كتابه ينطق صدقا وحيادية من المقدمة الذي ابتدئها قائلا ” ابتداء انا لست روائيا أو كاتبا قصصيا يضع في مخيلته احداثا ويختار بدايتها ونهاياتها”
أخذنا اللواء المتقاعد طارق متعب معه خلال جرائم كثيرة ومهام كبيرة أنيطت بالشرطة كتفتيش الدور في مدينة كاملة بحثا عن السلاح وما يتعلق بهذه المهمة الكبيرة والحساسة أولا من الناحية اللوجستية وثانيا من ناحية النسيج المجتمعي وما يرتبط بثقافة العراق من ولاءات عشائرية ومحسوبات وعلاقات و ( واسطات) على أعلى المستويات.
لم أكن أنتظر منه هذا الكم من الانصاف تجاه حكم جار عليه وظلمه وقام بعد ذلك بفصله عن عمله الذي كان يعشقه، رغم ذلك يقدم لنا عمل الشرطة في تلك الحقبة بطريقة مهنية ويصف لنا تدخل أصحاب المناصب والمقربين من العشيرة الحاكمة في عمل الشرطة وهكذا تتضح لنا صورة قاتمة تشرح لنا كيف كانت تدار الدولة العراقية. من جانب آخر نرى كيف أن الفساد بدأ يدخل مؤسسات الدولة ويتسلل الى السلطة التنفيذية واكتشاف شرطة فاسدين وكيفية التعامل معهم. ليس غريبا إذا تذكرنا أننا نتحدث عن فترة الحرب.
ما بين سطور هذا الكتاب نجد حقيقة تدهور العمل المؤسساتي في العراق وكشف الكثير من أسبابه كما يكشف هو شخصيا المجرمين ويقبض عليهم.
خصوصا بعد أن أصبح وطبان الحسن الأخ الغير شقيق لصدام حسين، رجل معروف بنزواته وسلوكياته المرتبطة بمزاجه المتقلب لا شيء آخر. وكما يقول السيد طارق متعب ” الجهاز التنفيذي الذي يعيش نبض الناس بصورة مباشرة هو ذاته من ينفذ أوامر وتعليمات كل المؤسسات في البلد أيضا وعلى راسها السلطة القضائية وجهازها القضائي المتمثل فيما يصدره القضاء سواء في مراحل التحقيق أو في الفصل والحكم بين الناس”
يأخذنا الكاتب بعد ذلك بلغة بسيطة سهلة عبر مشوار حياته المهني لكي نفهم معنى الخبرة المكتسبة خلال عمله منذ البداية كضابط مبتدأ وتدرجه في العمل الى القيادة وكيفيه تعامله لأحقاق الحق مع أناس في بعض الأحيان كلامهم وصداقاتهم تعني القانون ذاته.
يقول الكاتب لم يخطر ببالي أن حياتي الوظيفية ستنتهي بنهاية الشهيدة ليلى العطار، رغم قيامه بما يتوجب عليه إلا أنه عزل عن العمل لمزاجيات القيادات العراقية.
عندما ننظر الى إنجازاته المهنية وطريقة عمله نعتقد أن كل ما ينتظره هو الشكر على إنجازاته وخصوصا على طريقة عمله الريادي في زمن غير تقليدي، قامت القيادة العراقية بفصله مع كتاب شكر وامتنان.
قبل قراءة الكتاب سمعت أن هذا الكتاب سيترجم الى اللغة الكردية فبدأت بالتساؤل عن أهمية هذا الكتاب.
بما لا يقبل الشك أن القيادات الكردية مهنية بشكل أكبر من بقية القيادات في العراق وترى التشابه ما بين السابق والحاضر ولا تريد أن تمر محافظات الإقليم الثلاثة بما تمر به بقية المحافظات العراقية، مجرد التفكير بترجمته أجدها شجاعة وخطوة نحو الامام لـ الإقليم، يا ترى هل سيدرس في كلية الشرطة في بغداد؟
وضح لنا من خلال مسيرة عمله في السليمانية كيف كانت الأحوال في المحافظات الشمالية في زمن المعارضة ونزول المقاتلين الكورد ليلا الى المدن وكيفية تعامله مع من سجن منهم ومع من أوقف عن العمل من الكورد العاملين في جهاز الشرطة بسبب ولاءاتهم وكيفية بناء الثقة بين الشرطة التابعة لنظام تقاتله المعارضة الكردية. في الزمن الصعب كان الرجل الصحيح لحل أزمة ثم يصدر أمر نقله الى مكان بعيد عن الميدان الذي حقق فيه أكبر إنجازاته ويحدث الأمر معه لعدة مرات. أمر يوضح لنا أن العراق كان دولة مؤسسات غير حقيقية، تحكمها الرغبات والقرارات الآنية المستعجلة.
أنصح بقراءة كتاب ضحايا وخفايا بحيادية تشبه حيادية الكاتب، لكي نرى بقلوبنا قبل عيوننا ما كان يجري وراء الكواليس في عراق البارحة ونقارنه بحاضرنا، عندها نستطيع الإجابة على السؤال المهم.
– ماهي الدروس المستنبطة من كل الدروس القاسية التي مر بها العراق؟