18 ديسمبر، 2024 11:17 م

عندما يصعب تفنيد الاكاذيب الكبرى (٢) : القطاع الصناعي

عندما يصعب تفنيد الاكاذيب الكبرى (٢) : القطاع الصناعي

في الجزء الاول ، تحدثتُ عن الاوهام والمغالطات والمبالغات المحيطة بتطور القطاع الزراعي في العراق..
اما بالنسبة للقطاع الصناعي ، بشقيه المدني والعسكري، فالموضوع احاطت به حكايات خرافية أكثر من غيره..
منذ فجر الصناعة في العراق وهي قائمة على استيراد مصانع جاهزة وقديمة لاستخدامها في انتاج بعض المنتجات التي غالباً ماتكون مدخلاتها وموادها الاولية مستوردة وتستخدم تكنولوجيا قديمة وتنتح بتكاليف عالية قياساً بمثيلاتها المستوردة..
مصانع الزيوت النباتية ، تستورد الزيوت النباتية الخام.
مصانع السكر تستورد السكر الخام ( عدا جزء محدود من سكر القصب في محافظة العمارة والذي سببت زراعته نتائج كارثية).
شركة الاطارات كانت تستورد المطاط ،
شركة الصناعات الكهربائية كانت تستورد كل المكونات وتقوم بتجميعها في العراق عدا صندوق التلفزيون الخشبي وهيكل الثلاجة المعدني.
شركة صناعة السيارات في الاسكندرية كانت تستورد مكونات الشاحنات اسكانيا السويدية وتقوم بتجميعها ببطء شديد( معدل الانتاج شاحنة ونصف في اليوم)..ولم تتمكن ابداً من تصنيع اي جزء حيوي من خلال اكتساب الخبرة المتراكمة كما ينبغي، مثل المحرك او غيره.( اقتصادياً، صناعة الشاحنات يجب ان تنتج ١٥٠ ألف شاحنة سنوياً لكي تكون اقتصادية)..
من هي الصناعة العراقية الصرفة التي كنا نفخر بها والتي استطاعت الصمود والاستمرار بعد فرض الحصار بعد احتلال الكويت؟
كانت الصناعة ( القطاع العام والخاص) هي بمثابة متاجرة بدولارات النفط ولم تتمكن اي صناعة من الاستمرار بدون استيراد معظم مكوناتها ومكائنها وقطع غيارها..
حتى صناعة الادوية في سامراء كانت تستورد المواد الحيوية في صناعة الادوية وحتى العبوات اللازمة للانتاج ( اخبرني مديرها العام بتفاصيل محزنة يجهلها الناس عن عدم قدرة هذه الصناعة على التقدم ، مع انها قديمة في العراق).
لم تكن لدينا صناعة تحويلية processing industry
بل كان لدينا تصنيع manufacturing
من الناحية العلمية كنّا نجمّع مواد مصنّعة في الخارج ونقوم بتجميعها ونطلق عليها صناعة وطنية كجزء من النَفَس الدعائي وليس التنموي..
مهزلة الحصار وكيفية الطلب من الامم المتحدة لمنح العراق مبالغ (من امواله) لاستيراد مواد للصناعات الحيوية للبشر وكيفية توزيعها بين الصناعات عندما كانت تناقش في مجلس الوزارة الذي يرأسه الوزير واعضاءه المدراء العامون ..
حتى معامل الاسمنت تعطلت بسبب نقص نوع من الكرات الحديدية او المعدنية التي تستخدم في طحن المواد !!!
المهزلة الاخرى هي مهزلة التصنيع العسكري الذي استنزف موارد العراق من النقد الاجنبي ( ومن لايقتنع، عليه مراجعة اللقاءات التلفزيونية مع السيد ضياء الخيون وكيل وزارة المالية السابق ومدير عام مصرف الرافدين ، علماً بأني سمعت هذا الكلام منه شخصياً في اواخر الثمانيات عندما كنا اعضاء في احد مجالس الادارة حيث كان يشكو من ان حسين كامل كان يستحوذ على كل المورد النفطي بالعملة الصعبة عندما كان يجتمع مجلس الموارد . وعندما كان احد الوزراء يطالب ببضعة ملايين دولار لاستيراد اجهزة مثل اجهزة معالجة الاسنان من سويسرا، كان يقول له حسين كامل : هل طلبت تلك الاجهزة من التصنيع العسكري وعجز عن تجهيزك بها؟
فيقول له الوزير : كلا لم نطلبها لاننا لم نتصور ان التصنيع العسكري قادر على انتاجها !!
فيقول حسين كامل ( الراعي) سوف نزودك بها !! ويطلب تحويل المبلغ الى التصنيع العسكري..
طبعاً لن يتم التجهيز لانها كذبة ..
في مجال صنع الاسلحة لم يتمكنوا من صنع شيء ذو معنى ، صواريخ الحسين والعباس كانت عبارة عن صواريخ سكود الروسية وكل الذي قام به التصنيع هو اضافة طول للصاروخ لكي يحمل وقود اكثر!! وعجز عن صنع جهاز توجيه .. لذلك صار الصاروخ كالمنجنيق ولم يتمكنوا ابداً من السيطرة على زاوية سقوطه فوضعوا له صواعق على كل جوانبه لكي ينفجر كيفما سقط!! رغم انفاق المليارات ورغم وجود برنامج مكلف للتعاون مع يوغوسلافيا السابقة في هذا الخصوص.
ومعلوماتي تأتي من المسؤولين والعاملين في هذا المشروع الذين هم اصدقائي..
صاروخ العابد الذي هو خمسة صواريخ سكود مربوطة مع بعض، والذي تم اطلاقه مما سمّيَ قاعدة الانبار الفضائية والذي قامت له قائمة العالم وقالت الصحافة الغربية انه دار حول الارض وذهب الى مكان مجهول..
كان ذلك فخاً وقع فيه النظام الذي صدّق الكذبة وروج لها مع انها كانت تهدف لتهويل خطر العراق تمهيداً لتدميره لاحقاً وفق نفس طويل لم يستوعبه قادة النظام الذين كانوا مجموعة من الأميين الموتورين.
علماً ان صاروخ العابد سقط بعد ١٧ ثانية من اطلاقه نتيجة فشل الاطلاق وعدم انفصال القواعد الكونكريتية التي كانت تثبّت الصاروخ قبل اطلاقه( هذه شهادة صديقي اللواء المهندس المشرف على العملية).
القذائف التي كان يصنعها التصنيع العسكري كانت تنفجر وتقتل طواقم المدفعية !!
السلاح الكيمياوي ، كانت تستورد مكوناته وتعبأ يدوياً من براميل بلاستيكية وتوضع في اغلفة القنابل، وأدت تلك العمليات البدائية الى اصابة اعداد كبيرة من العاملين الشباب !!
وكان المفتشون الدوليون يصرّون على زيارة مصانع السلاح الكيمياوي ولم يصدّقوا انه ينتج هكذا بطريقة بدائية.
واخبرني احد المسؤولين عن تلك الصناعة ان احد المفتشين وهو روسي اسمه نيكيتا، قال له : انكم اغبياء لانكم جلبتم الشكوك دون سبب !!
الكثير من العراقيين والعرب لازالوا مبهورين بالنهضة الصناعية العظيمة وعلماء العراق الكبار الذي ارعبوا امريكا واسرائيل.
وحتى السلاح الكيمياوي المزدوج
binary chemical weapon
الذي هدد به الرئيس الاسرائيليين ، كان كذبة سخيفة اطلقها النظام للدفاع عن نفسه لانه شعر بأنه لم يعد مرغوباً فيه.. حيث لم يتم انتاج سوى ٣ غرامات من ذلك السلاح في مشروع ريادي تجريبي وبجهود كبيرة وبكلفة عالية وفي وقت طويل
pioneer project
ولم تكن لتلك الكمية اية قيمة عسكرية !!
لم يتمكن العلماء من صنع اي شيء يمثل نقلة في الصناعة المدنية والعسكرية..
ربما لو كان قادة الصناعة من العلماء الذين يعملون بحرية ، لكان ذلك اكثر فائدة نظراً لكفاءة المهندسين والعلماء العراقيين ، لكن القيادة والتوجيه والقرارات كانت بيد الاميين الجهلة الذين كانوا يستخدمون الضرب والتعذيب ضد كبار الباحثين..
حسين كامل لم يكن يعرف معنى كلمة بخار بالانكليزية steam وطلب جمع كل البخار من السوق لتسريع الانتاج عندما قال له احد المهندسين ان ال
steam
.. لايكفي للانتاج