22 ديسمبر، 2024 7:37 م

عندما يختلط الأله بالحاكم القديم

عندما يختلط الأله بالحاكم القديم

اليوم وصلتني مقالة جميلة لأحد الاساتذة المحترمين، يتسائل فيها عن سبب غرام وتعلق العراقيين بالماضي والأمجاد السابقة وبحضاراتهم القديمة مثل سومر وآشور وبابل؟
كتبت له رسالة تعليقاً على ماجاء في مقالته اللطيفة تلك.
قلت له :
أن بؤس الحاضر وعدم وجود اسباب منطقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كل ذلك يدعو الى اليأس.
لايتبقى لدينا سوى هذا الحنين المرضي الى الماضي والذي بدوره وصلتنا اخباره بصيغة منمّقة ومحرفة الى حد كبير.
حيث قالوا لنا ان لنا ماضياً مشرفاً كان كل حكامنا فيه وملوكنا وخلفائنا عظماء وسيطروا على العالم وخضعت لهم الأمم .
قالوا انهم كانوا عادلين وحكماء ورحماء وانسانيين ومؤمنين ورجال دولة. كلهم يتسمون بالحزم والقوة وحب العلم والعلماء ويحبون الأدب والفن والشِعر.
لم يرتكبوا حماقات او جرائم ولم يؤذوا أحداً ، وكانوا يحبون الله الى حد انهم اختلطوا في مخيلتنا بالله نفسه واصبحوا ظلاله على الارض بحق !!
بعض الحكام كانوا قتلة وحثالات ومجرمين أذاقوا الناس العذاب ، لكن التاريخ الرسمي يقول بعكس ذلك، كانوا أشباه الآلهة..لقد استحوذ بعضهم على وظيفة الله ونسبها لنفسه بطريقة او بأخرى. عبروا كل الحدود ولم يتورعوا عن اي فعل.
اضافة الى ذلك، فقد توالت على حكم العراق نُظُم مستبدة قاسية فرضت نوعاً من التربية والثقافة التي تكرّس التغزّل بالماضي وبتقديس الاجداد العظماء وبكوننا نمتلك اقدم وأول الحضارات.
كانوا يريدون من الناس ان تكتفي باستعراض الماضي التليد كبديل عن نهضة حالية حقيقية شاملة ترتقي بنا الى مصاف الدول المتقدمة.
لقد كانوا عاجزين عن إحداث تلك النهضة ،لذلك وضعونا في دوامة استعراض الماضي والدوران حوله كصنم مقدس ، ونستمر بالدوران حول ذلك الصنم الى حد الإعياء والاستنزاف.
كل الشعوب لها ماضٍ تفتخر به ، لكن المهم هو الحاضر.
لابأس من استلهام العبرة من التاريخ سواء كانت درساً سلبياً او ايجابياً، نجاحاً ام فشلاً. لكن تاريخنا ليس فيه فشل !! واذا كان هناك أخفاق من نوع ما ، فهو مؤامرة خارجية او من عملاء داخليين خونة للأمة.
لقد غسلوا عقول الناس بحيث اصبح الناس على دين ملوكهم يرفضون مناقشة عظمة الماضي.
بحيث ان حاكماً مثل المعتصم ، وهو رجل أمي لايجيد القراءة والكتابة، اصبح حاكماً عظيماً وذو أدب وعلم ويرسل جيوشه لنجدة أمرأة استنجدت به !! والناس صدقت هذه الخرافات دون تفكير واصبح المعتصم مثالاً للعظمة !!
في حين ان مافعله جنوده الاتراك / الأنكشارية ( أخواله) بأهالي بغداد من ظلم وتعسّف واعتداء، لايوصف مما جعله ينتقل الى سامراء مع جنوده الأتراك ، تفادياً لأنفجار شعبي لايُبقي ولايذر.
لم يكن يثق بكل الأمة العربية، وهو قرشي، لذلك جلب حمايته وجنوده المخلصين من الترك. وكانت سياسته تلك بداية تفشي النفوذ الاجنبي في الحكم العباسي ( اضافة لسياسة المأمون الذي سبقه بالإعتماد على الفرس ، الذين هم أخواله).
شعب معظمه جاهل وغارق في نمط متخلف من الفكر الديني الذي غسل ادمغة الناس وجعل السعي نحو الجنة بديلاً عن السعي نحو بناء الحياة الحاضرة.
قالوا لهم ان الشقاء والمعاناة والحياة البائسة تجعل الدخول الى الجنة سهلاً..
تاريخنا الأقدم كالتاريخ البابلي، كان اكثر صراحة بربط الحاكم بالأله حينما قال ان كلكامش نصفه أله ونصفه بشر ..
وحمورابي استلم شريعته مباشرة وشخصياً من أله الشمس.
وحتى الحكّام الأحدث تمت نسبتهم الى الله او الى النبي بشكل او بآخر . قالوا عن أحدهم انه من نسل النبي وزوّروا نسبه. قالوا انه اكمل رسالة النبي ووضعها موضع التطبيق وان الله اذا اوقف ارسال الرُسُل ، فأنه لازال يُلهم بعض عباده الصالحين لكي يقوموا بما عجز عنه الرُسُل!!
بل ان احدهم كان يلقّب بالمُلهَم !!