عندما تكون السلطة فاسدة مثل ما هو حاصل في العراق فأن الفساد يتفشى حتى يصبح الجزء المخفي منه اكبر بكثير من الذي يطفو على السطح بما يعرف بظاهرة الجليد والتي تعبر عن امتداد الفساد الى كافة مفاصل الدولة. وعندما يمتزج الفشل بالفساد وهو حصيلة حتمية لامتداد كلاهما نحو الاخر بعلاقة طردية تموت الدولة ويصاب الشعب بالذل والقهر ويستشري الجهل والفقر والبطالة والامية والتبعية ويصبح الداء كالسرطان الذي لاينفع معه الا ثورة شاملة تعتمد العلاج الشامل. هكذا وصف وزير المالية المستقيل في حكومة مصطفى الكاظمي بوصفه الدولة العراقية (بالزومبي الميت)!. وبذلك فقد اصبح الشعب العراقي مع وجود النظام السياسي الحالي يعيش بلا كرامة ولا سيادة ولا مرتكزات تخدمه وتستنهض طاقاته ويحكمه فاشلون فاسدون وذلك لأن معايير الاختيار تعتمد على المحاصصة والولاء للأحزاب والشخوص كما رأينا ذلك في التسريب الأخير لوزير الصناعة السابق. وعندما يكون الاختيار لوضائف الدولة الرئيسية معيارها التذلل لشخوص الأحزاب والولاء لهم وليس للوطن نعلم علم اليقين بأن الوطن غير موجود بل قد تم بيعه ببضعة دولارات!
الفساد المالي والإداري في بداياته مرض شديد الخطورة يمكن ان تتم معالجته بالوسائل المتيسرة اما اذا استفحل وامتد لكافة القطاعات فانه يصبح سرطان منتشر في انحاء الجسد الذي يتحول الى (زومبي مخيف ولكنه ضعيف). والاستفحال معناه الامتداد ليس للوزارات فقط وعند الأحزاب والنواب ولكن يشمل القطاعات المهمة لحفظ العدالة كالقضاء ولحفظ الامن كالجيش والقوات الأمنية. وهنا تحصل نقطة اللاعودة واللاعلاج الا بالثورة التي تطيح بالعديد من رؤوس الفساد ثورة شاملة لان سرطان الفساد وصل الى مرحلة لاينفع معاه العلاج البسيط.
الفساد في النظام العراقي ما بعد ٢٠٠٣ بلغ من الحدود ما لايمكن وصفه واصبح مثالا عالميا قاسيا للفساد في كافة النواحي وادى الى فشل الدولة بتوفير ابسط الخدمات كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والزراعة وغيرها. فبعد ان كان العراق بلدا رائدا في الصناعات البتروكيمياوية والأدوية والمكائن الثقيلة والسيارات والزجاج والنسيج والصناعات الأخرى والتعليب والمواد الغذائية والالبان وإنتاج التمور والثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي الفائض عن الحاجة وتشغيل الايدي العاملة بما يسمح باستيرادها من الخارج والتعليم والبحوث والفن والثقافة والنظام الصحي المتطور والصناعات العسكرية الرائدة وتوفير فرص العمل للكفاءات وغير ذلك كثير اصبح اليوم يستجدي الكهرباء وفي ذيل القائمة بجميع ذلك. هذه هي نتائج النظام الفاسد الذي جائت به أمريكا بعد غزو العراق عام ٢٠٠٣. ولايزال اليوم نفس الوجوه الفاسدة تتقاتل مستميته على تقاسم الكعكة التي أصبحت (نتنه) قد تنفر من رائحتها حتى الحيوانات ولكنها لاتزال تستهوي العقبان من اكلة لحوم الجيف الا ان الفرق هو ان العقبان انيطت بها مهمة تنظيف البيئة من اللحوم الميته النتنه اما عقبان الفساد في العراق فهي عمياء غير حادة البصر وهمها هو ان تنهش فريستها وفي نفس الوقت تلوث بها البيئة.