عندما يكون الفرد غنياً ويملك كل شيء من المقتنيات المادية ، يبدأ بالبحث عن التميّز . ليس ذلك فقط بين اغنياء منطقة جغرافية معينة ، بل انه شعور ينتاب معظم الاغنياء وفي كل العالم.
يبحثون عن محلات خاصة تقدّم لهم السلع والخدمات التي يحتاجون اليها باسعار مُضاعفة مع انها او مثيلاتها تكون متوفرة في اماكن اخرى باسعار تقلُّ كثيراً ، وعندما تسأله لماذا تدفع اكثر بكثير؟ يكون الجواب: انها ماركة لايشتريها كل شخص !!!.
فالمشكلة بالنسبة لهؤلاء ان العامّة يرتادون هذه الأماكن وبالتالي تضيع ميزة التفرّد والاختلاف.
(بعض نجمات هوليود يدفعن مئة الف دولار كلفة تصفيف الشعر في محلات معينة فتحت ابوابها لاشباع رغبة هؤلاء).
يقتنون افخم واغلى السيارات والبيوت والمجوهرات والملابس ، ويرتادون أفخم المطاعم الخ ..لكن المشكلة ان ذلك يقودهم الى نوع من الكآبة الناجمة عن امتلاك كل شيء !!
هنا ، تتحول ابصارهم نحو الطرف الآخر من الميدان ، المقابل والمعاكس لهم . انهم ينظرون الى أصحاب العلم والثقافة والحكمة واصحاب الشهادات (الجديرة بالاحترام)، وتنشأ لديهم الرغبة في الانتماء لهذا العالم الذي لايسكنه الاغنياء عادةً.
يبدأون بشراء الشهادات ( يعرفون انها لاتنفع ولايستطيعون استخدامها لغرض البحث عن وظيفة لكنهم يحتاجون العنوان) ، ويبحثون عن شهادات فخرية ، ويستأجرون كتّاباً وشعراء لكي يؤلفوا لهم وبالنيابة عنهم ، دواوين وروايات وكتب في الثقافة الخ..
لقد قرروا ان يكونوا ايقونات ثقافية كما هم ايقونات في عالم الثروة..
لقد حسدوا اصحاب العقول والفكر والثقافة .. انها نزعتهم الاستحواذية التي تريد السيطرة على كل شيء وإقصاء الآخرين .
يقال ان أحد الفقهاء سهر طوال الليل وهو يبحث عن حل لأحدى المسائل الفقهية المطروحة عليه.
وعندما توصل الى الحل أخذ يقفز ويقول : اين ابناء الملوك والأمراء من لذتنا هذه ؟ والله لو علموا بها لجالدونا عليها بالسيوف .
انها لذه وسعادة اكتساب المعرفة التي لايعرفها اغلب الأغنياء بسبب اختلاف انشغالاتهم ..
لكن البعض منهم يرغب في ان يُصَنَّف ضمن اصحاب الرأي والعقل ، فيسعى الى ” السطو ” على ميدان المعرفة للاستحواذ على بعض مافيه !!
البعض منهم يُصبِح أضحوكة لانه يرتدي معطفاً أكبر من حجمه، ويبدأ بالتنظير والتصريح وإبداء الرأي في قضايا ترتبط بالميدان الذي سطا عليه عنوةً !!
سمع ان هنالك لذة في تعاطي الشؤون المعرفية وان هنالك احترام مجتمعي
، علني أو ضمني، لاصحاب العقول والمثقفين ، واراد ان يشاركهم فيه .
يقول الامام علي ابن ابي طالب :
“كفى بالعلمِ شَرفاً ، أن الكل يَدَّعيه ولو لم يكن من أهله ، وكفى بالجهلِ حَزَناً ان الكل يتبرّأ منه وإن كان موسوماً به”.
ايها الاغنياء بالمال ، الأمر ليس بهذا الشكل ابداً ، انه جهد متراكم وعمل دؤوب وصبر ومعاناة وسهر وحرمان من النوم والمتعة وحرمان من الإنصراف لجمع المال ( كما فعلتم )، لقد ترك هؤلاء لكم المال فاتركوا لهم العلم.