يعجز المنطق عن تفسير الصورة في أي إتجاه إن كان نفاقاً أو إستفزازاً أو ربما ذلك الرياء الذي تقوم به السلطة وهي تحتفي بالمثقفين والمفكرين والمبدعين وتتذكّرهم بعد مماتِهم وحين يكونون تحت الثرى…وأقول بعد مماتِهم وليس أثناء حياتهم التي قضوها في منافي الغُربة كالطيور المهاجرة عن أوطانها وهي تبحث عن ملاذٍ آمن بعد أن نبذهم الحُكّام والمتسلطين وأرباب السلطة، حقاً إنه سؤال بحجمه الكبير لم يجد إجابة له حتى كتابة هذه السطور، وهو لماذا تحتفي السلطة وتتذكّرهم بعد مماتهم؟ ولماذا لم تكد تتغنى بهم حين كانوا أحياءاً يُرزقون؟ ثم مانفع كلمات التأبين والمواساة والطائرات الرئاسية الجاهزة للإقلاع في نقل جثامينهم ليُدفنوا في مقابر الوطن إذا كانت حياتهم التي قضوها مليئة بالغُربة والتشرد والضياع؟ ربما لأننا الوحيدون الذين لانشعر بقيمة الإنسان وصاحب العقل والفكر إلا بعد فقدانه أو ربما هو الشعور بالذنب والتقصير.
رحل الشاعر وقبله الفنان ومعهم الرياضي بعيداً عن أوطانهم لتصحو السلطة من سُباتها وتتذكّرهم بكلمات النعي وبرقيات الحزن وتَمُّن عليهم بطائرة رئاسية تنقل جثامينهم وهي السلطة التي كانت ترفضهم في محياهم، سمعت من أحدهم يقول..إذا كانت هذه السلطة ناكرة لشعب بأكمله فهل تتذكر الشاعر والفنان وغيرهم؟ وإذا كانت هذه السلطة متمادية في الغيّ ومصابة بعمى الألوان فكيف تستطيع التفريق بين الأبيض والأسود؟ وكيف تستطيع أن تدعو طيورها المهاجرة إلى العودة لأرض الوطن؟. ويقيناً إن هؤلاء الأموات لو كانت أرواحهم تتكلم لنطقت بالرفض وفضّلت أن تُدفن بالمنافي على أرض الوطن، لأن تراب هذه الأرض الذي رفضهم في حياتهم كيف له أن يضمهم في مماتهم؟. أخبرونا أيُها السادة حقيقة هذه السلطة هل هي واعية…أم أنها تسير أثناء النوم..هل تُدرك أفعالها؟.