9 أبريل، 2024 2:42 م
Search
Close this search box.

عندما يتكلم الجندي المجهول – 16 –

Facebook
Twitter
LinkedIn

الحلقة رقم – 16
لم أشاهد منظراً كهذا من قبل. كانت قدماي تغوصان في الأرض الثلجية وأضطر بين فترة وأخرى لأنتشال ” نَعْليَّ” المنغرزتين في الثلج. لم أضع قدماي في حذاءٍ طيلة أحد عشر عاماً . كان الحذاء شيئاً ممنوعاً في معسكرات الأسر. على الرغم من الالام الجسدية والنفسية التي كنتُ أعاني منها في تلك اللحظة إلا أنني شعرتُ بسرورٍ لايوصف . أسباب سعادتي هي أولاً: أنني أسير الأن مفتوح العينين وأستطيع أن أمشي دون قيودٍ في معصمي. وهذا إنسانٌ يسير إلى جانبي وأستطيع التحدث معه دون أن اغمض عيناي. ثانياً: أستطيع الأن أن أمد بصري إلى أبعد نقطة في الفضاء التي يمكن أن يصل اليها نظري دون أن أخشى أحداً. ثالثاً : وهذا الأنسان يسير بالقرب مني دون أن يدفعني من الخلف، أو دون أن يسكب الماء البارد فوق رأسي، أو يقرص ذراعي بقاطعة الأظافر …أو ..أشياء كثيرة أخرى لا أريد الخوض فيها مرةً أخرى.

من بعيد لا حت لعيناي المرهقتان أشباح رمادية تتحرك بصعوبة جيئةً وذهاباً وقد أحاطت بها أسلاك شائكة مرعبة وأطنان من الثلوج البيضاء التي تشبه القطن وهي تغطي الأسلاك والمساحات المحيطة بالمكان . كلما تقدمتُ إلى الأمام كلما إزدادت الأشباح وضوحاً. كانت ضربات قلبي تزداد كلما تقدمت نحو البوابة الحديدية الكبيرة . قبل أن أدخل من خلال البوابة سمعتُ صوتاً يقول بتهكم ” أهلاً بك في مقبرة الأحياء”. في اللحظةِ التي وطأت فيها قدماي أرض المعسكر المفتوح تقدم نحوي أفراد كثيرون. كنتُ في هذا المكان قبل الرحيل ولكنني لم أجد أي شخص من أؤلئك الأشخاص الذين كنتُ معهم هنا قبل الرحيل إلى الزنزانة. حاولت أن أرد على التحيات بطريقةٍ مهذبة كي أواصل الحياة في هذا ألأتون الذي لا ينتهي . فجأةً سمعتُ صوتاً مألوفاً كنتُ قد سمعته يوماً ما في معسكرٍ كنا قد عشنا فيه قبل فترةٍ طويلة. آه…إنه علي خميس وعلي صالح. تلقفتني أحضانهم وراحو يقبلونني بشوق شديد. سحبني علي خميس من يدي وأدخلني القاعةِ الدافئة نوعاً ما قياساً إلى الساحةِ الخارجية. تكدست الأجساد البشرية حولي وكل شخص يريد أن يعرف من أنا ولماذا جئتُ الآن؟ في أيِّ سجنٍ كنتُ؟ كان علي خميس يدفع كل من يحاول الأقتراب مني وهو يصرخُ بأعلى صوتهِ :” أخوان..أتركوه أنه الآن تعبان. سيتكلم معكم عندما يرتاح بعض الوقت. إبتعدوا الآن رجاءاً”. تراجع البؤساء وقد طارت آمالهم في الحصول على أي حديثٍ مني. في تلك اللحظة جاء الأرشد العراقي وطلب مني التوجه إلى غرفة الجندي المسؤول عن المعسكر الذي نُسِبْتُ اليه. دون مقدمات راح يوجه لي أسئلة لا تنتهي:

ــ أين كنت؟

ــ لا أدري.

ــ في أي سجنٍ وضعوك؟

ــ لا أعرف المكان.

ــ من كان معك هناك؟

ــ لا أعرف أي شخص ولم أر أي وجه.

ــ ماهي المسافة التي قطعتها السيارة من هناك إلى هذا المكان؟

ــ طويلة ولكنني لا أعرف المسافة بالضبط.

ــ هل أنت طبيعي الآن؟

ــ لا أدري ولكنني أشعر بآلام في جسدي.

ــ كم عمرك؟

ــ نسيتُ عمري منذ زمنٍ بعيد.

ــ هل أنت جائع الآن؟

ــ أنا جائع طيلة فترة وجودي هنا وهناك.

ــ هل تريد طعام الآن؟

ــ لا أشعر بأي رغبة للأكل.

ــ هل لديك سكائر؟

ــ أعطونني هذه قبل خروجي.

ــ ما هي المدينة التي كنت فيها؟

ــ لا أعرف إسم أي مدينة في هذه البلاد.

ــ هل تريد أن تستحم الآن؟

ــ أشعر ببردٍ شديد وليس لدي رغبة لأي شيء سوى النوم.

همس الجندي المسؤول إلى مساعده ِ وأشار الأخير بأصبعهِ دون أن يوجه لي أي كلام. خرجتُ من الغرفةِ أرتعش من شدة الأضطراب فقد تذكرتُ أسئلة العقيد التي لا أجد لها جواباً أحياناً كثيرة. جلستُ فوق فراش علي خميس لا أعرف ماذا أفعل؟ كنتُ منفعلاً جداً لدرجة أنني تمنيتُ مع نفسي لو أنني بقيتُ في الزنزانة بقية عمري كي لا أواجه هذا السيل البشري المتجمع حولي وكل واحد يريد أن يعرف من أنا ولماذا جئتُ إلى معسكرهم بعد كل هذه الشهور من الأختفاء؟ سألني أحدهم من بعيد :” هل كان معك عراقيين؟ أجبته بأنني لم أرَ أحداً ولا أعرف في أي معسكرٍ كنتُ. سمعتُ أحدهم يقول” المسكين لا يعرف حتى إسمه.”. تراجع الجميع وكل واحد منهم يتمنى أن يختلي بي كي يسألني أسئلة لا تنتهي. قال علي خميس ” منذ هذه اللحظة ستبقى معي . سنأكل سوية . أنا أعرف من تكون. مهم جداً بالنسبة لي أن أعيش مع شخص مثقف مثلك. من يدري قد أتعلم اللغة الأنكليزية أثناء تواجدك معي.”.

بالفعل إهتم َ بي هذا الشخص . كان يجلب لي طعامي ويضعه مع طعامه ويعاملني بكل أدب وأحترام. كان لايسمح لي بتنظيف طبقي ـ المعدني ـ الوحيد. وسكنتُ في القاعةِ ألأخرى ليست ذات القاعة التي يسكنها علي خميس. عند كل وجبة يأتي لدعوتي إلى سريره لنتناول طعامنا مع بعض. بعد العشاء كنا نجلسُ على سريره ونبقى نتسامر حتى ساعة متأخرة من الليل. كنا نتحدثُ في مواضيع مختلفة ولا نتطرق إلى السجون أبداً خوفاً من الجواسيس المنتشرين في كل مكان. قدمني إلى شخص إسمه ” أياد العاني وإلى شخص آخر إسمه عبدالله البياتي”. كان الأول من مدينة المنصور وقد سبق له أن عمل في إستعلامات المطار الدولي في بغداد . لقد عرفني مباشرة . شاباً وسيماً ومؤدب جداً ، يتحدث ألأنكليزية ولكن بطريقة ٍ متوسطة. تقرب مني لدرجةٍ كبيرةٍ جداً وكان لايفارقني أبداً. شعرتُ أنه يشعر بالفخر حينما يتكلم معي بالأنكليزية. كان أحياناً يتحدث معي بصوتٍ مرتفع وكأنه يريد أن يقول للأخرين بأنه أفضل منهم جميعاً . أما عبدالله البياتي فقد كان مهندساً مدنياً ممتازاً تخرج من جامعة بغداد وهرب إلى خارج البلد لأسباب سياسية .

سارت الأيام الأولى عصيبة جداً في المكان الجديد بسبب برودة الطقس الثلجي والجوع الذي لا يرحم ، قذاره لا توصف وقمل لا يمكن السيطرة علية أبداً. معاناة لا حدود لها . رطوبة الفراش لا تُطاق. أمطار غزيرة وعواصف ثلجية. إرهاق جسدي ونفسي منذ طلوع الشمس حتى غروبها. إزدحام المكان بشكلٍ يُصيب الأنسان بالغثيان. حياة مرعبة حقاً. الزنزانة أحياناً أفضل بكثير على الرغم من المكان الضيق. مثلاً كل يومين نستطيع أن نستحم. أما هنا فننتظر فترة طويلة لنضع ” سطل” من الماء فوق أجسادنا. وحتى من ناحية الطعام ” في الزنزانة” يأتي الجندي ويقدم لنا الحصة الغذائية ـ حتى لوكانت قليلة ـ وبعدها ندفع الأواني الفارغة دون أن ننضفها. أما هنا في هذا القبر الكبير فيجب عليك أن تفعل كل شيء بنفسك. شيء واحد هنا أفضله ألا وهو الصحبة والمكان المفتوح. وسار قطار الزمن بطيئاً مملاً يحطم الذات ويُحرق الأعصاب. بعد فترة إسبوعين طلبتُ من الأخ علي خميس أن يتركني كي أستقل لوحدي. سألني عن السبب فأوضحتُ له أسباب عديدة إقتنع بها. أخيراً أصبحتُ أتناول طعامي لوحدي. بعد عدة أيام تقرب مني الأخ أياد وطلب مني أن نأكل سوية لأسباب عديدة منها أنه وجد بيني وبينهُ جسراً من التفاهم.

كان شابا لطيفاً جداً وملتزماً . حدثني عن عائلتهِ وعن حياتهِ الخاصة وسمعتُ منهُ أشياء عجيبة لم أصدقها في البداية إلا أنه أكد لي ذلك آلاف المرات. الذي جعله يتقرب مني هو وجود قواسم مشتركة بيننا قلما يجدها بين الأشخاص الآخرين. مثلاً حينما سألته عن الزميلة ” وهبية” فتح فاه متعجباً وسألني عن كيفية معرفتها؟ كانت تعمل معه في نفس المكان. حينما أخبرته بأنها كانت زميلتي أربع سنوات في كلية الآداب إزداد تقربه مني. إضافه إلى رغبته المطلقة في التحدث باللغة الأنكليزية لأنه كان يريد تطوير ذاته من خلال التحدث معي. أخبرني بأنه كان قد إشترك في دوره قصيرة في المعهد البريطاني في بغداد إلا أنه لم يستطع إكمال الدورة لأسباب شخصية. كان قد نقل سريره قريباً من سريري وراح يهتم بي بشكل عجيب لايتكاسل قي تقديم أي خدمة لي. لا أنسى تلك اللحظة التي قام بها من أجلي . في صباح أحد الأيام الباردة جداً وعند صلاة الفجر حمل إبريق الماء بدلاً عني طالباً مني التوضؤ لأداء صلاة الفجر. حاولتُ جاهداً أن أختطف الأبريق منه إلا أنه أصرّ أن يحمله بدلا عني. كان من مواليد 1965 . حقاً قضيتُ معه وقتاً طويلاً رائعاً.

. كان يذكر لي كل شيء عن حياته الخاصة لدرجة أنه أقسم لي بأنه سوف يزوجني من ابنة عمه وهي من نفس مواليدي. أخبرته بأنني متزوج ولدي ثلاثة أطفال. قال بأنهُ يعرف هذا ، وذكر لي بأنها جميلة ولديها طفلة واحدة وزوجها طبيب أستشهد في الحرب وهي تسكن المنصور. ذكر لي أيضاً بأن رجال كثيرون تقدموا لها ولكنها رفضت لعدم وجود توافق . قال لي أيضاً بأنها ستوافق علي وأنه سوف يؤثر عليها في عملية الإقناع. أكد لي بأنه يتزوجها لو كانت بعمرهِ . وفوق كل هذا قال لي بأن حالتها المادية جيدة جداً. لقد أدخل فكرة الزواج في ذهني مرة أخرى. كان يحدثني عنها كل يوم . في النهاية قال لي بأنه يفضل ترك الموضوع لحين العودة. كانت فكرة الزواج مرة أخرى تقض مضجعي ، كانت صورة زوجتي تزورني كلما وضعتُ رأسي فوق الوسادة . كان شبحها يُطاردني ويحوم فوق جسدي وهي تردد بصوت يُحطم الأعصاب ” أيها الخائن “.

ومرت الأيام وعلى حين غرة تركتُ صحبة أياد . كان هناك سبباً تافهاً ولكنني شعرتُ أنه بدأ يتدخل في حياتي الشخصية ويحاول أن يبدو أكثر تحضراً مني . في إحدى المرالت وبينما كنا نتناول طعام الفطور الصباحي المؤلف من قطع صغيرة من البسكويت والشاي المر. كنتُ أغمس قطعة البسكويت بالشاي المر كي أستطيع تذوقها وكي تمنح الشاي طعماً حلواً. نظر إليَّ بأشمئزاز وغضب قائلاً: ” لماذا تفعل هكذا؟ هذه طريقة تدل على عدم الذوق ، إنها طريقة مقززة في تناول الطعام . يجب أن تضع قطعة البسكويت في فمك ثم تشرب الشاي من بعدها”. شعرتُ أنني سأفقد أعصابي بسبب طريقته في الكلام معي . حاولتُ أن أهمل الموضوع كي لا أسبب حرجاً له. عند وجبة الغداء إعتذرتُ منه وأخبرته بأنني سأكون أكثر راحة لو تناولتُ وجباتي كلها لوحدي. في النهاية شعرتُ أنني قد تحررتُ قليلاً. يمكن القول أن تناول الطعام مع شخص في الأسر له فوائد ومساويء. الفوائد هي : إنه قد يُحضر لك طعامك حينما تكون منشغلاً أو مريضاً أو حينما تكون قد ذهبت إلى الطبيب أو إلى أي مكان آخر. أما المساويء فهي أنك تشعر بأنك مقيد بأشياء عديدة. يجب أن تكون مستعد نفسياً عندما تجلس مع من تتناول طعامك. يجب أن لا يظهر عليك الحزن أو التذمر من أي شيء وإلاّ فأن جلستك معه ستكون غير مريحة أبداً. أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى. بدأت حياة جديدة بالنسبةِ لي ، حياة لا تختلف عن حياة الزنزانة ولكنها تختلف بوجود البشر حولي وتبادل الأحاديث التي لا تنقطع. أحاديث ليس لها واقع ملموس مبنية على الأحلام التي لاتنقطع…..

تعرفتُ على أشخاص من مختلف أنحاء البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. أغلبهم من الجنود البسطاء من حيثُ الثقافة والتعليم. الحياة في هذا المعسكر”……..” تسير على وتيرةٍ واحدة. هناك بعض الأحداث المتفرقة تجعل الحياة تختلف بعض الشيء عن الأيام الأعتيادية.

في البداية سأحاول أن أعطي صورة عامة عن الحياة وبعدها ندخل في تفاصيل ومفردات الحياة اليومية ، الحياة المرعبة التي دامت أحد عشر عاماً. يبدأ النهوض الصباحي السادسة صباحاً ويكون التعداد الصباحي عند السابعة صباحا . التعداد هو أزعج شيء يواجهه ــ الضيف ــ في أرض الغربةِ والضياع. الجلوس على شكل ” خمسات أو عشرات ” في الساحة المخصصة لنا. لايهم أن يكون الطقس بارداً ثلجياً أو ساخناً كالنار الملتهبة. نبقى ننتظر ـ الجندي ـ الذي يُجري عملية تعداد الأشخاص المتواجدين . قد يتأخر أحياناً ونبقى ننتظره بفارغ الصبر كي تنتهي عملية التعذيب الصباحي. بعد الانتهاء من هذه العملية المرهقة لنا نتوجه راكضين نحو القاعةِ الكبيرة ننشد الدفيء أو ننشد الظل في لهيب الصيف. بعدها يتم توزيع الشاي على الحظائر. قصة توزيع الشاي بحد ذاتها حكاية لاتنتهي تتخللها معاناة وأحزان وأشياء كثيرة. سأتناول جزءاً منها كي لا يُصاب القاريء بالضجر.

توجد غرفة صغيرة في الجهة اليسرى من القاعتين كُتِبَ عليها كلمة ” جايخانة”. لهذا المكان خصوصية وأهمية قد لا يتصورها الإنسان الذي لم ” تتوفر له فرصة العيش في هذا العالم الذي نتحدثُ عنه الآن” . الشخص المختار لهذا المكان له مركز مرموق وشخصية مخيفة ونفوذ قد يصل إلى نفس نفوذ الأرشد العراقي. مثلاً ــ له حصة إضافية من الرز أي قدح آخر بينما أنا وزملائي نحصل على قدح واحد فقط من الرز المطبوخ. نحن نحصل على ” سطل” ماء حار كل أسبوع للاستحمام بينما هو يحصل على ـ سطل ـ ماء حار في أي لحظة باعتبار أن ” البر يمز” قريب منه ويستطيع أن يأخذ ماء حار من ماء الشاي في أي وقت يكون هو في حاجة إلى الماء الحار. إذا جاءت فضلات من طعام الجنود فأنهم يعطونها إلى مسؤول الجايخانه وله حق التصرف بها حسب ما يراهُ مناسباً .

يستطيع الدخول إلى غرفة الجنود في أي وقت يشاء باعتباره الرجل الوحيد الذي لديه صلاحية الدخول إلى غرفة الجنود الساكنين معنا في نفس المعسكر. مع هذا يجب الاعتراف هنا أن صاحب الجايخانه يتعب كثيراً ولو أن شخصاً ما عرض علي هذا ” المنصب ” لما قبلته مهما كانت المغريات. ينبغي عليه أن ينهض في الساعة الثالثة صباحاً كل يوم ويعمل الشاي ويبقى ينظف الأواني الخاصة بالشاي أي القدور إلى وقت متأخر . مع ذلك يُعتبر هذا المنصب مهماً ولهذا السبب فأن الكثيرون يحاولون الحصول عليه. من الجدير بالذكر أنه خلال كتابة هذه الأوراق كانت هناك أفكار وحكايات تتهافت على ذاكرتي بلا انقطاع لدرجة أنني لم أعد أعرف أيهما تكون الأولى للتدوين ولكن سأكتفي ببعضٍ منها كنموذج.

من الأشياء التي لايمكن نسيانها أبداً والتي خطت لها نقوشاً في ذاكرتي قضية ” الخبز اليابس”، وهذا ما كان يحدث باستمرار. سأذكر حادثة واحدة تعوض عن بقية الحكايات . كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً وهواء الصباح بارد جداً في قبور الأحياء. كنتُ أسير مع المهندس عبدالله في المساحة المخصصة للبؤساء أمثالنا. دون سابق إنذار صرخ الأرشد العراقي بأنه في حاجةٍ إلى عشرين شخصاً للذهاب إلى خارج المعسكر لغرض التعامل مع القاذورات والفضلات خارج الأسلاك ــ أي خارج المعسكر الذي نسكن فيه. وتقافز الرجال كل واحد يحاول أن يسجل أسمه في الورقة الصغيرة التي كان الأرشد العراقي يحملها في يدهِ. توقف عبدالله وهو يقول لي” لماذا لا تذهب معهم فقد يرزقنا الله عن طريقك؟”.أسرعتُ صوب الأرشد العراقي وسجلت أسمي مع العاملين خارج المعسكر. تجمعنا أمام الباب الحديدي للمعسكر ووقف عدد من الجنود وهم يحملون رشاشات في أيديهم. حينما أكتمل العدد سرنا كالقطيع المرهق في صحراءٍ جرداءٍ خالية من أي شيءٍ أخضر.

يتبع………….

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب