19 ديسمبر، 2024 5:16 م

عندما يعاد تسويق الإسلاموفوبيا في فرنسا

عندما يعاد تسويق الإسلاموفوبيا في فرنسا

في حين يجمع كثير من المختصين والباحثين والسياسيين الفرنسيين على ان قانون 1905 الخاص بتنظيم العلاقة بين الدولة الفرنسية وبين الدين الذي أعطى لقيصر ما لقيصر وما لله لله كاف لحل المشاكل التي تعترض المجتمع الفرنسي بخصوص وجود ستة ملايين مسلم فرنسي وتطبيق الشعائر الدينية التي يضمنها هذا القانون الذي كان تاريخا للعلمانية الفرنسية بفصل الدين عن الدولة وترتيب كل ذلك بقانون وإجراءات شملت مختلف المرافق ترسخت يوما بعد آخر ٬ لكن الازمات السياسية والاقتصادية جعلت الأحزاب السياسية تستثمر في استراتيجية التخويف من الإسلام منذ اكثر من عقد ونصف لتجذب أصوات اليمين المتطرف الذي نمى بفضل الحزب الاشتراكي. استخدم الاشتراكيون موضوع الإسلام والحجاب في المدارس استعمالا واسعا للتغطية على الإخفاقات في السياسة الاقتصادية وانتهاج مسار ليبرالي متوحش بخصخصة قطاعات وطنية وبيع اهم ما يفتخر به الفرنسيون من قطاعات صناعية للشركات الأجنبية وعدم معالجة البطالة رغم عقود من السلطة. لكن مجيء اليمين الى السلطة لم يوقف هذا الاستثمار في موضوع الإسلام للوصول الى الحكم بل انه اصبح استراتيجية مدروسة بدقة يبدأ العمل بها مبكرا عبر الاعلام والقنوات التلفزيونية وبرامج المشاهدة الواسعة للجمهور٬ استراتيجية أوصلت نيكولا سركوزي الى الفوز بالانتخابت الرئاسية ضد منافسته الاشتراكية سيغولين رويال. مبكرا ٬ كما في الامس تستعمل نفس الاستراتيجية اليوم وقبل اثنين وعشرين شهرا من موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية ليكون موضوع الإسلام تدشين لهذه الحملة التي سبق تجربتها ونجحت. فقد اختار ايمانويل ماكرون مكانا يقال انه مشهود عليه “بالعيش المشترك” بين المواطنين ليقدم اقتراحات قديمة بلباس جديد هي “الانعزالية الاسلاموية ” وليتم الكلام في الاعلام مرة أخرى وأخرى عن الإسلام والإرهاب والحجاب. فلماذا لم يذهب الرئيس ماكرون الى الضواحي الفقيرة التي تسميها الشرطة الفرنسية بالمناطق الخارجة عن القانون ليقول هذا الكلام وليعيد القانون لهذه الضواحي لتصبح شاهدا اخر على العيش المشترك باعتباره رئيسا لكل المواطنين دون تمييز؟
لقد طرح الرئيس ماكرون هذا التعبير لسوق الناخبين منذ آيار الماضي ٬ تعبير جديد ٬جاهز للاستعمال ٬ تعبير يحل محل تعابير أخرى تم استخدامها منذ الانتفاضة الفلسطينية وغزو العراق ٬ فمرة سمي المسلمون بالأصوليون وبعدها بالمتعصبون وبالظلاميون ومن ثم بالراديكاليون والطائفيون وبالارهابيون والمغتصبون ٬أضاف ماكرون للإجراءات السابقة تقييد حول تعليم اللغة العربية والقرآن ووجود الجمعيات وتعليم الأطفال في المنازل وهو ما كان ينظر له أصدقاء وحلقات معينة حول السلطة لكي لا ينظم الفرنسيون المسلمون انفسهم اسوة بالآخرين. تقول الباحثة والكاتبة مونيك بنسون شارلوت ان الانعزاليون والانفصاليون هم الطبقة الغنية التي لا تدفع الضرائب التي ينتمي اليها ماكرون٬ فهي التي ساعدته للوصول للحكم وهي الطبقة التي تحصد الامتيازات دون ان تدفع الضرائب المتوجبة عليها .
ما هو جديد في فرنسا هو الاتساع الخطير لخطاب الاسلاموفوبيا الذي لم ينقطع عن الاعلام بل يتزايد ويتسابق صحفيه من العنصريين بإتحاف المستمع في كل مرة بجملة او تعبير يتم تناقله والمبارزة حوله بين الأحزاب المختلفة. وصف الصحفي ايريك زمور ضيف القنوات والاذاعات الدائم نجم معاداة الإسلام أخيرا “كل” المهاجرين ومن ضمنهم “غير البالغين” بأنهم ربما من القتلة والمغتصبين ويجب على الحكومة الفرنسية تحمل مسؤولية ذلك وان لا تجازف بقبول هؤولاء. وبمناسبة محاكمة المتهمين بحادث صحيفة شارلي ايبدو عام 2015 ٬ ووقوع حادث اعتداء غريب من شاب باكستاني بسلاح ابيض قرب الصحيفة على صحفيين اثنين وقيامه بتسجيل فديو “يعترف بهذا الاعتداء” لقيام الصحيفة بإعادة نشر الصور الكاريكاتورية للرسول )ص( من جديد٬ وصفت بعض القنوات التلفزيونية الفرنسية الشاب بأنه لا ينتمي لا لتنظيم القاعدة ولا لداعش !
هذا الاعلام الذي يوصم المسلمين بالدواعش لا يهتم ويتجاهل العدد الكبير من التصرفات العنصرية والمعادية للاسلام والعرب والمسلمين الذين يعيشون مثل أي مواطن فرنسي في احترام كامل للجمهورية ولقوانينها التي يطبقها ولا يفكر بخرقها لانها تنظم حياته وحياة عائلته وتحميه بينما ولأقل حادث يصيب آخرين تنقلب الدنيا ولا تقعد حتى لو لم تثبت صحتها او تكون أصلا حادثا ملفقا ومثل هذه الاحداث كثيرة وموثق عدم مصداقيتها من البوليس نفسه.
وقد وثق “تجمع ضد الاسلاموفوبيا في فرنسا” اتساع هذا الخطاب في تقريره للعام الماضي الذي يشير فيه الى زيادة الاسلاموفوبيا بنسبة 17% عن العام الماضي و77% عن العام الذي سبقة ٬يذكر التقرير ان الخطاب العنصري قد تم تطبيعه واصبح طبيعيا في فرنسا وبعض دول العالم وحادث مسجد نيوزيلندا شاهد كما أصبح ارتداء امرأة لغطاء الرأس مشكلة في البرلمان الفرنسي لاعتباره إشارة دينيه بينما لا يتم الاعتراض على وجود الرموز الدينية للديانات الأخرى .
قيام أستاذ التاريخ والجغرافية في متوسطة منطقة “كونفلان سانت اونورين ” بالطلب من الطلاب المسلمين برفع اياديهم والخروج لعرض صورا كاريكاتورية لرجل عاري ٬ صادمة بالنسبة لهم ٬) صور للرسول في صحيفة شارلي ايبدو( في موضوع حرية التعبير في فرنسا لم يكن تصرفا صحيحا بحسب قواعد التعليم وحتى بالنسبة للقانون الفرنسي بل هو تصرف
عنصري ) قتل الأستاذ من قبل شاب عمره 18 من اصل شيشاني كما قال البوليس الفرنسي ( ورفض احدى الطالبات مغادرة الصف ومعاقبتها بالطرد هو تصرف غير قانوني أيضا ولا تعد شكوى اب الطالبة والعوائل المسلمة تجاوزا على القوانين وقواعد وزارة التعليم بل ما هو غريب ومثير للتساؤل هو رفض إدارة المدرسة سماع العوائل المسلمة وشكوى الاب ونفي ما حدث بالكامل لان هذا الامر يعتبر فضيحة كبيرة لوزارة التربية ولادارة المدرسة التي غطت على تصرفات المدرس العنصرية وغير المهنية. في اتصال مع الاب قال ان ابنته متأثرة ومصدومة من تصرف استاذها ولا تفهم ما قام به ضدها وضد زملائها من الطلبة المسلمين وتلفيق قصة ضدهم بتغطية من مديرة المدرسة. قتل الأستاذ امر مدان ومؤسف ٬ ومؤسف أيضا تكذيب رواية الطالبة والعوائل المسلمة وتحميلهم ذنب شكواهم ضده بعد مقتله. فلا علاقة بين حادث القتل والتصرف الطبيعي لوالد الطالبة والعوائل المشتكية لانهم تصرفوا وفق القانون والقواعد المتبعة ولم يبدر منهم أي إساءة معتبرين ان تصرف الأستاذ غير مبرر مع طلاب غير بالغين تمت اهانتهم امام زملائهم.
وقبل الحادث المؤسف لأستاذ التاريخ ٬ وفي مقابلة لأحدى صحفيات قناة فرنسا 24 قبل أيام دليل فاضح على اعتبار الاسلاموفوبيا غير موجودة في فرنسا وان الإساءة للإسلام هو حرية تعبير ٬ فقد عرضت مقابلة مع أستاذ للاجتماع في مدينة “اكس اون بروفانس” تسأله الصحفية عن رأيه “بالانعزالية الإسلامية” التي تكلم عنها الرئيس ماكرون؛ وحينما لم يتقبل أستاذ الاجتماع كلام الصحفية التي بدأت مقدمتها بمجموعة من الأكاذيب حول تصرفات المسلمين اثناء حادثة صحيفة شارلي ايبدو القائلة بانهم فرحوا ورقصوا للحادث٬ فقام بتفنيدها ٬ مؤكدا ان الحكومات المتعاقبة منذ عقد ونصف تستثمر وتستعمل الإسلام والمسلمين الفرنسيين من اجل الانتخابات وحرف انظار الشعب الفرنسي عن المشاكل الأساسية وعن الازمة الصحية لجائحة كورونا التي تدار بشكل مبهم والتي تهم المواطنين وترفض رؤية الحقائق والبحوث التي نقدمها لايجاد حلول حول ما تسمية بمشكلة الإسلام في فرنسا٬ فما كان من الصحفية الا ان سارعت بقطع الحوار بشكل حاد لمنعه من إيصال فكرته حول حقيقة خطاب الاسلاموفوبيا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات