18 ديسمبر، 2024 7:50 م

عندما يأتي الممثل متأخرا

عندما يأتي الممثل متأخرا

الم يقل ستانسلافسكي في كتابه فن المسرح ( بأنه سعيد باتخاذ مسرح موسكو الفني من طريقته منهجا للتمثيل على اية حال وان هذا هو ما يهمه بالدرجة الاولى ), أي ان يعمل بشكل رسمي وتحت اشراف حكومي رسمي ومن تحته ممثلين بصفة موظفين يتلقون اجورهم وهو, من الحكومة, بوصفهم جهة تابعة للحكومة, لقد ارتضى بذلك بل انه كان هدفه على الدوام في ان يكون موظفا معتمدا لدى الحكومة, بل لم يلقي بالا للفرق ما بين الموظف والفنان.

في كتاب إعداد الممثل لستانسلافسكي في الفصل الأول منه وتحت عنوان الامتحان الأول الصفحة 19 يقول ( واستيقظت في الصباح متأخرا عن عادتي واندفعت أبدل ثيابي وأسرعت إلى المسرح وعندما دخلت حجرة التدريب حيث كان الجميع في انتظاري وشعرت بإحراج شديد وقلت في غير اكتراث يبدوا إنني تأخرت قليلا ), المشكلة في قراءة ستانسلافسكي انها تثير في القارىء التساؤلات العديدة حول كونه يقصد بهذا السرد الروائي لحوادثه اليومية ان يقربنا من عملية يسميها اعداد الممثل ام انه يؤطر ذاته كفنان بهالة من القدسية التي تلون سير المشاهير احيانا, أي ان الذي يتفحص فحوى الواضح من السرد المذكور في كتاب اعداد الممثل ليجد من الصعوبة في تلقي تسلسل واضح لفكرة تقود لتمرين يستطيع من خلاله الممثل ان يكون معدا فعلا كما يطلب منا الكتاب ان نتقبل عنوانه, الا ان الواضح الجلي من التفاصيل اليومية المملة هو ستانسلافسكي البطل الوحيد لهذه الرواية ومن حوله تلك الشخصيات الهامشية التي تصادفه في رحلته من الظلام الى النور, حيث ان ولادة فكره تقودنا بكل ما فيها من تهويل الى عقد مقارنة مع ولادة قصيدة شعر لشاعر يهيم في الصحراء او كاتب لرواية يقضي تقلبات تألفه لها متخيلا الشخصيات التي فيها منه الكثير, لان ستانسلافسكي يقول على لسان الشخصيات المبهمة المذكورة في كتابه اعداد الممثل ما يريد هو ان يقوله وكأنه يتحدث مع تلميذ في مدرسة التمثيل جسد هو شخصيته, ان ما يحدث في هذا المقطع بالذات حيث وصل ستانسلافسكي الى المسرح متأخرا لهو خير مثال على ضعف البنية التي يستند عليها المثال الذي يريد ستانسلافسكي ان يعطيه للممثل وينتهي كما العادة بموعظة اخلاقية عن ما يسميها اخلاق المسرح, ولعل القارىء لهذا المقطع ليجد التناقض واضحا حينما يكون لاخلاق المسرح علاقة بالتأخير عن حضور التمرين المسرحي اكثر مما يجب اخذه بالاعتبار في تكوينه علاقة واقعية مع الحدث الروائي المذكور, كازدحام المرور في الشارع او حالة الطقس او غيرها, ولهذا نجد من الضروري عدم المرور كراما على كل نقطة يسردها ستانسلافسكي لانها تقود لكارثة يراد منها اخيرا ان تكون طريقة في فن التمثيل, وفي الصفحة ذاتها كتاب إعداد الممثل لستانسلافسكي في الفصل الأول منه وتحت عنوان الامتحان الأول الصفحة 19 يقول ( عند ذلك نظر الي رحمانوف نظرة فيها ما فيها من اللوم ), ما نوع هذا اللوم بالضبط؟, فالعتب بين الاصدقاء وارد وبين الاغراب يرتبط باتفاقيات تعقد على اساس الالتزام بالتوقيت فيما يخص الحضور في الموعد لاداء فعل وخدمة ما, وهنا يعتبر رحمانوف صاحب العمل بالنسبة لستانسلافسكي بالتالي لا يوجد ما يدعوا الى اللوم اكثر مما ينبغي ان يستدعي ردود فعل ملائمة للحدث كما هي الحال عند أي صاحب عمل وعامل لديه, هذا ان كان الحال كذلك لكنا نفهم من ستانسلافسكي ان العلاقة فيما بينه ورحمانوف فيها من الابوة اكثر ما فيها من العمل, وهذا ان دل فقليل ما يؤشر الى كون هكذا اجتماع لهو قائم على اساس عاطفي ابعد مما يوحي به ستانسلافسكي من نظام يجب الالتزام به ليؤدي الى اعداد الممثل كما الطالب في مواجهة امتحانه من خلال الالتزام بوقت الدرس, فهنا ههو ليس بطالب ولا هذا بدرس بل اقرب الى شيء متناقض قد يكون تعبيره عنه فيما يلي دليل ذات التناقض, يقول رحمانوف في الصفحة 19 ( ان الممثل ليس اقل من الجندي في وجوب خضوعه لنظام كانه من حديد ), حينما يكون الممثل جنديا خاضعا لنظام بهذه الصرامة الحديدية التي يتبناها ستانسلافسكي بغض النظر عن لقصد الذي يبدوا داعيا لالتزام الممثل بمواعيد عمله, لكن حينما يتحقق ما يؤدي بالممثل ليتصف بما يميز الجندي عن الممثل او غيره, فسيكون لدينا انسان خاضع لنظام محدد, وليس من السهل اتباع هذا النظام على خشبة المسرح حينما يواجه الممثل جمهورا مختلفا في كل عرض مسرحي, ولو كان القصد ان يتحدد التزام الممثل بالجندي وقت حضور التمرينات لا غير, أي الالتزام بالوقت فقط, فالجندي ليس ملتزما بالوقت لانه ملتزم, بل لان الوقت عند الجندي غير الوقت عند الممثل, وهنا يتضح عدم اتخاذ ستانسلافسكي لخصوصية عمل الممثل دليلا لما يدعوا اليه الممثل من دعوات يرى انها تعده لفن التمثيل, اذ انه بنفس الوقت يجعل من هذه الخصوصية مثال جدل, يقول ستانسلافسكي في الصفحة 19 ( اكتفى رحمانوف بالتوبيخ لانها اول مرة ) فهنا يعود ليؤسس علاقة رب العمل والعامل بديلا عن علاقة الجندي والضابط او علاقة الاصدقاء او حتى المدرس والطالب التي ينبغي ان يذهب اليها القارىء بعدما يرى العديد من المؤشرات على انها مدرسة تمثيل اكثر منها فرقة مسرحية, ولكن سرعان ما يكتشف بانها ليست مدرسة وليست فرقة وانما وظيفة والممثل موظف يعمل لدى مدير مباشر لعمله, في فن التمثيل.