18 ديسمبر، 2024 6:12 م

عندما نعشق الحسين

عندما نعشق الحسين

لثورة الحسين بن علي عليه السلام ثلاث ابعاد، يمكنملاحظتها، والارتكاز عليها من قبل المؤرخين، والباحثين، والمهتمين، وذلك كونهاحدثا مركبا هائل القوة، والتاثير الى الدرجة التي امتد بها تاثيره الى عصرناالراهن بقوة دفع متزايدة.

فلهذه الثورة الخالدة بعد ديني، وآخر سياسي، وثالثوجداني عاطفي، وهذه الابعاد، او الوجوه عملت بشكل مترابط، او مستقل على صياغةالارث الحضاري، والثقافي، والسياسي، والملحمي، لهذه الثورة التي جسد بعدها السياسياعلى ذروة الصراع بين الشرعية وبين التزييف.

فما كادت الامة الاسلامية تستعيد توازنها لحسم الجدل حولفكرة الخلافة، او الامامة، وحول مبدا الولاية او الشورى، وحول حدود مساحة الشورى،ووضع الخليفة الحاكم، ومصدر شرعيته، حتى القت واقعة مقتل الخليفة الثالث عثمان بنعفان(رض) تداعياتها على الامة بشكل غير مسبوق.

هنا استطاع معاوية بن ابي سفيان ان يقتنص الفرصة،ويستخدم شرعية القوة، والامر الواقع، الذي ارتضى به عامة الناس على مضض، واثارجدلا واسعا بين خاصتهم من سادة العرب، لكن الخطيئة والجريمة الاكبر لمعاوية انهادخل مبدا التوريث، واوقف مبدأ الشورى الذي كان هو الآخر مثيرا  للجدل في وقته.

معاوية بن ابي سفيان كان راغبا في الحكم لاغير… فهوعلى رأي والده ابي سفيان (يتلقفها تلقف الكرة) فلا يؤمن بوحي، ولا يخضع لدين، انمايؤمن بالسلطة، ويخضع لمغريات الرياسة.

 وبهذا فعندما استدعىمعاوية عماله من مختلف الامصار، كان قد اعد لهم مفاجئة من العيار الثقيل، جسدهاقول يزيد بن المقنع العذري وهو يخاطب الجموع التي وفدت للقصر الاموي لتشهد بيعة منيخلف معاوية وكان كل منهم يعتقد انه احق بها من غيره لكن بن المقنع عمل بمثابةالناطق الرسمي باسم القصر واوضح الاستراتيجية الاموية الجديدة.

وقف بن المقنع خطيبا فقال “هذا أمير المؤمنين وأشارإلى معاوية، فإن هلك هذا فهذا وأشار إلى يزيد، وان ابيتم فهذا وأشار إلى سيفه”،وكان ذلك بالطبع، امر مدبر من قبل معاوية الذي قال لابن المقنع في حينها (اجلس فأنتسيد الخطباء).

 وبهذه المقولة،وهذا الرد من معاوية، بدا عصر التوريث الذي جلب للامة الاسلامية بؤسها، وتخلفها،وشقاقها، الى ان قام الحسين(ع) بثورته، ليصحح المسار السياسي، ويوقف الانحدارالاخلاقي، والخلل المفاهيمي.

هذا الخلل الذي جسده وعاظ قصور معاوية، ومن سار على نهجه،بان الثورة على الحاكم الجائر مفسدة، وأن الحفاظ على (بيضة الامة) اي تماسكها اولىمن الثورة على الظلم، وافكار سياسية اخرى مازال يلوك بها اصحاب العقول المظلمة،الذين كشفت تناقضات السياسة المعاصرة عوراتهم المستندة على ارث فقهاء القصور ووعاظالملوك.

هذه التخاريف الاخلاقية المفاهيمية، فندها الحسين بثورتهالعظيمة، التي الهمت دول وثورات اخرى طاقاتها، وقوتها، لتستقيم الانسانية بشكلهاالحضاري الذي يحترم العدالة، والمساواة، وحقوق الانسان، نعم هي مباديء الحسينالتي  حررت الانسان، من العبودية، والظلم،وصنعت معادلات جديدة للحياة، (فكل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء).

اما الجانب الديني في ثورة الحسين فيدور في سعي الامامالى الحفاظ على ماجاء به جده رسول الله (ص) من قيم، ومباديء، وافكار، انهت عصرالجاهلية، ورسمت لعرب الجزيرة وللعالم حياتهم الجديدة، التي حرص الحسين على انلاتدنس من اجل اهواء دنيوية، فالحسين سار على نهج ابيه وجده في اعلاء قيم الشريعةالسمحاء، حتى لخص محبي الحسين الدور الديني لثورته بعبارة (الاسلام محمدي الوجودحسيني البقاء).

اما الجانب العاطفي في ثورة الحسين، فهو اكثر الجوانبشهرة، ورواجا، وتاثيرا، فأول رد فعل على ثورة الحسين كان عاطفيا، سواء ممن شهدواقعة السبايا في القصر الاموي في الشام، او ممن التحق مع التوابين الذين عشقواالالتحاق بابي الاحرار ولو بعد حين، وهو موقف ما تلاهم من جماعات، وفرق اثرتتداعيات ثورة الحسين في وجدانها، واعادت صياغة تفكيرها، وبنيانها النفسي، وثقافتهاالسياسية، فالعاطفة في ثورة الحسين هي مصدر الالهام السياسي الوجداني وهي العاملالاكثر تاثيرا من بين العوامل الاخرى.

، لكن في زمان مثل زماننا يستوجب ان نراجع الابعادالسياسية، والدينية للثورة الحسينية ونمنحها الحيز الاكبر، بعيدا عن المتاجرة بهالاغراض دنيوية، فعندما نعشق الحسين يجب ان نعشقه بالطريقة الحسينية القائمة علىمبدا (الموت اولى من ركوب العار، والعار اولى من دخول النار)، لا بالطريقة الامويةالتي يعرف منتهجوها على ماذا تقوم.