رجل رسم من الجهاد طريقاً فسار به، حتى نال المجد الأبدي الذي لا ينتهي، ومرضاة من الرب الكريم كان مسعاه، فلم يكن يطلب جاهاً أو منصباً، ثمناً لكل ما قدمه، فمنذ نعومة أظفاره، تربى بكنف شهيد المحراب، السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف)، فكان التلميذ الذي أبهر معلمه لتواضعه وحبه للجهاد، إنه القائد بالفطرة، والمجاهد بالرضاعة، والشهيد بالمنازلة، إنه الشهيد السعيد السيد صالح البخاتي (عليه الرحمة).
كان يتوسل الشهادة ليكون في ركب الحسين (عليه السلام)، وفي أخر صلاة له قال: إن بيني وبين كرامتي مجرد زجاجة، فإختنقت الروح حزناً على عدم الرحيل في حينها، لأنه يريد اللقاء مع مَنْ يحب، وهو يعلم أنه المجاهد بالحق، وسيكون شهيداً من أجل الأرض والعرض.
أن تبكي من أجل الشهادة، فذلك يعني إن عشقك للباريء (عز وجل) طفح كيله، ولابد من الوفاء بالعهد، فالطاقة المتجددة، والإعتزاز بالروح الثورية للبطل البخاتي، كانت قد قررت المضي بطريق المجد والكبرياء، فركبت معراج الشهادة من الأرض وحتى السماء، ليجود بنفسه الأبية فداءً للوطن، لأن الذوبان في بيعة الشهادة، طريق لا تحده الأقواس، ولا تحجبه الأسوار، فقد كان للسيد البخاتي علامات للشموخ، وإشارات للنصر، تحلق بين عينيه التواقة لكرامة الحياة في الآخرة.
البخاتي أحد القادة الشهداء الأحياء، الذين عقدوا موعداً مع أنصار الحسين (عليه السلام) في طف جديد، فهو قد تربى في مدرسة الحكيم، التي علمت الجيل الثائر ضد الطاغية المقبور، بأن لا حياة ولا عهد مع الطغاة، فأخذت عيونه تترقب الأمل لنيل الشهادة، وتحقق له ما أراد، فقد غادرنا في أيام تحرير الفلوجة، وهو الذي زف بشرى تحرير الصقلاوية قبلها.
لقد آمن السيد البخاتي (عليه الرحمة)، بأن الإسلام يقود الحياة، وأن خير مَنْ يدافع عن العراق، في ظل هذه الأوضاع العصبية، المتمثلة بظهور الفكر الداعشي التكفيري، هو ما أفرزته المرجعية الرشيدة، والذي يعدها البلسم الشافي لأرض العراق، سوى الولادة الميمونة للحشد الشعبي المقدس، بفتوى الجهاد الكفائي، حيث ألتحق بصفوفه منذ اللحظات الأولى، فكان مقداماً في كل شيء، ينفذ أوامر قادته، ويقود المعارك بأدق تفاصيلها.
ختاماً: قد تخلو الزجاجة من العطر يوماً، ولكن الرائحة العطرة عالقة بالزجاجة، هكذا هي السيرة الطيبة للعبد الصالح، السيد صالح البخاتي، فحتى وإن غادرنا جسده فستبقى روحه محلقة بيننا، تفوح منها عطور الشهادة والكرامة، هنيئاً لك يا تلميذ الحكيم، هنيئاً لك عندما سرت على نفس طريقه، طريق الشهادة!