عندما يكون الإلحاد دولة ح4 نموذج ألبانيا وكوبا-الأمة الإلحادية الأولى والتغلب التدريجي على المعتقدات الدينية
نكمل الحديث عن نماذج الدول الإلحادية، ونتحدث في هذه الحلقة عن نموذجين ليس لجامعٍ بينهما بل لاختصار حلقات سلسلة المقالات.
نموذج ألبانيا:
ألبانيا
ألبانيا هي إحدى دول إقليم البلقان الواقع في جنوب شرق أوروبا. يحدها من الشمال الغربي الجبل الأسود وكوسوفو إلى الشمال الشرقي وجمهورية مقدونيا إلى الشرق واليونان من الجنوب والجنوب الشرقي. تطل البلاد على البحر الأدرياتيكي إلى الغرب وعلى البحر الأيوني إلى الجنوب الغربي.
بقيت ألبانيا تحت حكم العثمانيين لخمسمائة ولم تتمتع بالاستقلال إلا في القرن العشرين حيث أعلن عن استقلالها في 1912 كنتيجة لمؤتمر لندن الذي أنهى حرب البلقان الأولى. وكانت الحرب قد اندلعت في عام 1912 بسبب الانتفاضة الألبانية ما بين 1908 و1910.وقد رسمت الحدود بين ألبانيا وجيرانها في عام 1913 بعد حل الجزء الأكبر من أراضي الدولة العثمانية في البلقان. وأدى الترسيم الجديد للحدود إلى ترك عدد كبير من الألبان خارج ألبانيا. وكانت هذه الفئة من السكان منقسمة بين صربيا والجبل الأسود والتي شملت بعد ذلك ما يعرف الآن جمهورية مقدونيا). ووجد عدد كبير من الألبان أنفسهم في ظل الحكم الصربي. وعلى الجانب الآخر، أدى تمرد اليونانيين المحليين في جنوب البلاد إلى تشكيل منطقة حكم ذاتي لهم داخل حدود ألبانيا، بعد فترة من عدم الاستقرار السياسي الذي حدث خلال الحرب العالمية الأولى، اعتمدت البلاد الشكل الجمهوري للحكم في عام 1920.
ابتداءً من عام 1928، بدأت حكومة ألبانيا تعتمد بالكامل تقريباً على موسوليني، ولذا بدأت تتنازل عن سيادة ألبانيا إلى إيطاليا. وبدخول عام 1939 غزا الإيطاليون البلاد وأصبحت ألبانيا محمية إيطالية.
بعد انهيار حكم موسوليني احتلت ألمانيا ألبانيا في أيلول عام 1943، حرر الحزبيون ألبانيا من سيطرة ألمانيا في 28 تشرين الثاني سنة 1944 دون مساعدة الاتحاد السوفيتي وأصبح أنور خوجة زعيماً للبلاد بحكم منصبه كسكرتير عام للحزب الشيوعي الألباني.
ألبانيا هي الدولة الأوربية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة حيث يمثل المسلمون فيها نسبة 70% من السكان بحسب إحصائيات ما قبل الحرب العالمية الثانية.
أتخذ إلحاد الدولة في ألبانيا شكلاً متطرفاً للغاية في زمن النظام الشمولي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم اعتبار الأديان دخيل على الثقافة الألبانية وتم حظرها بشكل تام.
في سنة 1945 صدر قانون الإصلاح الزراعي وتم تأميم معظم ممتلكات المؤسسات الدينية، وحوكم العديد من رجال الدين والمؤمنين بالأديان وتم تعذيب الكثير منهم، وتم طرد كل رهبان الكاثوليكية الرومانية خارج البلاد.
ثم صدرت أوامر بمنع المؤسسات الدينية بممارسة أي نشاط يهدف إلى تعليم الشباب بحجة إن هذا الموضوع اختصاص الدولة فقط!
وحظر على كل الطوائف الدينية امتلاك العقارات والمؤسسات الخيرية.
بلغت الحملة ضد الدين ذروتها في الستينيات من القرن الماضي وابتداءً من عام 1967 بدأت السلطات الألبانية حملة عنيفة في محاولة للقضاء على الحياة الدينية في البلاد.
حيث تم إغلاق جميع المساجد والكنائس والأديرة والمؤسسات الدينية الأخرى والبالغ عددها أكثر من (2169 مؤسسة) وتم تحويل البعض منها إلى مستودعات وقاعات رياضية!
وتم تحقير رجال الدين وإذلالهم، كل ذلك بهدف خلق “الأمة الإلحادية الأولى في العالم”!
بحسب رؤية السلطة الألبانية.
المادة 37 من الدستور الألباني لسنة 1976 نصت على إنه” تعترف الدولة بأنه ليس لها دين، وتدعم الدعاية الإلحادية من أجل غرس نظرة مستقبلية لعالم مادي علمي بين الناس”!
وفي قانون العقوبات لسنة 1977 تم فرض عقوبة السجن من ثلاث إلى عشر سنوات لـ”الدعاية الدينية وإنتاج أو توزيع أو تخزين الأدب الديني”!
بل تم فرض تغيير اسم أي شخص فيه إيحاء ديني!
وكذلك تغيير أسماء المدن والقرى التي تحمل أسماء دينية!
ونجحت هذه الإجراءات في القضاء على الشكل العلني لممارسة الشعائر الدينية ولكن بقي بعض الألبان يمارسون عباداتهم وشعائرهم سراً، وكان السجن لمدد طويلة على الأقل أو الإعدام مصير من يُكتشف أمره.
كان الآباء والأمهات يخشون الحديث امام أولادهم عن دينهم خشية أن يتم نقل الحديث للسلطات!
لم تكتفي السلطات بهذه الإجراءات بل كانت توزع الأطعمة المحرمة على المدارس وأماكن العمل في نهار شهر رمضان!
وحاولت الوقيعة بين المسلمين والمسيحين وحرضت على الفتنة الطائفية!
لم تحرك هذه الإجراءات العالم، وسُجل أول استنكار على هذه الإجراءات من الحكومة الدنماركية في سنة 1983 باعتباره انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة الفصل 9 المادة 55 والذي يُعلن إن الحرية الدينية هي حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف.
بعد انتهاء حكم أنور خوجة في سنة 1985 توقف مشروع إنشاء “الأمة الإلحادية” و ألبانيا اليوم تشهد نمواً واضحاً في عدد المؤمنين بالأديان.
نموذج كوبا:
كوبا
جمهورية كوبا دولة تقع في منطقة الكاريبي في مدخل خليج المكسيك، تتكون من جزيرة كوبا وجزيرة لا جوفنتود وعدة أرخبيلات. هافانا عاصمة البلاد وأكبر مدنها.
عدد سكان كوبا يزيد عن 11 مليون نسمة، وهي أكثر جزر الكاريبي كثافة سكانية. يعيش 74,6% من السكان في المدن الحضرية، بينما يسكن 25,4% من السكان في المناطق الريفية.
في يوم 2 كانون الأول 1956، وصل فيدل كاسترو مع مجموعة من 82 شخصاً إلى كوبا في قارب صغير يعرف باسم غرانما إلى شواطئ كوبا بهدف إقامة حركة مقاومة مسلحة في سلسلة جبال سييرا مايسترا. تزامن ذلك مع الحظر المفروض من الولايات المتحدة على الأسلحة في آذار 1958، مما أضعف من نظام باتيستا.
بحلول أواخر عام 1958، انتشر المتمردون خارج سلسلة جبال سييرا مايسترا، ودعوا إلى تمرد شعبي عام. بعد أن استولى المقاتلون على سانتا كلارا، فر باتيستا بشكل درامي من هافانا في 1 كانون الثاني 1959 إلى المنفى في البرتغال.
تفاوض باركوين مع قادة الثورة كاميلو سيينفويغوس وتشي غيفارا وراؤول كاسترو وشقيقه فيدل كاسترو، بعد أن قررت المحكمة العليا إن الثورة هي مصدر القانون وممثلوها ينبغي أن يتولوا القيادة.فتولى الحزب الشيوعي ممثلاً بفيدل كاسترو ورفاقه إدارة الدولة من ذلك التاريخ.
سجل الدولة الكوبية في مجال حقوق الإنسان واضح حيث تسيطر الدولة الشمولية على كل مفاصل الحياة مما أدى هجرة “10% من السكان” إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد غزو خليج الخنازير في سنة 1961 ألقت الحكومة الكوبية على العديد من المؤمنين وأغلقت المدارس الدينية بما في ذلك المدرسة اليسوعية التي درس فيها فيدل كاسترو نفسه، وأصبحت سجون الدولة الكوبية خاصة في ستينيات القرن الماضي مليئة برجال الدين، وتم نفي أكثر من مائتي كاهن.
الحزب الشيوعي الكوبي الحاكم يقول في بأن أحد أهدافه “التغلب التدريجي على المعتقدات الدينية بالدعاية العلمية المادية والتقدم الثقافي للعمال”.
وقد ور بند في دستور كوبا الذي تم العمل به منذ سنة 1976 إلى 1992 يقول بأن كوبا “دولة اشتراكية” وأنها “تبني نشاطها وتثقف الناس على المفهوم العلمي للكون” وهو قول واضح بإلحادية الدولة.
ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واعتباراً من سنة 1992 سمح الحزب الشيوعي للمؤمنين بالانضمام لصفوفه، وعدلت كوبا نظامها الأساسي لتعلن نفسها “دولة علمانية” بدلاً من إلحادية.