الزمن الأغبر، الذي طغى فيه النفاق والتملق، والتزلف والدجل، فصار الكاذب صادقاً، والجاهل عالماً، والفاسق تقياً، والمنافق مؤمنا،ً حتى اُتُخذ من الدين سلعة، يتاجر بها المدعون، ويتقاذفها المنبوذون، وليس هذا فقط، بل “زاد الطين بلّة”، وتمادى الجهلة والفاسقون، على أهل الدين والتقوى، على قامات العلم، وأعمدة المذهب، فحسبوا أنفسهم شيئاً، وهم لاشيء.
تردي الواقع الأخلاقي في المجتمع، وكثرة الظواهر المنحرفة، التي تلبس الباطل بلباس الحق، جعلت من المنبوذين والمنحرفين، يعرضون أنفسهم، كقادة وعلماء؛ فيحسب الجاهل أنهم كذلك، وقد نزل به جهله ،إلى هذا المستوى المتردي حتى آمن بهم، وصدق قولهم، وما كان ذلك ليكون؛ لولا سفه عقله، وقلة علمه، الذي جعل منه، مطية لتمرير ترهاتهم ومفاسدهم.
مرجعية النجف، تلقت من الهجمات مالم يتلقاه سواها، منذ زمن بعيد ولليوم، فعمل حكام الظلم، وجبابرة الطغيان، على قتل وتشريد ومضايقة وسجن علمائها، وتوالى الحكام على هذا المنوال، حتى قضى خيرة من أعلام المذهب نحبهم، بين قتيل مجاهد، أو مسموم صابر، أو مغترب مهاجر.
وكأن التاريخ يعيد نفسه مجددا، فذلك رسول الإنسانية، قد اتفقت كلمة قريش الكفر والجهل، على عداوته وقتله، وطلبت منه أن يترك دينه، فما كان منه إلا أن قال:” لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر بشمالي، على أن أترك هذا الأمر، مافعلت حتى أهلك دونه”، وبعد قرون من الزمن، هتف مرجع المذهب، وسيد الحوزة، الإمام الخوئي:” لن أبرح النجف؛ ليقال كانت فيها حوزة أسسها الطوسي، وهدمها الخوئي”.
لم تُظلم الحوزة من الأنظمة القمعية فحسب، بل نالها الجهلة بجهلهم، والمنافقون بنفاقهم، والكاذبون بتديلسهم، حتى نُعت سيد الطائفة، وخيمة الشيعة، وحافظ العراق، بالصامت! ونُعتت حوزة الشيعة التي ورث تأريخ، بدأه الطوسي قبل مئات السنين، وأثراه عشرات العلماء الربانيين، بالصامتة!
اليوم الراية بيد القائد السيستاني، الذي دارت عليه، أزمّة الكفر والجهل والنفاق؛ لتهدم حوزة، هو قائدها، ولتدنس أرض، هو ساكنها، فجاءت عصابات”داعش” الهمجية؛ لتفسد وتقتل؛ فأعلن المرجع كلمته، التي هزت العالم، وأفشلت دول، وملأت السواتر رجالاً هَبت لتنقذ هذا الوطن، من طغيان الإرهاب.
التسقيط والنفاق، ميدان النصر فيه هزيمة، لأن الحقيقة مها أخفيت، فلا بد من أن يشع نورها، وتشرق شمسها، فأي حقيقة أوضح وأصرح وأحق من أن تصدق، حقيقة الصراخ الكاذب، أم صوت الدماء الدافق؟ حوزة النجف نطقت دماُ، ونزفت رجالاً، وأعادت حقاً، وحفظت وطنناً.
العمامة الحوزوية، تخضبت بدماء العز والشرف في ميدان الجهاد، وأثبتت حقيقتها الراسخة عبر التاريخ، فكانت سواتر العز شواهد ومواثيق، لتضحيات الأبرار من طلبتها، والخيرة من أتباعها، والصفوة من مجتمعها، العمامة التي غطاها التراب؛ لتثبت للناس، إنها صاحبة دين ومبدأ وقيادة مرجعية، لاتزل ولاتزول عن مسار المذهب وطريقه، بل هي حافظة لكيانه وتراثه الفكري والجهادي.
عندما تنطق الدماء، يصمت المدعون، وتخرس ألسنتهم، وتَلجم أفواههم، فلا صوت يعلو صوت الدماء، ولاتضحية تفوق تضحية الشهداء، أما من تعدى على حرمة المرجعية وهاجمها، ومن اعتلى مقام ليس له، وتقمص موضعا لغيره، فهذا مقام المرجعية، وهذه جماهيرها، ملأت السواتر والميادين، ونطقت أن لا أمر إلا للقائد السيستاني، وبذلك فضحوا وهزموا، وانتصرت المرجعية، وأما من صم إذنه عنها، حتى بح صوتها، ومن خالف أوامرها في السلم والحرب، فليكف عن التغني باسمها، فقد انكشف نفاقه، وانتهت كذبته.