20 مايو، 2024 2:57 م
Search
Close this search box.

عندما يفتي شرطي في سد الموصل

Facebook
Twitter
LinkedIn

سد الموصل مقام على طبقة صخرية سمكها 250 متراً من الجبس والأنهايدرات والحجر الجيري والحلان، تتخلها بعض العروق أو التجمعات الطينية المترسبة عبر العصور في تجاويف أو فوالق الصخور. بالنظر لقابلية هذه المواد على الذوبان في، أو التفاعل مع الماء وتكوين عوالق تحت ظروف معينة، يحدث تسرب مستمر للمياه من تحت جسم السد ودعاماته.
هذا الأمر ليس إكتشافاً جديداً لحقيقة غائبة عن الأذهان وعثوراً على ظاهرة مجهولة للعيان، توصّل إليها سياسي فطحل أو شرطي جهبذ أو صحفي ألمعي أو كاتب نحرير، أو تفتّق عنها عقل مختص واستنتجها عالم مطلع على بواطن الأمور، كلّاً، إنها واقع حال معروف منذ عام 1950 عندما بدأ عمليات التحري والإستكشاف الجيولوجية والإنشائية والإروائية من قبل شركتين بريطانيتين تحت إشراف مجلس الإعمار الذي تأسس في نفس العام، وبدون الولوج الى تفاصيل تاريخية، توارثت شركات عالمية، منذ ذلك التاريخ، أمريكية وسوفيتية وفنلندية ويوغسلافية وألمانية وإيطالية ويابانية، التحريات والبحوث والدراسات حول مختلف الجوانب المتعلقة بإنشاء السد وتشغيله وصيانته وإستغلاله في الري وإنتاج الكهرباء وتأثيراته البيئية، وتم الإستعانة أخيراً بإتحاد سويسري للإستشارين لغرض دراسة العروض والإشراف على بناء السد وأعمال الفحص والتفتيش في مختلف مراحل التنفيذ لحين تشغيله أواسط ثمانينيات القرن الماضي.
لم أعثر على أي موقف رافض لإنشاء السد بسبب أساسه الصخري إلا اللهمَّ ما كان من شأن مؤسسة تكنو بروم اكسبورت السوفيتية التي أوصت بتغيير موقع بناء السد لمسافة 600 مترٍ فقط عام 1962، علما أن للشركات الروسية خبرة في مجال البناء على الطبقات الجبسية، ولو فرضنا وجود مثل هذا الموقف فإن الغلبة في النهاية كانت لرأي إقامة السد، لأن مشكلة التسرب في الواقع ظاهرة متوقعة ومألوفة في كل السدود بعد التشغيل وليس لها حل سوى علاج الأسس عن طريق التحشية الإسمنتية ولكنها بالنسبة لسد الموصل أكثر أهمية  لكون الحالة مستمرة ولا يُتوقّع لها أن تتوقف بسبب التركيبة الجيولوجية المعقدة لطبقات الأساس، لكنها لا تشكل أي خطر داهم في أية مرحلة من عمر السد إذا تم الإلتزام ببرنامج الصيانة وإجراء عمليات التحشية الإسمنتية حيثما وأينما حدث التسريب وفق إرشادات المصمم والإستشاري.
طبعاً المشكلة الأساسية تتمثل في التسريب، ولغرض تفادي أية مضاعفات يجب الإسراع بمعالجته لأن عملية الذوبان على طبقة الجبس ذات ديناميكية كيميائية خاصة حيث تتوقف عملية الذوبان بعد فترة وجيزة من حفرها لممر الذوبان، لأن تركيز الجبس في الماء يصل الى درجة التشبع ولا يتقبل المزيد، فإذا تحرك الماء المشبع بالجبس في الإخدود ونفذ من تحت السد بدأت عملية ذوبان أخرى وزاد عمق الأخدود الناتج.
عملية الذوبان تؤدي مع مرور الوقت الى هطول جسم السد -وليس إنهياره – بمعدلات أمينة إذا كان تحت السيطرة، لأن جسم السد ودعاماته من الناحية الإنشائية والمدنية في وضع جيد حسبما أقر الفريق الهندسي للجيش الأمريكي في تقرير خاص، عام 2007، وقال بالحرف حسب الترجمة التي قمت بها مباشرة من النص الإنكليزي:”هناك إجماع بين مختلف مجالس الخبراء والمهندسين والعلماء الذين درسوا سد الموصل أو عملوا عليه مباشرة، أن السد مبني بشكل جيّد ولا يمكن أن يكون سبباً لأي قلق”، ويضيف التقرير:” وعلى كل حال، بدون صيانة مستمرة وتحشية الأسس والدعامات، فإن السد يمكن أن يفشل، أي ينهار”، طبعا هذه الملاحظة الأخيرة تنطبق على أي سد أو أي معمار قائم على الأرض، فأي شيء يصمد ويطول عمره بدون صيانة ورعاية؟.
مؤشرات الهطول المسجلة الى الآن في وزارة الموارد المالية تدلل على أن تشغيل السد وصيانته تسير وفق إرشادات المصمم بالرغم من كل الظروف المضطربة التي مرّت على العراق وعلى السد منذ إنشائه، وقال وزيرها أمام مجلس النواب مؤخراً:”بلغ نزول مستوى هيكل وجسم سد الموصل 86 سم بسبب تآكل تربته جراء المياه. وقال أيضاً خلال جلسة استضافته في البرلمان لمناقشة تقارير وتحذيرات من احتمالية انهيار السد:”مؤشرات المصصم الاستشاري المنفذ للسد حددت نزول السد بثلاثة أمتار في 100 سنة الاولى من فترة بناءه فيما وصلت لحد الان الى 86 سنتمتر فقط” وعلق مستشار وزير الموارد المائية ومدير عام السدود:”الهطول المشار اليه في حديث وزير الموارد في جلسة مجلس النواب حول سد الموصل والبالغ ٨٦ سم هو ضمن الحدود الطبيعية والتصميمية التي اشار اليها وهو دليل تشغيل وصيانة السد الذي اعده الخبراء السويسريون عند تصميمه عام ١٩٨٦”.
فلماذا كل هذه القلق والصراخ حتى يخرج علينا (أمس الأول 9 / 3 / )2007، شرطي (مع تقديرنا العالي لرجال الشرطة ودورهم وتضحياتهم) ، يتم تقديمه الى المشاهدين كمحلل أمني إستراتيجي بعد خدمة سنين طويلة عجاف في وزارة الداخلية لم يترك خلفه فيها ذكرا يفرح ولا علامة يشار إليها بفخر، ليقول على محطة تلفزيون محلية بلامسؤولية مفرطة وإحساس بليد :”السد سينهار سينهار”، مدعياً أنه كلام المهندسين والخبراء دون أن يفصح لنا عنهم أو يخبرنا عن خلفيته التي تؤهله للفتوى في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، تهدد مصير البلد المنكوب به وبأمثاله.أترك الجواب لكم. علامة إستفهام، نقطة رأس السطر. وللحديث صلة[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب