23 ديسمبر، 2024 10:14 ص

عندما يعيد التاريخ نفسه على وقع طبول الحرب في سوريا

عندما يعيد التاريخ نفسه على وقع طبول الحرب في سوريا

عندما سئل الرئيس الامريكي هاري ترومان عن رؤيته لمستقبل العالم بعد الحرب العالمية الثانية قال ( المستقبل هو ما لاتعرفه من الماضي ) هذه المقولة ومع تصاعد دقات الحرب على سوريا ,التي هي قادمة ان اجلا او عاجلا ,تعيدنا مجبرين الى احداث الثاني من اب عام 1990 وماتلاها من احداث غيرت وجه العالم والمنطقة ومازالت اثارها لم تمحى لغاية اليوم . لو نظرنا الى المشهد الحالي ومايجري في كواليس منظمة الامم المتحده نرى ان السيناريو هو نفسه يبداء بتحركات المنظمات الدولية وحديثها عبر تقاريرها عن الدكتاتورية وحقوق الانسان والحرية والعدالة الاجتماعية كأن تلك المنظمات اكتشفت فجأة ان نظام الاسد في سوريا هو نظام دكتاتوري كما اكتشفت فجأة ان نظام صدام حسين هو نظام دكتاتوري بعد ثلاثين سنة من تزويد كلا النظامين باسباب الديمومة والبقاء . وبدون سابق انذار تحدث جريمة ضد الانسانية احتلال الكويت في الحالة العراقية والصاروخ الكيمياوي في الحالة السورية ليتحرك نفس البيدق السعودي وليطرق ابوب الامم المتحده متباكيا على حقوق الانسان المهدوره ومطالبا المجتمع الدولي بحماية العدالة الدولية ولتتحرك الالة السياسية البريطانية بنفس الاسلوب لافرق بين تنورة تاتشر وبنطال كاميرون مهددة ومتوعده لتتحرك بعدها الالة الامريكية ملوحة بالعصا الغليظة لينتقل الصراع الى اروقة الامم المتحدة .
لو وضعنا اجزاء اللعبة امام بعضها البعض لتكتمل عندنا الصورة نجد ان اللاعبين هم انفسهم في الحالتين عدا متغير واحد هو العراق عام 1991 وسوريا عام 2013 اما بقية اللاعبين فهم انفسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية ولو راجعنا الادبيات التي نشرت عام 1991 في الصحف الدولية والعربية سواء المؤيد للضربة العسكرية او المعارض لها لوجدنا انها استخدمت نفس الكلمات ونفس الحجج ونفس المبررات لتأييدها او معارضتها مع تغيير كلمة عراق بكلمة سوريا وكلمة صدام بكلمة بشار .
بعد هذه المقدمة يبرز السؤال ماهو الذي لانعرفه من الماضي ؟ ماالذي جعل المجتمع الدولي يتحرك خلال ساعات عام 1990 ليتخذ قرارات حاسمة ومصيرية حسمت مصير النظام العراقي وغيرت وجه المنطقة ؟ في حين ان الموضوع السوري مازال معلقا في اروقة الامم المتحدة بدون امل ان يصدر عن المنظمة الدولية قرارات مشابهه لما صدر ضد العراق بالرغم من تشابه الظروف واللاعبين ؟ ولماذا قررت الولايات المتحدة وبريطانيا انها ستتحرك بدون انتظار قرارات من الامم المتحدة ومجلس الامن اي انها تخلت عن ورقة التوت التي تسترت بها في القضية العراقية ؟
الجواب عن الاسئلة المتقدمة يكمن في اللاعب المتغير وهو سوريا ونجاحها في استغلال العقول الدبلوماسية التي تمتلكها في خوض معركة حقيقية ولكن ميدانها هو كواليس الدبلوماسية الدولية بدلا من سوح الميادين وهو ما لم يحصل في الحالة العراقية .
في البداية يجب ان نؤكد بان ضرب سوريا هو امر محتوم  ومقرر سلفا كما كان ضرب العراق امر محسوم ومقرر سلفا قبل الدخول الى الكويت والسوريون يدركون ذلك كما ان العالم اجمع يدرك ذلك لانه موضوع  يتعلق بمعادلات دولية تتعلق بتوازن القوى ولكن قدرة سوريا على المناورة في الميادين الدبلوماسية هي التي ستحدد الفترة المتبقية واثارها المستقبلية ففحين نرى في الحالة العراقية ان الدولة كلها اختزلت في شخص واحد كان هو القائد والدبلوماسي والمقاتل والمتحدث الرسمي والمتصرف الاوحد في كل نواحي ادارة الصراع نرى ان الدولة السورية استنفرت كافة امكانياتها في التعامل مع الازمة . فمن ناحية اختيار التوقيت نرى ان العراق اختار ان يدخل الكويت ويحتلها عندما كان الرئيس بوش يجتمع برئيسة الوزراء تاتشر ووزير الخارجية الامريكي كان في طريقة للقاء وزير خارجية الاتحاد السوفيتي اي عندما كان كل الاطراف مجتمعين فعليا ولو اختار ان يؤخر ذلك الاحتلال يومين فقط لاحتاج اجتماعهم الى ثلاثة اسابيع على الاقل حسب ما اورده جيمس بيكر في مذكراته في حين ان النظام السوري اختار ان يتحرك ضد معارضيه بعد ان احس برغبة روسيا بالعوده بقوه الى موقع الدولة العظمى وقد ترجم هذا الاختلاف في التعامل الى ان القرارات التي صدرت ضد العراق في غضون ساعات كانت بالاجماع بل ان شيفرنادزه ممثل الاتحاد السوفيتي السابق كان الاعلى يدا في التصويت بنعم للقرارت التي صدرت ضد العراق في حين نراها في الحالة السورية ان روسيا ذهبت الى ابعد من التلويح بالفيتو الى الوقوف بقوة ضد اي قرار قد يصدر ضد سوريا .
كما ان القيادة السورية اختارت ان تنسحب من الصورة تاركة للعسكريين المحترفين ملف التعامل مع الملف العسكري ومحاربة قوات المعارضة على الارض بدلا من تسليم الملف العسكري للمراهقين وعديمي الكفأة كما حصل مع الجيش العراقي عندما اخضع كبار القادة الذين عركتهم المعارك لقيادة اركان النظام ممن لم يشهدوا معركة واحدة في حياتهم اما الملف الدبلوماسي وهو الملف الذي يعول عليه السوريون نرى انه قد سلم الى المعلم وقد اثبت انه معلم بحق كذلك جهود ممثل سوريا في الامم المتحده والذي اثبت قدرته على التعامل مع المجتمع الدولي بحرفية عالية في حين نظرة واحدة الى الوفد العراقي الذي ذهب للقاء وزير الخارجية الامريكي عام 1990 نرى انه كان يضم بالاضافة الى طارق عزيز كل من المترجم الخاص بصدام حسين وبرزان التكريتي ممثل العراق لدى المقر الاوربي للامم المتحدة ( ولاداعي لذكر كفائته وقدراته الدبلوماسية ) من تركيبة الوفد ندرك كفأة التعامل العراقي مع الملف الدبلوماسي في وقت الازمة
مما تقدم يجب ان ندرك باننا جزء من عالم تتحكم به معايير من اولها معيار المصالح وليس من ضمنها العدالة والمنطق وان اولى خطوات النجاح في التعامل مع هذا العالم هو معرفة مفاتيح التعامل مع الازمات وان الفرد مهما بلغت قدراته لايمكن ان يتعامل مع كافة المسائل وان الدول لاتدار بالعقلية الفردية بل يجب الاعتماد على اهل الخبرة والكفأة وليس على اصحاب الولاء
ارجو ان لايفهم من كلامي اني من مؤيدي نظام بشار فانا ضد اي نظام دكتاتوري مهما كان ولكن ارجو من القائمين على الامور في العراق ان يتعلموا بان الدول لايمكن ان تختزل بشخص ويجب ان ندرك بان اهل الكفأة مهما كانت توجهاتهم الساسية او معتقداتهم الدينية ماداموا يعملون في سبيل البلد هم الاساس في بناء الدولة وليس اصحاب الولاء .