإن ادّعى أنّه “لا يرشّح أحداً” .. فبمجرّد إصداره “بيان” نقلته “الشرقيّة نيوز” مساء اليوم بقراءة د. عبد الحميد السعدي يكون سماحة عبد الملك قد دخل معمعة الانتخابات حين دعا “إلى انتخاب الصالحين” !! .. وكأنّ أولئك الصالحون جالسون عند أبواب المساجد أو يتعبّدون في الكهوف يعرفهم الجميع ومكتوب على جبين كلّ واحد “صالح” فيهرع الناخبون “لعتعتهم” من أماكنهم وإدخالهم المنافسات الانتخابيّة كي يقوم المنتخبون بانتخابهم اقتداءً بوصيّة الشيخ السعدي فيضعون الصالح الفلاني وزيراً للرياضة والشباب والصالح الآخر وزيراً للثقافة وذاك لوزارة النساء وهذا للداخليّة “الخارجيّة محجوزة إلى يوم يبعثون” والرجل الصالح ذاك لوزارة الوقف السنّي وهنالك من سيستلم الوقف الشيعي الخ ! .. هذا هو تصوّر العالمون بتفاصيل محدّدات الدين “علماء الدين يعني” في رؤياهم المعاصرة النابعة من قراءات مغلوطة للاسلام وضع قاعدتها مدّعو علم مجهولون تقول “الاسلام صالح لكلّ زمان ومكان” دون أن يوضّحوا لنا كيف ..
فمن يستطيع أو بإمكانه أن يعرّف لنا “الرجل الصالح” أو يؤشّر بإصبعه عليه وهو واثق كلّ الثقة أنّه سيكون صالح في عمله الموكل إليه ! ؟ ..
فكم من “صالح” تغيّر شكله ولونه وتغيّر سلوكه ما أن دخل “الطحين” في أظافره فكيف بوزارة أو برئاسة وزراء ؟ ! ..
يعني يا سيّدنا د. السعدي أليس هؤلاء المستوزرين على سدّة الحكم في العراق كانوا فرساناً ومجاهدون في النهار يقطّعون ظهور الخيل بجهادهم ؛ رهباناً في الليل يتلون آيات الله قياماً وقعوداً ويتفكّرون في خلق السموات والأرض “يقولون” ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ! .. أليسوا هم ..؟ لو آني غلطان سماحتكم ..
حسناً .. نحن تشابهت علينا “البقرات” , دكتورنا العزيز , ولم نعد نميّز بين الصالح والطالح بحكم “دوخت الراس” في قراءتنا لسير الأوّلين وتداخلاتها السياسيّة والاجتماعيّة سوسيولوجيّاً ومثيولوجيّاً وثيوقراطيّاً وما حوته تلك السير من تناقضات يكون من ظنّوه طالحاً في ممارساته اليوميّة ينقلب إلى رجل صالح ما أن تقع عليه مسؤوليّة قياديّة ما فيحيلها إلى ضميره وإذا به ضميراً نقيّاً .. وكم مررنا على شواخص في السير ظنّها الجميع أنّها صالحة حتّى انقلبت طالحة .. الخ .. دلّنا أنت يا شيخنا ولا ترمي الانتقاء على خبراتنا المتواضعة خاصّةً “وفينا أمّيون لا يعلمون الكتاب إلاّ امانيّ” ليتخلًص منها من هم خبراء في فرز الصالح من الطالح كخبراتكم شيخنا .. قلّ لنا من هم أولئك الصالحون الّذين توصينا بانتخابهم ثمّ دع الأمر لنا بعد ذلك .. ! ..
“الحاضنة” المعرفيّة “المقياسيّة” الّتي يقع تحت تأثيرها الفرحون المندفعون دون لفتة خاطفة منهم يميناً أو شمالاً متسمّرة أنظارهم باتّجاه واحد اسمه “ما وجدنا عليه آبائنا” فيقيسون حوادث الدنيا اليوميّة منها أو السابقة أو الّلاحقة ويصنّفونها وفق إرثهم “لا أعلم كيف يكون شكل من يظنّ نفسه من شعب الله المختار إن لم يكونوا هم هؤلاء من يظنّون ذلك .. من يظنّون أنفسهم هم خير أمّة أخرجت للناس!” يصنّفونها وفق معايير معروفة يندر جدّاً العيش وسط هذه البيئة المفهومة والمليئة بمساهمات من غير دائرة الدين والتديّن خلقت لنا عالماً مبهجاً بقوانين خالية من الغيبيّات جعلت العالم المترامي الأطراف الّذي كان يتطلّب الكشف عن جزء بسيط منه محصوراً بمقاسات خرائط اليوم الجغرافيّة ما بين بغداد وبين طاشقند رحلة عجائب وأهوال لا يسبر غورها سوى من نمط “سندباد” منافسة مسافتها لمسافة رحلة ابن بطّوطة ليصبح ذلك العالم المجهول اليوم عبارة عن قرية صغيرة وبأبهى صورة لم ينغّصها علينا بين الفينة والفينة سوى “العيّنات” الّتي نعرفها من الّتي تتقمّص “الشكل” فتظنّ نفسها أنّها على هدى الأوّلون فينقلون مسبّبات الصراعات القديمة يحيونها ويشحنوها ثمّ يشغّلوها “نكرة سلف” على طريقة شبّيك لبّيك فيشتعل كلّ شيء ! ..