لا اعلم اي جنة فتحت ابوابها لمن تناثرة اشلائه لتيتم طفل، او لترمل زوجة، او لتحرم شاب لذة الحياة، اي حور عين تلك التي تعرض نفسها لجثمان عفن فاسد، ولد من رحم فاسد، اي نهر خمر واية منزلة من الخالق تمنح لمن ازهق ارواحا حرم الله قتلها، لا يكاد يستوعب تفكيري تلك المفاهيم التي استند اليها، اجبن القوم وارذلهم، واحقر خلق الله واوطئهم منزلة في الدنيا قبل دار القرار، اية شهادة واية رضوان، اية “لا اله لا الله” تصدح في سماء الدخان الذي أمتزجت ذراته بكريات الدم الحمراء، فانشئ صرحا من الشؤم يتبعه سيء الايام، اي دماء شيعة تستباح كل يوم، واية دماء عراقية زاكية طاهرة بريئة تسفك كل عام.
في يوم ليس ككل الايام، في مكان راحة المسافرين، هناك على مقربة من دار النبي ابراهيم، هناك حيث كتب لسلام ان يكون، في اكثر محافظات العراق امانا، واكثرها محط رحال للعابرين، ذي قار حيث يرحب بالغريب، وتطئمن اعين الخائفين، عكر صفوة نهار يوم الخميس، نفوسا كرهت ان ترى البسمة على وجوه العائدين والراحلين من والى محافظة البصرة، فأمتدت ايديهم لتستبيح دماء لو امطرها الله على “حضرموت” لاصبحت ملاذا للخائفين، انطلق ذلك المخلوق الذي لا يشبه حتى بالحيوان، فيفجر سيارته بين رجال الوطن وحماته، فنامت عيون لطالما ابقاها الله يقضة لحفظ امن العراق، اختلطت اشلاء الضحايا بين قتيل وجريح، وكان موسى الكليم يطلب من الله احياء الموتى فيامره ربه بنثر اجزاء الطيور على رؤس الجبال، بارض ليست كارض الطفوف نحر الحسين، برداء ليس فيها عبدلله ذبح الرضيع.
قتلوا البراءة، وذبحوا الحياء، أحتزوا نحر الرجولة والشهامة، ادموا قلوبنا الم، وبكت اعيننا حسرة، وزادنا ايمانا الى ايماننا، فصورة الارهاب واضحة، ومبتغياتهم معلومة، واهدافهم قذرة، وافكارهم مسمومة، ارادوا ان يبثوا الرعب في قلوب لم تتيح للخوف مدخل، ولا للجزع منفذ، فصبرنا مقتبس من ايوب، وكأن صورة العراق قد تجسد برؤيا ابراهيم فاجابه الشعب بلسان اسماعيل؛ ستجدنا ان شاء الله من الصابرين.
لا ينفك اعداء البلد من استهداف تاريخ العراق وحضارته، فمشحوف الهور لا يزال ينعى شهداء سبايكر، وجدران المدينة متزينة بصورة الشهداء، أرادوها ان تكون انتكاسة، فأصبحت وسام شرف وفخر، فقائدنا الحسين، وبوصلتنا تتجه صوب كربلاء، وشعارنا القتل لنا عادة.
مازلت اقلب صفحات ذاكرتي لاستذكر قصة امراءة تهلل وجهها فرحا حين رئة جثمان ولدها الشهيد، وعلى مقربة من ختام رواية تفجير “البطحاء” في ذكرى زيارة الاربعين، اجد نفسي قد بدأت برواية تفجير ” فدك” وكأن لسان القدر يقول، ستفتش عن النهاية ياولدي، فلا تجد غير البداية.