18 ديسمبر، 2024 9:44 م

عندما يحكمك الحاجب والثقافات الهابطة

عندما يحكمك الحاجب والثقافات الهابطة

من أشهر القوانين التي أقرتها النظرية الماركسية قانون الترافق الضروري بين علاقات الإنتاج وصفة القوى المنتجة ومستواها أي إن أسلوب الإنتاج السلعي والخدمي هو الذي يحدد تركيبة المجتمع وأفكاره وشكل مؤسساته ويرسم تحولاته وتطوراته , وعليه فان كل تحول في أسلوب الإنتاج يستدعي بالضرورة تحولاً في النظام الاجتماعي , وفي العملية الإنتاجية لا يؤثر الناس في الطبيعة فقط بل يؤثر بعضهم ببعض .
لقد استفاد المفكر والفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818 – 1883) من اكتشافات العلوم الطبيعية والبيولوجية التي تحققت خلال القرن التاسع عشر والتي ساهمت في دحض الأفكار الميتافيزيقية في التفكير مطبقا تلك الأفكار على الحياة الاجتماعية ونظمها الاقتصادية والسياسية , كذلك وضع ماركس حداً للمفهوم الذي يرى أن المجتمع تجمع إلي من أفراد يتحولون ويتبدلون حسب أهواء السلطات والحكومات .
أما النظرية الإسلامية تقول : المسلم الواعي أسلامه مقرون بالمسؤولية من خلال مد يد العون لمن يحتاج كالمريض والغريق ومن ظل الطريق بعيداً عن الانعزال أو الفرار من الساحة الاجتماعية , أي أن النظرية الإسلامية نظرية أخلاقية شمولية استمدت جذورها من القرآن والسنة النبوية .
لذلك كانت بدايات الدعوة الإسلامية تتناغم مع متطلبات الفقراء والمساكين الذين ساواهم النبي محمد ( ص ) والخلفاء الراشدين ( رض ) من بعده مع أغنياء ووجهاء قريش المتنفذين, وعدم وجود وسيط بين الخليفة وعموم الناس , عندما يتطلب الأمر مقابلة الخليفة أو كبير القوم .
إلى أن جاءت الدولة الأموية وغيرت كل شيء نتيجة سيطرتها المطلقة على الحكم بحيث أصبح الخليفة يقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وهي خدمة نفسه ومن يواليه من الرعية , وزاد الترف والرفاهية في قصور الملوك مما جعل الخليفة معاوية أبن أبي سفيان يقوم بإنشاء منصب – الحجابة – التي تحولت بعد ذلك إلى وظيفة أدارية لحماية الخليفة من القتل والاغتيالات كذلك تنظيم مقابلة المراجعين للخليفة حسب مركزهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي , لان الخليفة هنا يعتقد أنه أحق بالسلطة هو وعائلته من غيره من المسلمين , كذلك هو تقليد فارسي ورثه الحاكم العربي نتيجة الفتوحات الإسلامية, ثم تكررت الحالة في عهد الدولة العباسية وأصبح الحاجب يتدخل في أمور الدولة كافة, واستمرت – الحجابة – في العهد العثماني ولكن تحت مسميات مختلفة يقررها الحاكم الأجنبي بعد أن سقطت الخلافة من أيدي العرب نتيجة طغيان البعض منهم وتفردهم بالحكم.
واستمرت إلى يومنا هذا تحت تسمية – الحمايات الخاصة ومكاتب السكرتارية -باستثناء فترات الانتخابات المحلية والبرلمانية كما في بعض البلدان العربية والإسلامية , حيث يطل عليك المرشحون وهم أنفسهم كل مرة , يظهرون على الساحة دون حماية أو حاجب لينقلوا لك برامجهم الانتخابية التي توعدك بالمطر الغزير والخير الوفير والعيش الرغيد, لذلك سوف يبقى الكثيرون تحت سوط الحاجب والثقافات الهابطة.