19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

عندما يتكلم الجندي المجهول – 15 –

عندما يتكلم الجندي المجهول – 15 –

 

الحلقة رقم – 15 –

في الزنزانة تلعب السيكارة دوراً مهما في حياة المدخن. من يُدخِن ويسكن تلك الزنزانة تتضاعفُ آلامه. هذا ما كان يحدثُ لي طيلة ثلاثة عشر شهراً من العزلةِ التامة عن أي مخلوقٍ بشري. في اليوم الثاني لدخولي بيت الخوف( الزنزانة) طرق الباب شخصاً لم أسمع صوته من قبل. راح يسألني : سيكارستي؟ لم أعرف في البداية ماذا يقصد ولكنني فهمتُ فيما بعد أنه يسألني فيما إذا كنتُ مدخناً أم لا؟ قفزتُ نحوهُ معتقداً أنه يريد توزيع السكائر على ( الضيوف). سمعته يفتح الصندوق الصغير المثبت عند الجانب الأيسر من الباب الحديدي من جهة الخارج. رمى علبة السكائر بصوتٍ مسموع داخل الصندوق وغادر المكان دون أن يعطي أي شخص أي سيكارة. عدتُ إلى مكاني بخفي حنين. عند منتصف النهار يصرخ الجندي المكلف بواجب معين ” موعد الصلاة…موعد الصلاة” يبدأ بفتح الزنزانات الأنفرادية الواحدة تلو الأخرى كي يسمح للمعذبين في الأرض بالتوجه إلى المغاسل إستعداداُ للصلاة الأنفرادية. أوقفني الحارس قرب الجدار القريب من المغاسل. وجهي إلى الحائط وظهري إلى باب المرافق الصحية وطلب مني الأنتظار لحين خروج الشخص الذي دخل قبلي. نظام الدخول يتطلب تلك الطريقة الدقيقة كي لا يلتقي الأسرى مع بعضهم .

وأنا واقفٌ عند الجدار خطرت على ذهني فكرة درستها عدة مرات وقررت تطبيقها مع نفسي مهما حدث أي شيء ومهما كانت المجازفة. قد تكون الفكرة بسيطة جداً بالنسبة لشخص ما. لكنها بالنسبةِ لي في ذلك الزمان والمكان شيء مهم جداً. لقد مضى على وجودي في أرض الخوف وفي هذه الزنزانة بالذات أكثر من ستة أشهر . لقد سأمتُ العيش لوحدي أردتُ أن أشاهد أي شيء في هذا العالم . لم أشاهد السماء منذ زمن طويل. لم أشاهد الأرض ، لم أشاهد أي شيء . لذلك قررت هذا اليوم أن أشاهد السماء مهما كانت النتيجة. قررت أن لاأدخل إلى المرافق الصحية حينما يأتي دوري وبدلاً عن ذلك سأذهب إلى النافذة المثبتة في أعلى جدار المرافق الصحية وأرسل نظري إلى أبعد مسافة ممكنة وأسرق نظرة واحدة…..نظرة واحدة فقط من الحياة. ذهني لم يعد يحمل أي صورة للحياة ولا للزمن. إزدادت دقات قلبي وتلاحقت أنفاسي وأنا أتخيل الفكرة وما سأراه خلف جدران الزنزانات . بدأتُ أتشوق لمجيْ دوري للدخول. أصبحت روحي ترفرف داخل ميادين كياني المرتعشة.

جاء دوري. في اللحظةِ التي أغلق بها الحرس الباب توجهتُ بأقصى سرعة وقفزتُ إلى المغسلة القريبة من النافذة. كانت هناك فتحة صغيرة بحجم العين البشرية داخل زجاجة النافذة. يبدوا أنها كُسِرَتْ قديماً وقد وُضِعَ فيها قطعة من ورق المقوى كي لايدخل الهواء البارد أو لأعتبارات أُخرى.إنتزعتُ الورقة ثم وضعتُ عيني اليمنى ملاصقةً لها. دخل الهواء البارد جدا إلى حدقة عيني فشعرتُ أنها بدأت تدمع.لم أهتم لذلك. كان هدفي إنتحارياً. لو شاهدني الحرس في تلك اللحظة لمزق عيناي . بسرعة البرق رحتُ أردد مع نفسي كافة الأشياء التي وقعت عيني عليها وكأنني أحاول إستذكار درساً من الدروس الصعبة. ” جبال طويلة شاهقة. أشجار عالية جرداء. طيور سوداء كثيرة. أنابيب. أسلاك شائكة. تانكي ماء ضخم جداً. قطع كثيرة من الحديد. أبواب مغلقة. جندي يرتدي معطفاً مطرياً ويحمل بندقية.”

حاولتُ أن أُطيل النظر كي أُمتع نظري …الجو ملبد بالغيوم..ضباب..يبدو أنها ستمطر. سمعتُ ضربة حذاء قوية على باب المرافق الصحية وصوت مرعب يطلب مني أن أسرع في إنهاء ما جئتُ من أجله. قفزتُ نحو الأرض ووقفتُ أمام الباب الرئيسي للحمامات وصحتُ بصوت ” جاهز…”. دفعني الحرس نحو زنزانتي . لقد ضحيتُ بنوبتي في التبول والوضوء من أجل تلك النظرات القليلة. جلستُ في الزاوية المخصصة للنوم. وضعتُ ذراعيَّ حول ركبتيَّ وأسندتُ ذقني عليهما. رحتُ في تفكيرٍ عميق. دون وعي أطلقتُ يداي مرة أخرى وأستلقيتُ على ظهري. كم إشتقتُ لسيكارةٍ في تلك اللحظة. كنتُ منفعلاً جداً. شعرتُ وكأنني وُلدتُ من جديد..كأنني عدتُ من رحلةٍ طويلة حول العالم. بقيتُ أسترجع الصور التي شاهدتها عدة مرات في ذهني. كان الطائر الأسود ينقر جناحيهِ بمنقارهِ وكأنهُ يحاول تنظيف ذاته من أدران الزمن أو أنه كان يحاول بصورةٍ عبثية إلتقاط قسماً من الديدان العالقة في جناحيهِ. وتلك الأشجار الباسقة لماذا كانت جرداء من أوراقها الخضراء؟ هل أن برودة الطقس هي التي جردتها من أوراقها كما جردني المدعو قاسم الزاهدي من جذوري وعائلتي ووطني وتربة بلادي؟

وتلك الجبال الممتدة ماذا يوجد خلفها؟ هل توجد هناك حياة حقيقية لبشرٍ ينامون ويأكلون؟ أم ان هناك سجوناً أخرى يقبع خلف جدرانها معذبون مثلي؟ بقيتُ أسترجع تلك الصور أياماً طويلة حتى سأمتُ من تكرارها وتواترها على ذهني. كم تمنيتُ أن أشاهد صوراً أخرى من أجل ديمومة الحياة داخل روحي ونفسي المضطربة. في إحدى الليالي وبعد تناول العشاء حدث شيء غير مرتقبْ. سمعتُ صوتاً على شكل طرقات قليلة. أجبته بنفس الطريقة وكان جوابه مشابهاً….آه…إنه حميد فيصل.! شعرتُ أن أحداً من أشقائي قد عاد من رحلةٍ طويلة. ألصقت أذني عند الباب. لم يقل شيئاً. دون سابق إنذار قلتُ هامساً ” حميد..أين كنتَ طيلة هذه الفترة؟” . لم أسمع صوتاً معيناً . كان هناك أنيناً يصدر من هيكلٍ بشري. كررت السؤال عدة مرات وفي النهاية جاءت الكلمات على شكل حروف متقطة ” ك..ن..ت ..مري..ض..مصرا..ن..أعور..”. سكت الصوت. حاولتُ تشجيعه على الكلام إلا أنه لم يجب فقد كان يئن أنيناً متواصلاً وفي النهاية قلتُ ” حمداً لله على سلامتك. لا تهتم سوف تتحسن إن شاء الله.. تصبح على خير”.

آه..حمداً لله لقد عادت عيناي تعملان كالسابق. فترة طويلة وأنا مُعطل تماماً عن قراءة سورة واحدة..لا بل سطراً واحداً من القرآن الكريم. في البداية لم أقرأ فقد خشيتُ أن تعود عيناي إلى مرضهما السابق. في اليوم التالي توكلتُ على الله وبدأت من جديد أحفظ صور القرآن كالسابق. كنتُ أقرأ مالايقل عن ثلاثة عشرة ساعة يومياً. بدأت بالحفظ تنازلياً أي من الجزء الثلاثين ثم التاسع عشر وهكذا. حفظتُ سبعة أجزاء حفظاً جيداً ورحتُ أرددها مع نفسي كلما خلدت للنوم. أحياناً كانت عيناي تنغلقان من شدة التعب ثم يبدأ فمي في التراخي إلى أن أغوص في نومٍ جميل. الغريب أن نفسي القلقة بدأت تهدأ وزال الأضطراب عن روحي المعذبة. هناك شيء أخر ينبغي عليَّ ذكرهُ هنا للتاريخ ألا وهو قضية الأحلام التي كانت تراودني أثناء الليل بعد تلاوة القرآن. كنتُ أحلمُ أحلاماً عجيبة لم أكن أحلمها من قبل. كانت أحلامي واضحة جدا. كنت أصرخ بأعلى صوتي ” هذا ليس بحلم. هذا حقيقة.” كانت هناك طيوراً تحملني فوق ظهورها وكنتُ أرى كل شيء بوضوحٍ تام. كانت تدور بي فوق أشجار النخيل والرمان في ذلك البستان الذي قضيتُ فيه كل طفولتي وصباي. وتستمر الأحلام الجميلة التي أتمنى أن لاأستفيق منها أبداً.

في يومٍ ما إقتادني الجندي القاسي القلب إلى غرفة التحقيق قبل صلاة الفجر وقبل أن أتناول طعام ألافطار الصباحي. وضعني في نفس الغرفة الخاصة بالتحقيق وأجلسني على الكرسي الخشبي ويداي وعيناي مكبلتان ووجهي إلى الحائط. أمرني بالجلوس وعدم الحركة لأن العقيد المسؤول عن التحقيق سوف يأتي بعد خمس دقائق. تضرعتُ إلى الله أن يكون كلامه صادقاً هذه المرة. تقدمت الثواني والساعات دون أن يظهر ذلك المحقق وبدأت كل عضلة من عضلات جسدي بالأنهيار . شعرتُ بجوعٍ شديد وعطش لايُطاق. بقيتُ أنتظر حتى سمعتُ صوت المؤذن يدعو إلى الصلاة عند الظهر وفرحتُ جداً لأنني إعتقدتُ أنهم سوف يأخذونني الى الحمامات كي أتهيأ للصلاة. سأشرب الماء هناك من صنبور الماء ولكن لم يحدث أي شيء من هذا وذاك. عند التاسعة ليلاً أعادونني الى زنزانتي دون أن يحققوا معي. عرفتُ أن الأمر كان مجرد تعذيب نفسي ولكن هذه المرة بطريقةٍ بشعة.

لم أتناول أي شيء في تلك الليلة عدا الماء على الرغم من الجوع الشديد الذي كنتُ أشعر به. إضطجعتُ على البطانية الوحيدة وأغمضتُ عيناي كي أحاول تحطيم اليأس الذي راح يجوب كل زاوية من زوايا الحرمان والشوق الشديد إلى الحريةِ والعودةِ إلى عالمِ الأحياء. وأنا بين اليقظةِ والنوم راحت عباراتٌ كثيرة تتصارعُ داخل ذهني . لو كان عندي ورقة ً وقلماً لسطرتها على الشكل التالي:

( وأحترقت ْعناصر الكبرياء وماتت أمانِ ِ الطفولة..عامت الآهات في محيطٍ من الضياعِ وتمزقت شرايين الطفولة. وأنتشر الحقد في غياهب السجن وتشوهت ذكرياتِ الأمومة. تركتهم هناك بلا أملٍ بلا وطنٍ بلا طعام ٍ يبحثون عن فُتاتٍ ويتمرغون في غربةِ الأبوّةِ وفقدان الحنان. وأمهم تبيع قطعةِ آثاثٍ صغيرة كي تُرْضِعَ طفلها الصغير الذي لايعرف معنى الضياع وفقدان الأبوة . والعجوز الطيبةِ القلبِ تسيرُ في الحديقةِ وحيدة تنظرُ نحو الباب الخارجي تحلمُ بعودةِ القطعةِ الممزقةِ من شرايينها هناك في مجاهل النسيان. وهذا الأخ الكبير يدفعُ عربةً صفراء ويفترشُ الطرقات يبيعُ قدحاً صغيراً لأبناء الحارةِ وأطفالها…ينظرُ هنا وهناك لعل الضحيةِ المفقودةِ تعود من بين الحيطانِ والجدران تُذيبُ لوعة الروح كي تمزق معالم الخوفِ والفقدان. وهذا الأبن الصغير ينظر إلى الباب الخارجي يُصغي السمع لكلِّ طارقٍ يطرق الباب عند الصباح والمساء. سأمَ طعامُ الجيران وراح يركضُ مختفياً كلما شاهد العجوز الطيبة القلب القادمة من بعيد تحمل فوق رأسها صدقةً لهؤلاء الأيتام. وتكبر البنت الصغيرة وتفهم أن هناك شيئاً مفقوداً في العائلة.” توقفتُ عن التفكير لأن حالتي أصبحت مزرية.

تتوالى أحداث صغيرة داخل الزنزانة لكنها بالنسبة للسجين حالاتٍ مرعبة تؤثر في حالته النفسية إلى درجةٍ كبيرةٍ جداً. في مرة من المرات حاولت الأحتفاظ بنصف سيكارة كي أدخنها عند توزيع الشاي في الساعةِ الرابعةِ عصراً. وضعتها تحت الوسادة. على حين غره دخل أحد الحراس وراح يُفتش جميع الحاجيات الموجودة في الغرفة وهي البطانية التي أنام عليها والأخرى التي أتغطى بها والقدح والسطل . كانوا يدخلون للتفتيش بين فترةٍ وأخرى . حينما وجد نصف السيكارة راح ينظر اليها بعدم إرتياح وكأنني إخترقتُ قانوناً تم تشريعهُ منذ الأزل. سحقها وخرج وهو يُدمدم كلاماً لم أفهمهُ. وحلت الكارثة بي. تمت معاقبتي بحرمان أسبوع كامل من السكائر. لم يقضِ الأسبوع إلا أن ذقتُ الأمرّين. في كلِ مرةٍ يوزعون فيها وجبة الشاي أو الطعام أكاد أجن من الرغبة لرشفةٍ واحدة من أي نوع من أنواع السكائر. كنتُ أتعذب كلما سمعتهم يفتحون الصناديق الخاصة المعلقة على الجدار الخارجي للزنزانة والتي تحتوي على أشياء السجين. كنت أسمع صوت عود الثقاب حينما يُشعل لأيقاد السيكارة. كل وجبة طعام أقول لنفسي بقي كذا وكذا على فك الحصار عني.

أصبحت حالتي النفسية يُرثى لها فقد أحاطت بي ألياف اليأسِ من كل ِ حدبٍ وصوب. أيقنتُ أن حياتي ستنتهي هنا في هذا القبو المظلم. إستسلمتُ لقدري وبقيتُ أحسب الساعات الباقية لعمري. إزداد إلتصاقي بالخالق العظيم ولم يعد يهمني أي شيء سوى قراءة القرآن والصلاة. الشيء الوحيد الذي كان يؤذينني ويحطم روحي هو ذكريات الطفولة. أصبحت تلك الذكريات لاتفارق ذهني لحظةٍ واحدة. شعرتُ أنني أعيشُ في عالمٍ غريب. كم مرة حاولتُ التخلص من تلك الذكريات ولكنني فشلتُ فشلاً ذريعاً. مثلاً حينما أجلسُ وحيداً في زاوية الزنزانة أتناول فطوري الصباحي المؤلف من قطعة صغيرة من الخبز اليابس وملعقة مربى لا تكفي لطفلٍ صغير. كانت صورة والدتي ووالدي وأشقائي لاتفارقني أبداً ونحن نجلس عند الموقد الناري في أيام الشتاء ونحن نحتسي الحليب والشاي وما قسمه لنا الله من طعام. ظلت تلك الصورة تراودني كلما جلستُ في الزاوية المظلمة لتناول الفطور الصباحي والغداء والعشاء.

في يوم ٍ من ألأيام عند المساء على وجه التحديد سمعتُ صوتاً قادما من الجهةِ الأخرى لزنزانتي . كان أحدهم يصرخُ بأعلى صوته ويضرب رأسه بجدار زنزانته وهة يقول ” يا عبد القادر…يا عبد القادر..”. كان الملازم صالح قد فقد السيطرة على نفسه فراح يصرخ بأعلى صوته كمن تلبسه مسٌ من الجن. بالطبع لم أكن أعرف عنه أي شيء ولكنني تعرفتُ عليه حينما عدنا للعيش معاً في معسكر ” …….”. ولسوء حظه توفي بطريقةٍ عجيبة بعد سنة من خروجه من الزنزانة. حينما كنا في ذلك المعسكر طلبوا منا ــ نحن العشرون نفراً ــ أن نرفع وننقل إحدى المناضد الكونكريتية الثقيلة جدا وكان الملازم صالح يقف الى جانبي. كان يرفع بكل قوة وأخلاص وكأنه إعتاد على طريقة العمل هذه طيلة حياته. في المساء راح يشكوا من ألم شديد في جسده .. وقبل المغرب كان قد فقد حياته إلى الأبد. نعود إلى الزنزانة. بعد يوم واحد من حادثة الملازم صالح وإذا بأحدهم يصرخ بي عند الصباح ” أنهض سوف تعود إلى معسكر “……..” إستعد للذهاب الى السيارة”. لم أهتم للأمر. إعتقدتُ أنه يحاوا أن يعذبني نفسياً كما يحدث بين فترة وأخرى. قررت أن أتلقى الأمر بأعصاب باردة. …ولكن في غضون عدة دقائق كنتُ مع مجموعة صغيرة داخل شاحنه مقفلة ومكبلين ومعصوبي الأعين.

الأنتقال لايعني شيء مهم بالنسبةِ لي في تلك اللحظة لأنني سأنتقل من زنزانة إلى أخرى..ولكن الشيء الذي كنتُ أتمناه وبصورة جدية هو ألأنتقال إلى معسكر فيه أي بشر…أي نوع من أنواع البشر. لقد سأمتُ العيش وحيداً . أريد أن يكون معي أي إنسان . توقفت السيارة وهدأ هدير محركها. ترجل الحرس . فتح الباب وراح يصرخ ” ترجلوا جميعاً. ” . تعثر بعضنا من شدة البرد والتعب. دخلتُ غرفةً دافئةً جداً. دون أن يفتح عصابة عيناي سألني عن إسمي. بعد تدوين المعلومات الكثيرة عني سحبني الجندي الآخر إلى خارج الغرفة. وقف خلفي وهو يقول بالعربية ” حينما أنزع عن عيناك الرباط لا تلتفت إلى الوراء وسر إلى ألأمام سيأخذك من هناك شخص آخر إلى مكانٍ آخر. إياك أن تتفوه بكلمةٍ واحدة عن فترة إبتعادك كل هذه الفترة. أي شخص يسألك أي سؤال قل له بأنك لا تعرف أي شيء. سنعرف إذا كنت تتحدث لأي شخص عن أي شيء.”.

في اللحظة التي نزع فيها قطعة القماش اللعينة شعرتُ ببرودة الطقس الشديدة .منذ تلك اللحظة كان الجندي قد إختفى إلى ألأبد. كدتُ أسقط على وجهي أثناء سيري فوق الجليد الأبيض الثلجي. تلقفتني يد شخص آخر وهو يقول ” لا تهتم سوف تعود إلى نفس المكان الذي كنتَ قد فارقته قبل سنه وشهر”. حينما كان ينظر اليَّ كنتُ أغمض عيناي وكان يسألني بتعجب عن سر هذا الذي أفعلهُ. عندما شرحتُ له عن الوضع هناك وأن السجين يجب أن لا يرى الجندي إبتسم وهو يقول بأن الوضع هنا يختلف تماماً ولا ينبغي أن أغمض عيناي. قال : ” تستطيع أن تنظر إليّ عندما تتكلم ولايهم إن رأيتُكَ أو رأيتني”. سكت قليلاً ثم نظر نحوي وهو يقول ” سوف نتعامل معكم بطريقةٍ تختلف عن تلك الطريقة التي إعتدتم عليها “. فرحتُ لسماع هذه الأخبار الجديدة التي لم أكن أفقهُ شيئاً منها منذ زمنٍ طويل. سرتُ إلى جانبهِ وقد لفني صمتٌ تام. كانت الأرض شديدة البياض كأنها إتشحت برداءٍ ناصع البياض. كنتُ أضع يدي اليمنى وأحياناً اليسرى فوق عيناي لشدة بياض الثلج.

يتبع