قال تعالى ” ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ “.
ﻻريب أن الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة عظيمة التأثير ، عميقة اﻷثر ، ومن الحكمة – بل قمة الحكمة – هي الدعوة بالقدوة الحسنة، إنها ذوق رفيع ، ومنهج أصيل ، إنها علم نفس وإجتماع وتربية وتعليم وتنمية بشرية وإتيكيت بمعامل تأثير عال جدا بكل ماتعني الكلمة من معنى، الدعوة بالقدوة الحسنة قمة لايرتقي أعاليها متجاوزا سفحها إلا من أوتي حظا عظيما وووووكم تمنيت طوال حياتي لو أن الدعوة بالقدوة الحسنة قدمت على الدعوة بالصراخ والعويل أو بالتسقيط وتشويه التأريخ ورجالاته والتي أصبحت عرفا ينفر الناس ويثير إشمئزازهم ويوغر قلوبهم ويبعدهم عن الدين الحنيف – ولعل ياسر الحبيب ، أحط من يمثل تشويه التأريخ وإثارة النعرات وأخسهم قدرا ، شأنه في ذلك شأن قائمة من الحثالات الطائفية على شاكلته – ، بدلا من تأليف وكسب القلوب الى هذا الدين العظيم .
وﻻ أدل على تأثير القدوة الحسنة هذه اﻷيام من تلكم اﻷخبار السارة لنجم كرة القدم ، محمد صلاح،الشهير بـ” مو صلاح ” والمطلوب بقوة من إدارة نادي ريال مدريد حاليا ، وواحد من أفضل خمسة لاعبين في العالم ، الحاصل على جائزة أفضل لاعب بكرة القدم في بريطانيا ، والمرشح من قبل المراقبين للكرة الذهبية والحذاء الذهبي، المرشح للحصول على لقب اللاعب اﻷعلى أجرا في التأريخ ، صلاح الذي إعتاد الوضوء قبل كل مباراة والسجود شكرا لله تعالى بعد كل هدف فوق العشب داخل المستطيل اﻷخضر ، واللعب وهو صائم في رمضان ، ما دفع جماهير نادي ليفربول المعروفين بشغبهم فوق مدرجات الملعب ، وبشغفهم بالساحرة المستديرة الى ترديد ( محمد صلاح يُسجل لي، وسيسجل لك، اذا سجل المزيد ، سأصبح مسلماً قريباً ) ، صلاح الذي أصبح أيقونة الملاعب الانجليزية واﻷوربية ومطمح أنديتها له جمعية خيرية كفلت مئات الفقراء ، صلاح تكفل بمصاريف 70 شابا وشابة اقدموا على الزواج في الصعيد المصري ، صلاح تبرع بأجهزة طبية باهظة الثمن وأموال لعلاج السرطان والتهاب الكبد الوبائي وتأهيل الصم ، وتبرع بخمسة ملايين جنيه الى مستشفيات ودور أيتام ما دفع مجلة ” فوربس” لإختياره ضمن قائمتها للشباب الذين أثروا بمحيطهم بأعمال ملهمة ، حتى أن 17 انجليزيا مع عشاق النادي اﻷحمر ، أعلنوا إسلامهم بسببه وباﻷخص أنه معروف بحسن خلقه وبأدبه الجم مع الجميع إمتثالا لقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” .
أنموذج صلاح في القدوة الحسنة إنما يمثل روح الشريعة الغراء وأحد أسمى غاياتها وبالإمكان تعميمها ، فالطبيب الإختصاص – الملتزم – بإمكانه أن يكون أكبر داعية وإن لم يحفظ من كتاب الله تعالى أكثر من الفاتحة وسورة الإخلاص والمعوذتين وإن حفظ أكثر فبها ونعمت ..يكفيه ان يعالج مرضاه بكفاءة وعطف ولين ، وان لايبتزهم وﻻ يخدعهم ويظهر لهم من البشاشة و الخلق الجميل والإنسانية ما تؤثر فيهم ، ويكفيه أن يخصص يوما من كل أسبوع لعلاج المرضى المحتاجين – مجانا – ويوما خامسا من كل شهر لإجراء عمليات جراحية مجانية للفقراء او إحالتهم الى زملائه لإجرائها على حسابه …!!
قال صلى الله عليه وسلم (أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ) والعاني هو الاسير ، فأذا كانت مجرد عيادة المريض بهذه الدرجة ، فما بالكم بعلاجه ؟
الصيدلي الملتزم بإمكانه أن يكون أكبر داعية ويفعل كما فعل الطبيب ، ولو أنه خصص – روشيتتين أو ثلاث – في كل يوم للفقراء والمحتاجين مجانا فسيمتطي صهوة الدعوة بالقدوة الحسنة ليصول ويجول بها في قلوب الناس تقربا الى الباري عز جل ويحببهم الى دينه الحنيف !
المحامي – الملتزم – بإمكانه أن يكون داعية لو أنه خصص أربع مرافعات شهريا للمظلومين والمضطهدين من النساء والرجال بواقع واحدة كل اسبوع .
* صاحب العقار الملتزم – لو انه تجاوز عن تسلم بدل ايجار شهرين سنويا – وليكن بمناسبة عيدي الفطر والاضحى ..او لشهر واحد بمناسبة رمضان المبارك مثلا ..فسيتحول الى داعية بالقدوة الحسنة ﻷن سواه وبعد الدعاء له والثناء عليه بكل خير على لسان المستفيدين وتناقل اخباره ..سيقلد اصحاب العقارات الاخرى او بعضهم ما ذهب اليه …!
صاحب المطعم – الملتزم – بامكانه ان يكون اكبر داعية لو أنه خصص وجبات طعام يومية مجانية للمشردين والمعوزين والعاطلين، امتثالا لقوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً)
صاحب السوبر ماركت – أو حتى الدكاكين الصغيرة – وكذلك شريحة البقالين وأصحاب المخابز وأفران الصمون والمتاجر على اختلاف أنواعها فضلا عن الحرفيين وأصحاب المهن الحرة ” حلاق ، نجار ، حداد ، سمكري ، كهربائي ، صباغ ..الخ ” بإمكانهم ان يكونوا من أنبل الدعاة وأشدهم تأثيرا لو أنهم خصصوا سجلا للارامل واليتامى والمحتاجين والنازحين والمعاقين ومنحهم ما يحتاجون اليه لحين ميسرة ..وان تعسر عليهم دفع ثمنها نهاية الشهر – اسقطوها عنهم أو أجلوها ثانية وثالثة ورابعة وخامسة – مستذكرين حديث خير الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) .
المعلم والمعلمة في مدرستهما ، المدرس والمدرسة في ثانويتهما ، الاستاذ والاستاذة في كليتهما ، صاحب المصنع في مصنعه ، مالك البستان في بستانه أومزرعته ، المدير في دائرته ، بإمكانهم ذلك وبطرق مبتكرة بحسب الزمان والمكان ولكل مجتهد نصيب ..ومن سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها الى يوم الدين ، والحديث يصدق على بقية الشرائح بما فيهم الاعلاميون ” يا اخي خصص لك عمودا صحفيا أسبوعيا مجانيا لنصرة المستضعفين ، مقالا لإغاثة الملهوفين ، تحقيقا لتسليط الضوء على المشردين ، حوارا لرفع معاناة المفقودين والمخطوفين والمعتقلين و المظلومين والمهجرين والنازحين ، تقريرا متلفزا عن مرضى السرطان والمعاقين والمسنين والعاطلين ..الخ ” .
قبل أيام التقيت شخصا من اﻷخفياء اﻷتقياء ولانزكي على الله أحدا يتولى توزيع الصدقات التي يجود بها الخيرون بين الناس ولسانه يردد ” يجود علينا الخيروين بمالهم ونحن بمال الخيرين نجود ” ولقد فاجأني برقي أسلوبه وتفرده في ذلك حيث ” أعطى احد الفقراء حصة تموينية أتبعها بمبلغ من المال بطريقة مهذبة مع ابتسامة عريضة وقبل رأسه – رأس الفقير – ، ثم طلب منه ان يدله على منزل فقير آخر ، وقبل ان نصل الى المنزل الثاني – العشوائية بالحقيقة – بأمتار قليلة اعطاه حصة وظرفا فيه مال ثم قال له اطرق الباب وأعطهم إياها لطفا لا أمرا ..ونحن سنقف عند مدخل الشارع وكأننا مجرد مستطرقين وعابري سبيل ننتظر سيارة أجرة ، من دون أن تخبرهم بأننا من نوزع الحصص فذهب الفقير فرحا أيما فرح ، ربما ﻷنها المرة اﻷولى في حياته التي يتصدق فيها لقلة ذات اليد ، وفعل …وكرر صاحبي الحالة مع 10 أشخاص من الفقراء وبذات اﻷسلوب – يعطي الفقير حصته وماله ..يقبل رأسه ..ثم يطلب منه ان يدله على آخر ، ثم يعطيه الحصة الثانية والمال ليذهب بها الفقير الى نظيره لوحده ..وبعد عودته من اداء المهمة يشكره شكرا وكأنه هو المتصدق عليه – احسنت ..شكرا جزيلا .. حياك وبياك وجعل الجنة مثواك ، ولسان حاله يردد :
وتراهُ إذا ما جئتهُ متهللاً ..كأنكَ تعطيهِ الذي أنتَ سائلهْ
الحقيقة أعجبت بالفكرة وسألته ، لماذا تقوم بذلك ؟ ..اسمعوا أحبتي جعلني الله وإياكم في زمرة المتصدقين ومن اصحاب الهمم العالية والقدوة الحسنة ، ماذا قال : قال ” اريد ان ارفع من الروح المعنوية للفقير أولا ﻷنه مصاب بالاحباط والقلق الدائم ، واريده ان يتذوق طعم اليد العليا المنفقة ويتخلص من مهانة اليد السفلى المستلمة ولو في كل شهر مرة ، اريد من الفقير الثاني ان يحتسب هذا الموقف للفقير اﻷول الذي دل المتصدقين عليه وأوصل مال الله اليه فيذكره مستقبلا اذا حضرت مساعدات من جهة اخرى ولاينساه أبدا …اريد ان ألغي الحسد المزدوج ” اﻷول بين الفقراء انفسهم وباﻷخص عند حضور المساعدات فأدفعهم الى ان يتكافلوا فيما بينهم ويؤثر كل منهم الاخر على نفسه ويتقاسموا خبزتهم فيما بينهم ويتعلموا الاخبار عن بقية المحتاجين لا التورية عنهم للفوز بحصة الاسد ….والثاني لكي لايحسدوا الاغنياء فنضيق بذلك من نطاق – الحقد الطبقي – كونهم لم يكتفوا بمنحهم ما افاض الله تعالى به عليهم من غير من وﻻ اذى وﻻ رياء بل واشركوهم بكل ود واحترام في توزيع الصدقات ايضا من دون ان يكلفونهم حتى عناء اخبار المستفيد عن صفة الشخص المتصدق وﻻ اسمه وﻻ عنوانه …واريده ..اريده ..اريده ” ان يحشر في زمرة المتصدقين ، يوم لاينفع مال ولا بنون اﻻ من اتى الله بقلب سليم ايضا اذ ” ﻻ يؤمن أحدكم حتى يحب ﻷخيه ما يحب لنفسه ” كما اخبرنا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم .
ولعل من جميل وروعة وأهمية وبركة الدعوة بالقدوة الحسنة أنها ” ليست حكرا على طلبة العلم الشرعي وﻻ على اﻷئمة والخطباء والفقهاء ” بل هي لكل الناس ..كل الناس ..كل النااااااااس – وفي كل مكان وزمان ….فحي على الدعوة بالقدوة الحسنة وحي على التشجيع والدعوة لها صباح مساء.. !اودعناكم اغاتي