الوطنية ليست كائنا حيا يعيش بيننا, وليس هناك مكان محدد لمسقط رأسها , ولا تاريخ معين للاحتفال بعيد ميلادها، الوطنية لا علاقة لها بالخالق لانها صناعة انسانية بحتة , فهي تكبر و تصغر حسب الواقع المعاش , لكنها لا تموت ابداً , واذا ما قتلت بالامس غدراً فانها حتماً ستفرد يوماً ظلال اجنحتها لتحمي الناس من شرور قيظ دائم يعيق هبوب النسيم ويعطل هطول المطر.
الوطنية عند البعض تسمية عائمة تصلح للتداول في اي زمان ومكان , كونها الوصفة الصحية التي تلامس امال الشعب وتلملم جراحات الايام , وتعيد للناس انتسابهم لكل الاشياء التي نفروها او هربوا منها .
الوطنية ليست كنزاً مفقوداً في اقاصي الارض نبحث عنه فنستريح ، ولا هي موقوفة خلف القضبان منذ زمن ننتظر لها حكم البراءة فنطمئن , هي لا هذا ولا ذاك ، هي نبض انساني يقرع في النفوس السليمة ، لحن يتغنى به الجالسون على دروب الالم ، المتمنطقون بالصبر من وحشة الخوف ،هي امن وامان ، وسقف نستظل به ، ورغيف خبز يفك صراع احشائنا.
الوطنية ولاء ووفاء للارض والانسان ، وفي بعض الاحيان دم مراق على اطرافها لكي يعيش الاخرون ، اوفقر يسكن خلفه اناس يحسون بالشبع ، او ،تواضع يملأ الشعب زهواً وكبرياءً.
كل الذين يحكمون في وطننا يدعون الوطنية ، اما المعارضون فهم الاكثر وطنية كما يقولون ، فلا انبلج الصبح ولا نزل المطر ، واجبرنا ان نكون عيوناً مغمضة لا ترى شيئاً واجساداً صريعة تطفو على نهر (الوطنيين).
اعرف ان الوطنية تراهن على سيادة ارض الوطن وسمو ابنائه ، ولكن مفاهيم الوطنية اليوم كسرت الحدود ، ومزقت اوراقها المتعارف عليها ، فكانت جسداًفي الوطن وولاء عابراً للحدود ، يعني اسمي وطني في بلادي بلا شواهد ، واحتضن بلداً اخر ولكن بشواهد .
من يجافي حقيقة معاني الوطنية ، او يركب موجة حملتها سفينة اسموها الوطنية تصب في انهار مرت في وطني ، انما هو خطأ قيدته سطور التاريخ في بطونها ورفضته ارض الوطن .
شدت الوطنية رحالها الى جهة غير مأهولة ، وظلت عندنا اسماً مجرداً يكاد النسيان يدفنها في صحاري التيه والعتمة ، فيما تبقى الوطنية غذاء يومياً لا يشبع جائعاً او يكسي عرياناً، وصرخة لا تكاد تفارق حناجر اولئك المولعين بالوطنية اسماً فقط بعيداًعن الفعل ، ما داموا يرون ان المستقبل هناك في ذلك البلد البعيد ، وليس في وطن نهشت اسنان (الوطنية ) خواصر ابنائه ظلماً وبهتاناً ، وتناوبت النابئات على طرق كل ابوابه في وقت واحد.