في زمن المقبور صدام وزبانيته العفالقة، كانت مسألة الاعتقال عن طريق الشبهة قائمة على قدمٍ وساق، وما يلحق عنه من أضرار جسدية ومعنوية له ولعائلته تصل مدياتها إلى افراد عشيرته.
تم أعتقال السيد الوالد مع كوكبة من أقاربه واصدقائه في عام 1979 على يد الاجهزة الامنية لنظام البعث، وأودع في غياهب الأمن العامة، مكث فيها قرابة 50 يوماً، بتهمة معدة سلفاً وهي التخابر مع دولة أجنبية مناوئة لنظام البعث الصدامي، نتج عنها أعدام كوكبة منهم وخروج القسم الآخر، من ضمن ممن خرج من المعتقل السيد الوالد بعد لطف الله به وشفاعة الشافعين له، والا لاصبح في خبر كان، لكونه فعلاً كان من المؤيدين بشدة لثورة السيد روح الله الموسوي وداعم للحركات المناوئة لنظام صدام الظالم.
الحديث الذي يشيب فيه الصغير ليس عما تقدم، وانما ما نتج بعد اعدام الكوكبة منهم.. المؤلم، أن بعض ممن تم أعدامهم تم ذلك عن طريق الخطأ؛ تشابه في الأسماء، تهمة كيدية ناتجة عن حقد الحاقدين وماشابهها، ثبت بعد ذلك أن البعض منهم ليس له صلة بعمل مناوئ لسلطة البعث لكن تم أعدامهم!
ما كان رد فعل النظام البعثي في وقتها بعد أزهاق أرواحهم، الا ان قدم أعتذاراً لذوي الضحايا “المعدومين”! ما فائدة الأعتذار بعد فوات الآوان.
المشهد تكرر اليوم، بعد مرور خمسة عشر عاماً من سقوط نظام صدام، وما تبعه من أزمات سياسية، نتج عنها أنهار من الدماء، وهدراً للمال العام على يد المُقامرين من تُجار المناصب، أنعكس سلباً على المواطن متمثلةً في نقص الخدمات الأساسية التي تحاكي الفرد العراقي، التي من واجب الحكومة توفيرها دون المطالبة بها؛ الماء والكهرباء والصحة والتعليم والأمن والسكن الكريم وتوفير فرص العمل، والتي كان سبب في عدم توفرها في عاملين رئيسيين هما سوء الأدارة وتفشي ظاهرة الفساد دون محاسبة المفسدين.
ما قيمة العذر بعد فوات الأوآن..
ظهر مؤخراً احد القادة السياسيين الجهاديين من على شاشة أحدى الفضائيات، مخاطباً الشعب العراقي معتذراً لهم، يطلب الصفح عنه، عما جرى من تقصير على مستوى خدمة الوطن والمواطن خلال الخمسة عشر عام التي مضت!
ما فائدة العذر بعد ان فقد معناه، وما قيمته دون ان ترافقه عملية تصحيح للأخطاء المتراكمة للاعوام التي خلت، في إيجاد الحلول الناجعة، لما يعانيه المواطن من نقص في الخدمات، وما قيمته ما لم يساهم في ان يمسح دموع اليتامى ويخفف أنين الارامل والثكالى، وألآم رب أسرة عاجز عن تلبية نداء أفراد اسرته في توفير مستلزمات الحياة الأساسية، بسبب سوء الإدارة والتخطيط في إدارة الملفات التي نتج عنها تفشي ظاهرة البطالة في البلاد.
بعد كل هذه السنين التي مضت، التي رافقتها الاخفاقات المستمرة يطلب العفو ويقدم الأعتذار.. أصبح العذر من قِبل الساسة منتهي الصلاحية، لعدم الجدية في محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وعدم تمكين المخلصين لخدمة البلاد والعباد، على اثر ذلك فقد المواطن الأمل والثقة في الحكومة والساسةِ معاً.