لم يعش العراق فترة سبات وجدب ثقافي ومعرفي ومرحلة نكوص أدبي وعلمي خاوية مثلما شهده العقد الاخير الذي نعيش أحلك أيامه الصعبة والقاسية والثقيلة الوطأة على حياة العراقيين جميعا، وكأننا في أتعس حالات عصور القرون الوسطى تخلفا وهمجية وضياع مستقبل بلد ، كان أول من حمل مشعل الحضارة على هذه الارض!!
أجل.. بعد ان تهاوت القيم وانهارت منظومتها الاخلاقية وتفشت الرذيلة والفساد وكل عوامل الانحطاط والبؤس الأخلاقي ، تدحرجت الثقافة بعيدا الى هاوية سحيقة، الى صحراء جرداء موغلة في الجدب والفقر ، حتى تجاوزت مرحلة البداوة الى عهد انسان النيادرتال ، كما تصفها لنا كتب التاريخ القديمة، في عهود الانسان البدائي في عصوره السحيقة!!
تابعوا كل مجريات الثقافة في مجالاتها الادبية والعلمية والفلسفية والفنية وكل مجالات العلوم الاخرى لترون ان غالبية كبيرة ان لم نقل نسبا كبيرة ربما تتجاوز التسعين بالمائة من المجتمع العراقي قد إضمحلت ثقافاته وتدهورت اخلاقيات مجتمعه، وتحولت الحياة فيه الى شبح رهيب مرعب، لم يعد للانسانية فيه من وجود ولا للعلم والادب من مكانة، وما هو متبق انما هو نتاج سنين مضت ، راح كثيرون يجترون ماتبقى من جذوتها المشتعلة في النفوس لتظهر بعض معادتها النفسية هنا او هناك، لكن قيم الحضارة والتمدن اختفت من معالم القاموس العراقي وتحولت العاصمة بغداد الى قرية مهجورة لم تعد تمر عليها او تقطنها حتى الطيور ، ان لم تحولت بعض شوارعها ومنها شارع الرشيد المقفر المكفهر الى ارض خربة جراء لاحياة فيها ولا ماء، حتى ان شارع المتنبي الذي تغطيه الاف الكتب والمطبوعات الثمينة لاتجد فيه من يتعطش الى الثقافة او يحاول ان يرتوي من مائها العذب ، الا القلة القليلة من بقايا رجالات الثقافة في أيام زمان، حتى ان اصحاب المكتبات اعلنوا افلاسهم وهم يشكون حظهم العاثر الذي اوصل العراق الى هذه المرحلة التي لم تعد فيه الثقافة زادا روحيا يلهم الضمائر والقلوب ، ويؤجج بين جنباتنا العلم والارتقاء والتطور والابداع، لأن زمن الانفلات والفوضى وضياع وتدحرج القيم والثقافات وصلت مديات مرعبة ومخيفة ، وهو ما يؤشر مرحلة تاريخية خطيرة ان بقي العراق يعيش أيام تلك الحقبة السوداء بكل صفحاتها المظلمة، لكن عراق الحضارات لابد وان يعود الى الواجهة في يوما ما، نتمنى ان لايطول، لكي يعيد العراقيون زمن ابداعهم وقاماتهم الشامخة التي نهلت منها الدنيا علوما وادابا وطرائق حكم ومعارف واخلاقيات وحكم كانت الدنيا كلها تحسدنا عليها، واذا بالزمان وهو يتدحرج بنا قهقهريا الى قرون مظلمة تعود بنا الى مراحل انسان النيادرتال، وهذا مالا يليق بشعب العراق شعب الحضارات المعطاء بكل تأكيد!!