23 ديسمبر، 2024 9:16 م

عندما يتحكم بالعراق من يكون حبيس الذات والأنا

عندما يتحكم بالعراق من يكون حبيس الذات والأنا

عندما يكون الإنسان  حبيس الذات والأنا، ولا يعيش إلا لنفسه، ولا يفكر إلا في مصالحه، ولا يهتم بالآخرين ولا بشؤونهم ولا همومهم ولا معاناتهم، فمثل ذلك الفرد يعيش ويموت دون أن يترك له اثر يخلده، أو بصمة مضيئة  في تاريخ البشرية، وخصوصا إذا كان في مستوى القيادة والمسؤولية، وهو إنسان مستهلك غير منتج، استئثاري غير إيثاري، نفعي غير تضحوي،انعزالي غير  متفاعل….
وبعكسه الإنسان  الذي يكون  خارج حدود الذات والأنا، ويتحرك ضمن دائرة أوسع من  الظرف الذي يعيشه هو، ليمتد بروحه وفكره وعطائه إلى حدود تتعدى الزمان والمكان والذات، فيعيش هموم الناس، ويتحسس آلامهم ويهتم لأمورهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، بل انه يتحمل كل أنواع الأذى والعذاب والاضطهاد من اجلهم، فهو كالشمعة المضيئة التي تحرق نفسها من اجل أن تمنح الآخرين النور، فمثل هذا الإنسان يفرض نفسه على الوجود وان غيبته قوى الشر والظلام والانتهاز، وهو من يكتب ويرسم الحاضر والمستقبل والتاريخ ولو بعد حين…
 ولهذا نجد أن الخلود كان من نصيب حملة الفكر وأصحاب المواقف الإنسانية ودعاة الحرية الذين عاشوا من اجل الإنسانية وليس على حسابها، وبذلوا وجودهم من اجل تحقيق العدالة والسلام واحترام كرامة الإنسان، كما وان النصر الحقيقي هو نصرهم، حتى وان استشهدوا في طريق الحرية والعدالة، لأنَّ القيم والمبادئ التي دعوا لها وجسدوها في حياتهم  والدروس التي خطوها بدمائهم باقية  كمشاعل تنير درب الثائرين في وجه الظلام والفساد، ومعين لا ينضب تنهل منه الأجيال رحيق الإباء، وتستنشق عبق الحرية والسلام، ولنا في الحسين خير شاهد……
العملية السياسية التي بشَّر بها المحتل وطبل لها من سار بركبه وشرعنه أفرزت قيادات وزعامات دينية وسياسية حبيسة الذات والأنا، لا تفكر إلا في مصالحها ومصالح أسيادها من دول الاحتلال وعلى رأسها المحتل الأشرس إيران، فهم في وادٍ، والعراق وشعبه في واد سحيق ليس فيه إلا القتل والخطف والإذلال والحرمان والتخلف والضياع الذي تمخض عن السياسات الفاشلة الفاسدة الظالمة التي تبنتها حكومات ما بعد الاحتلال، والتي تأسست وتكرست ببركة حكمة المرجعية وفتاواها، متخذين من المذهب شماعة لبقاء سلطانهم ومصالحهم، في حين أنهم ابعد ما يكونون عن المذهب، وأئمة المذهب الذين عاشوا من اجل الإنسانية جمعاء دون تمييز، وشاركوهم مكاره الدهر وجشوبة العيش، فهذا علي عليه السلام يقول:
(أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ. فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ المُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِها وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا).
فالإمرة والخلافة والزعامة والرئاسة في فكر علي “عليه السلام” هي المشاركة الحقيقية الصادقة مع الشعب في مكاره الدهر، والأسوة لهم في جشوبة العيش،،، وليس العيش في بروج مشيدة وقصور فارهة، واستعلاء على الناس وزجهم وتجويعهم وحرمانهم وإذلالهم  في محرقة الاقتتال الطائفي وتهجيرهم، فأين أولئك المتشدقون بالمذهب والمنتحلون للتشيع عن نهج علي وسيرته الوضاءة؟!!!!.
في المقابل نجد المرجعية العراقية العربية المتمثلة بالمرجع الصرخي الذي كان ولا يزال يعيش هموم الناس ويتحسس معاناتهم، بل سبقهم إلى تحمل المعاناة والأذى دونهم، فهو أول من وقع عليه ظلم وبطش الاحتلال الأمريكي  والإيراني وحكوماته الطائفية، وأول من صدر بحقه مذكرة اعتقال، وأول مُهجَّر ونازح ومُشرَّد ومُطرَّد ومُغيَّب ومُهمَّش…، بسبب مواقفه الرافضة للاحتلال وما رشح عنه من قبح وظلام وفساد، ودفاعه عن العراق وشعبه بكل مكوناته وأطيافه، وهو اليوم يشاركه في تظاهراته المشروعة، نعم المرجع الصرخي تعالى على جروحه وآلامه ومعاناته فهو لا يفكر فيها بقدر تفكيره بجروح وآلام العراقيين، بل يعتبر أن جروح ومعاناة الشعب العراق هي جروحه النازفة ومعاناته الحقيقية، وهذا واضح وجلي من مواقفه وبياناته، ففي جواب له على سؤال وجهته له صحيفة الشرق:
هل هناك أي تهديد موجَّه لسماحتكم ؟
المرجع الصرخي:- التهديد العام والبلاء العام يشمل كل العراقيين، بل كل شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وما دمنا متمسكين بمشروع الإصلاح الرافض للتقسيم والطائفية والفساد والإفساد والتقتيل وسحق كرامة الإنسان فسيبقى التهديد بل سيتضاعف، وكيف ينتفي التهديد ونحن نتمسك بمشروع وطني إسلامي أخلاقي إنساني ينافي المشروع الإمبراطوري الفاسد.