17 أبريل، 2024 4:48 م
Search
Close this search box.

عندما يكون الدين والديكتاتورية في مواجهة الشعوب

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا شك إن تاريخ الشعوب العربية حافل بالإنتهاكات وإهانة كرامة الإنسان العربي من قبل دعاة العروبة أنفسهم الذين أوغلوا بدماء شعوبهم وأوصلوهم إلى مستويات دنيا من الفقر المدقع والجهل المظلم وأفقدوا تلك الشعوب كرامتها وآدميتها والعيش الكريم ما جعلها ذئاب فاتكة يأكل بعضها بعضًا، وتعتبر الإنقلابات التي حصلت في المنطقة العربية في أواسط القرن الماضي هي الممهد لطريق الديكتاتورية والقمع والإستبداد وفاتح شهية الرؤساء الذين حكموا البلاد سواء بإنقلابات عسكرية أو بإختلاس للمنصب غفلة على حين غرة، فهؤلاء الطغاة المستبدون المتشدقون بالعروبة من أجل العزف على مشاعر العرب والضحك على ذقونهم مستخدمين أبشع وسائل القتل والتنكيل فضلًا عن إبداعهم في صناعة السجون والمعتقلات السرية التي تفضح أفعالهم وزور أقوالهم.

هؤلاء دعاة العروبة تعرضوا لانهزامات وانكسارات مُذلة من قبل أعدائهم ألذين لقنوهم دروساً لا تُنسى وهزائم لا تُفنى من تاريخهم الأسود المليء بالقتل والدماء ضد شعوبهم، والهزائم والانكسارات ضد خصومهم، هولاء الطغاة لم يحققوا نصرًا واحدًا ضد أعدائهم، بل كانت سيوفهم مشرعة ضد شعوبهم الفقيرة والمقموعة.

لقد عمد اولئك الطغاة المستبدون على تجهيل الشعوب لأنهم كانوا يخشون العلم والثقافة، وكما يروي عبدالرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد” حيث كتب فصلًا كاملًا بعنوان “الإستبداد والعلم” يكشف فيه مدى تمسك الحكام الطغاة بتعليم الجهل بين الشعوب التى يحكمونها، فمهما كان الحاكم غبيًا لا بد أن يعلم أن الجهل هو أحد الأعمدة المهمة التى تشيّد بها قصور الظلم والطغيان، فيقول الكواكبي: لا يُخفى على المستبد مهما كان غبيًا أنه لا استعباد إلا مادامت الرعية حمقاء تتخبط في ظلام الجهل.

أما اليوم فقد أثبت الاسلاميين إنهم لا يقلون سوءًا عن العروبيين في إدارة الحكم، فقد قدموا لنا إنموذجًا من أسوأ نماذج الحكم في تأريخ العرب الحديث، وما حصل ويحصل في العراق منذ ما يقارب العقدين من الزمن مثالًا واضحًا عن سوء إدارة هذا الحكم المليء بالقتل والدماء والتهجير وتقديم مايقارب المليون عراقي ذهبوا ضحية فتاوى وتكفير تلك الملل المتناحرة فضلًا عن نهب وسرقة ثروات البلاد، لقد وصل العراق جراء فترة حكم الإسلاميين الى مراحل متدنية في كافة المجالات، العلمية، والثقافية، والإجتماعية حتى إنه وصل الحال أن تصنف بغداد كأسوأ عاصمة صالحة للعيش في العالم، وكذلك خروج العراق من التصنيف العالمي في مستوى التعليم وأن يحل جواز السفر العراقي بالمرتبة الأخيرة بحسب مؤشر هينلي لجوازات السفر.

إن ما يجعل الطغاة يستبدون ويتمادون في غيهم وطغيانهم هي الشعوب نفسها، فمحاباة الظالم والتطبيل له تجعله في منزلة الإله الذي لا يقهر ولايموت، وتوقد فيه جذوة الظلم واهانة الشعوب وتركيعها، ولنا من قصص هؤلاء أمثلة كثيرة.

لفت ناظري احدى المنظمات المحلية قامت بتكريم مسؤولاً محلياً نظير بعض الخدمات التي قدمها في منصبه، وتساءلت كثيراً لماذا قاموا بتكريم شخص مقابل عمل مكلف به ويتقاضى راتباً مجزياً لقاء خدماته؟
فهل يستحق التكريم حقاً؟
هذا المثال هو مثال بسيط للتملق والربت على اكتاف المسؤولين الذين لا يستحقون كل هذا الثناء، فلماذا لا يتم تكريم عامل البلدية البسيط؟
الذي يتعب ويشقى مقابل مرتب بسيط لايسد رمق عيشه؟
مع انه وذلك المسؤول يؤدون نفس العمل والمهمة وكل حسب موقعه وهي خدمة المواطن.

فهذه ثقافة كرستها الانظمة الدكتاتورية وعملت على ترويضها على الشعوب المقهورة ولا تزال تلك الفئة من الشعوب تجتر من علف العبودية حتى التخمة، وقد وصل الحال الى البعض ان يدافع عن الطغاة بدون ان يطلبوا منهم، فتجد مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بصور الحكام والمسؤولين ورجال الدين الذين لم يقدموا شيئًا يذكر لشعوبهم سوى القتل والفقر والدمار.

لا تزال الشعوب العربية غير قادرة أن تخرج من قوقعة الحاكم الظالم ورجل الدين، فهؤلاء الاثنان لطالموا تحالفوا معاً منذ مئات السنين على شعوبهم، فتصدر الفتاوى تحت سياط السلاطين بما يتناسب مع إرادة وتوجهات الحاكم المستبد، فقد وظف الطغاة فتاوى رجال الدين لصالحهم لأنهم يعلمون مدى تأثير الدين على الشعوب، فأصبحت الفتاوى المزيفة والسنن المحدثة بحراً أغرق الشعوب بالجهل والظلام.

إن الحكام الطغاة يعلمون بظلمهم وقمعهم لشعوبهم ستلجأ تلك الشعوب إلى الدين باعتباره هو الملجأ الوحيد القادر على تخليصهم من الظلم والطغيان، لذلك قاموا بتقريب رجال الدين منهم وعملوا على اشباعهم واعطائهم الامتيازات لكي يصبحوا أداة بيدهم، فيصدروا الفتاوى التي تتناسب واهواء الحكام ولاتخرج عن طواعيتهم، فأصبحت الشعوب إذا ارادت الهرب من جور السلاطين، وقعت في فخاخ رجال الدين المستفيدين من السلاطين.

أصبح الدين وسيلة يستخدمها الحكام لتحريك أو قمع شعوبهم ضد أي خطر يحدق بهم، فإذا ارادت الشعوب الحرية خرج رجال الدين قبل الحكام يحذروا من مخاطر الحرية والخروج على ولي الأمر، وكأنما الحرية هي سلاح نووي وليست حق من حقوق الإنسان، فهذه الفتاوى الجاهزة وتفسير الآيات بحسب الأهواء أخطر من رصاص الحكام، كونها تقتل عزيمة الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية.

هذه الوسائل التي يستخدمها الطغاة لتثبيت حكمهم وسلطتهم نجحوا بها كثيرا على مدى عقود، غير إنها لم تعد مجدية لدى كثير من الشعوب التي أصبحت واعية بما فيه الكفاية وأن تفسر معنى الدين الذي ابعد مايكون اداة بيد الحاكم، لذلك تجد الأنظمة الدكتاتورية تحاول تحديث نفسها وايجاد طرق اكثر نفعاً من خلال تحديث الفتاوى وطرحها باسلوب عصري يدغدغ مشاعر الشعوب.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب