23 ديسمبر، 2024 7:42 ص

عندما يكون رجال القضاء الواقف رهن الطلب

عندما يكون رجال القضاء الواقف رهن الطلب

أن تقاليد المهنة والتزاماتها الأخلاقية تلزم منا أن ندعم أحساس المحامي بالدور الاجتماعي الملقى على عاتقه كمعين للعدالة في قيامه بالدفاع عن المتهمين بكل نزاهة وبعيدا عن النيل من حقوق المتهم والى أعلاء سيادة القانون وأداء رسالة العدالة، وان وجود محامين عن طرفي الدعوى معين للقاضي على رؤية أبعاد القضية والوقوف على النصوص المتعلقة بها تأييدا للاتهام أو دفعا له، وتظهر مع الحاجة إلى المحامي الأمين الذي يكون عونا على تجلية الحق وإظهاره، ومدافعا ونصير للمظلوم لاستخلاص حقه من الظالم في غير عنت ولا لدد، وهذا المحامي هو الصورة المنشودة والمأمولة للمحاماة؛ حتى يرسخ اليقين بأنه عون للعدالة وليس وبالا عليها كما يراه بعضهم0
عمل المحامي من الناحية الموضوعية حماية للضعفاء سواء كانوا ضعفاء في موقفهم القانوني أو ضعفاء من الناحية الاجتماعية، لكن هذه المعايير تغيرت وانحرفت عن مسارها لدى بعض المحامين عامة وبخاصة محامو المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد، وفي ظاهرة مؤسفة، هناك محامين ومحاميات يوقعون إفادات لمتهمين بدون حضور استجواب المتهم، وبطريقة منافية لمهنة المحاماة، (وهذا ما كنت اعانيه عندما كنت رئيس غرفة المحامين في هذه المحكمة لأكثر من سبع سنوات واستهدفت من جراء محاسبتي لمن كان يوقع إفادات المتهمين من دون حضور استجوابهم)حيث يصبح المحام أداة بيد القائمين بالتحقيق لتمرير إفادات قضائية تكون قد هيئت الحكم لدى محكمة الموضوع باتجاه الإدانة، ويكون توقيع المحام قد أعطى مشروعية لتحقيق غير قانوني كونه في بعض الأحيان قد أنتزع اعترافات بالإكراه وبدون حضور المحامي فعليا، وفي أحدى الوقائع التي مرت علينا في المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد، حيث كان هناك(4) محام(ثلاثة محاميات ومحامي) كانوا يوقعون إفادات بدون حضور الاستجواب وهم وغيرهم كثير، كانوا محامين رهن طلب القائمين بالتحقيق، ان هم في داخل المحكمة، او بمجرد الاتصال بهم  حتى لو في منتصف الليل ان كانوا خارج المحكمة، وبدل من أن يجهزوا دفاعاتهم ويرتبون حججهم وينسقون مستنداتهم ويكون هدفهم خدمة الحق وإظهاره ودحض الأدلة والأسانيد الموجهة لموكلهم؛ يكونون أول من يوجه للمتهم طلقة الرحمة باتجاه إصدار حكم الإدانة، وقد تصدى لهم قسم من محامو المحكمة الجنائية المركزية في وقتها، ووقعوا مذكرة ورفعتها بدوري إلى النقابة وبتوقيع اكثر من(50) محام لاتخاذ إجراءات تأديبية تحول دون تكرار ذلك، لكن مع الأسف الشديد لم تقم النقابة بأي أجراء تأديبي بحقهم والمؤلم ان يتخذ مجلس النقابة الموقر قرار، كان كارثة مهنية قانونية تسيء لمهنة المحاماة مهنة العقل الراجح والدليل الصحيح، بان غلق الشكوى بعد ان اعتبرت رئيس الغرفة هو المشتكي واسمته (منتدب النقابة في الرصافة وليس الكرخ) أي لا يعرفون أصلا من المشتكي، لأني لم اكن المشتكي لعدم وجود أي توقيع لدي على الشكوى، فقط قمت برفعها للنقابة لأجراء التحقيق، والمؤسف اكثر، اعتبر قرار النقابة الانتداب باب من أبواب الخبرة، ونقول: هل الخبرة تسمح بان تعطي تقريرك من دون ان تطلع على ما مطلوب من الخبير ان يعطي تقريره بحقه؟ والمؤلم أكثر ان محكمة التمييز الاتحادية صادقت على القرار.
وبعد هذه الواقعة قدم ذوو معتقلين شكاوى عديدة الى نقابة المحامين بحق بعض المحامين، يوقعون على إفادات لأبنائهم بدون حضورهم التحقيق مع المتهم، وادعو بان الامر يتم بمساعدة وعلم بعض القضاة والقائمين بالتحقيق، لأجل أعطاء شرعية لهذا الاعترافات والتحقيقات.
ان تلك الوقائع والقرار المتخذ من نقابة المحاميين العراقيين؛ كان خطأ كبيرا وفتح الباب على مصراعيه لممارسات أخرى حصلت بعدها حيث وصلت عدد الشكاوى على محام(و) على نفس الموضوع الى 11 شكوى وعندما كان يمثل امام لجنة الشكاوى لمحاسبته كان هناك من يتوسط لأجل غلق الشكاوى بحقه ومن المستفيدين من تواقيعه على تلك الافادات من القائمين بالتحقيق وهددت بسبب تلك الشكاوى كون كنت عضو لجنة الشكاوى في النقابة واستهدفت واتهمت بالإرهاب، وقام هذا المحامي(و) بأداء القسم على كتاب الله وادلى بشهادة باطلة ضدي امام المحكمة المختصة، وكانت تحركه دوافع غير نزيهة انتقامية مبنية على تأويلات واجتهادات ليس لها وجود الا في فكره وفكر غيره، مع العلم نفس المحام(و) وفي احدى الشكاوى المقامة ضده، وبعد  أدائه اليمين امامي بانه ليس له علاقة بدعوى كان هو وكيل فيها مع محام اخر(ح) (علمه المهنة وتتدرب على يديه) وانه لم يستلم أي مبلغ مادي متحقق من الدعوى، وكان المشتكين يعرفون المحام (ح) ولا يعرفوه، فقط بالاسم، لان المبلغ المدفوع كان مستلم من المحام(ح) ولم يحضر المحام(ح) لجلستين وفي الجلسة الاخيرة قررت ان أوجه للمحام(و) اليمين بانه لم يستلم أي مبلغ واقسم بانه لم يستلم أي مبلغ وانه ليس له علاقة بالدعوى(المحضر بتوقيعه احتفظ به) وقبل غلق المحضر حضر المحام(ح) وطلب فتح باب المرافعة وان نستمع لأقواله واكد بانه اعطى للمحام(و) زميله في نفس الدعوى مبلغ قدره(800$) وانه كان يتابع الدعوى معه، واني كنت قد لاحظت ارتباك المحام(و) عندما حضر المحام(ح) ولم يعترض على اقوال المحام(ح) واعترف بانه استلم المبلغ منه؛ مما دعاني الى تغيير المحضر بأكمله وعندها وجهت له توبيخ شديد جدا لا اريد ان اذكر فحواها، لأني غضبت جدا في وقتها من محامي يؤدي القسم كذبا وزورا على مبلغ تافه ويتنكر لمحامي كان له الفضل في تدريبه بل حتى تسجيله ضمن محامي غرفة(المحكمة الجنائية المركزية)، كان بتوسط منه، لكن للشهادة، ان المحامي عزف بعدها عن التوقيع على أي افادة بدون حضور استجواب المتهم، لكنه لم يصحح ما اقترفه بحقي من شهادة باطلة وانساق الى تحقيق مظاهر انتقامية، ونلتمس له العذر بذلك عسى ان يقوم بذلك لاحقا احقاقا للحق وانصافا لسمعته والعدالة، ان تلك الانتهاكات كانت ولا زالت تعمق وتجذر انتهاكات حقوق الإنسان، وباتجاهات جعلت النقابة بعيدة عن التصدي لهذه الخروقات بجدية.
ان توقيع إفادات المتهمين بدون حضور جلسات التحقيق من المحام تجعل المعتقلين يتعرضون لمؤامرة قانونية يشترك بها بعض المحامين والقائمين بالتحقيق، لإصدار إحكام قاسية عليهم بسبب هذه الافادات والتي قد تحتوي على اعترافات قسرية0
واتذكر ان احدى زميلاتي المحاميات (اعزها واحترمها كثيرا لدعمها لي) أرسل بطلبها أحد السادة القضاة طالبا منها ان تذهب معه الى احدى المقرات العسكرية كمحامية منتدبة عن بعض المتهمين وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر واخبرتني عن رأي، فأخبرتها لا يصح ان تذهبي الى المقرات العسكرية؛ لأنك امرأة ومن غير الملائم تواجد محامية في مقرات عسكرية بعد الدوام الرسمي، ولان قرار النقابة يمنع ذلك، ولوجود عدة شكاوى عن ممارسات غير صحيحة والمحامي يكون في داخلها مسلوب الإرادة ضمنيا لقساوة الأجواء في داخل هذه المقرات وفعلا رفضت الذهاب، وكان هذا موقف يحسب لها، كما يحسب لها موقف معي(شجاع واكنه لها ما حييت) عندما أنقذتني من ان يلقى القبض علي بالرغم من اني كنت قد تلقيت اتصال هاتفي قبل اتصالها بلحظات من منتسب في المحكمة يخبرني بمؤامرة بطلها محامين(ثلاثة معرفين) كنت قد عملت لهم معروف كبير(انقذتهم من عواقب ممارسات جنائية ومهنية) حيث كانوا منتشرين في ارجاء المحكمة من بابها الخارجي والى غرفة المحامين، ينتظرون وصول رئيس غرفتهم لأجل القاء القبض عليه؛؛؛ تصوروا يتامرون لأجل القاء القبض على رئيس غرفتهم امام الجميع وبتهمة يعرفها القاصي والداني ملفقة كاذبة؛؛؛ كيف يمكن ان تكون هناك هيبة للمحامي اذا كان المحامين يتامرون على رئيس غرفتهم(مسؤولهم وممثلهم) وينكلون به ويودون القسم لأجل اتهامه كذبا وزورا؟ اليس هذا الامر مدعاة للتأمل والنعي على مهنة المحاماة؟ الم يدرك المحام انه بفعله هذا قد أسقط هيبته أولا قبل ان يسقط هيبة رئيس غرفته؟
ان تلك الممارسات وغيرها التي يقوم بها المحامين من تنصل وتنكر وكلام تافه بحق رئيس غرفته او قيادات النقابة جعل المهنة يشوبها الكثير من التفسيرات المؤلمة والظالمة، وان النقد والتأشير على الخطأ له مجاله وحيزه واطره المهنية، وليس بان ينقلب المحام الى وكالة انباء متنقلة مغرضة ومخبر سري على زملائه، وان يكون شاهد زور ويؤدي اليمين الكاذبة وان يقوم بالتحدث على زملائه وممثليه بطريقة مؤذية اسلال لسخيمة صدره المعبأ بالحقد والكراهية.
والمثير للاستعراب هناك محامين صلاحياتهم محدودة ويستخرجون هويات بصلاحيات مطلقة وفي احدى المرات أخبرني رئيس المحكمة عن تسعة محامين يشك بصلاحياتهم وعندما دققت وجدت ان ست منهم صلاحيتهم محدودة فعلا ومحام اخر صلاحيته باء، وتم غلق الموضوع في حينها خوفا على سمعة المحامين من ان ينالها سوء فهم، ولأني وجدت هناك قيادات مهنية وإدارية متواطئة في منح الهويات، واكثر هذه الممارسات وغيرها تصدر من المحامين والمحاميات الجدد، الذين لا يحتفظون باي رصيد معلوماتي عن القانون وليس لديهم خبرة جزائية او مدنية(فقط يعرفون التنسيق مع بعض من ضباط التحقيق غير النزيهين)، ويعيشون ببحبوحة غير منسجمة مع الواقع السابق وبوقت قصير جدا، هذا يدل على أن عملهم المهني لم يكن مبنيا على الخبرة من تراكم السنين بل أداء مهني مشوب بالعمل والممارسة غير النزيهة والبعيدة عن مضامين القانون والعدالة.
أن من مستلزمات الدفاع أن يحاط المتهم علما بالواقعة المسندة أليه والأدلة المتوفرة ضده ووجود من يعينه على فهم ما أسند أليه وينبهه إلى ماله وما عليه في ذلك ويساعده في دحض أدلة الاتهام وتجميع أدلة النفي أمر له كثير من الجوانب الايجابية ويزداد شعور المتهم في الدعوى الجنائية وحاجته إلى من يتولى الدفاع عنه وخاصة عندما يقرر القاضي إجراء التحقيق بصورة سرية لأسباب أمنية أو غيرها فيفقد التحقيق أهم ضماناته الشرعية في علانيته ومراقبة الجمهور لسيره، ويصبح مثول المحامي  مع المتهم يحقق كثير من المقاصد والغايات النبيلة التي ينشدها القضاء، ألا أن بعض ممارسي المحاماة في الساحة القضائية لا يتوخون الحق والعدل والإنصاف في ممارستهم المهنية ومساندة المتهم المظلوم وإنما ينبرون إلى حشد كافة المسوغات أمام القضاء المدعمة بالبراعة واللف والدوران والتزوير في بعض الأحيان والمغالبة في الالتفاف على الحقائق من خلال عقد الصفقات مع بعض من القائمين بالتحقيق لأجل انتزاع أحكام او قرارات قضائية لصالح المحامي وموكله وبطرق احتيالية، مما أوجد اتجاها نحو النفور الشديد من مهنة المحاماة برمتها، وأصبح المحام في نظر كافة الناس شخص محتال بسبب هذه الممارسات البعيدة عن الأصول والقواعد المهنية لرسالة العدل.