22 ديسمبر، 2024 1:55 م

عندما تسخر الديمقراطية من نفسها !

عندما تسخر الديمقراطية من نفسها !

دول وأحزاب وحركات وتيارات ، تصف نفسها بالديمقراطية كجزء من مسمياتها ، وأتعجب أحيانا من سماع اسماء رسمية لدولٍ ما تحتوي على مفردة (الديمقراطية) ، عندها أجزم أن هذه الدولة هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية ، وأقول في قرارة نفسي ، على مَن يضحكون ؟ ، ونحن نعلم أن هذه الدول تحكمها الدكتاتورية والبوليس السرّي والتفرد في الحكم وسياسة التوريث ، ينطبق ذلك على جميع الأنظمة العربية ، ومن هذه الدول (الكونغو الديمقراطية) ، التي فقدت مئات الآلاف من أبنائها في حروب أهلية وعمليات إبادة منظّمة (وللغرب اليد الطولى في مآسي هذا البلد ، فليوبولد الثاني وحده ، ملك بلجيكا أعدم 8 ملايين كونغولي) ، وهنالك (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) السابقة ، التي كان يحكمها البوليس السرّي ، وعندما إنهارَ جدار برلين ، شعرتُ بالإرتياح ، لا لشيء سوى أن العالم قد نقص عنوانا زائفا للديمقراطية ، ويشمل ذلك كل الأحزاب التي تضع مفردة (ديمقراطية) على يافطات عناوين تلك الأحزاب .

وهناك (الجماهيرية العربية الليبية الديمقراطية الشعبية الإشتراكية العظمى) ! ، صحيح أن عناوين الدول مهما طالت أو قصرت ليس عليها ضرائب كيافطات المحلات التجارية ! ، لكن يكفي أن القذافي رحمه الله ، بقي متربعا على العرش لأكثر من 40 عاما (رغم تحفظي الشديد على طريقة الإطاحة به)  ، وهناك أيضا (جمهورية كوريا الديمقراطية) وهي المعروفة بكوريا الشمالية ، وما أدراك ما كوريا الشمالية ! .

جميع الدول التي تتعاطى في حكمها الديمقراطية الحقيقية (وبدوري أتحفظ على مصطلح الديمقراطية الحقيقية) ، لا تخلع على أسمائها لفظة الديمقراطية بإعتبارها من المسلّمات ، فلا نجد في الغرب دولة محترمة تسمي نفسها ديمقراطية (أو هكذا كنت أعتقد !) ، لأنها ممارسة فعلية تخرج من إطار الإسم ، إنها حق بشري مسلّم به ، دون الإتجار بالأسم فقط .

هرول جميع رعاة الديمقراطية متسابقين إبتداءً من الجثة المتفسخة (بايدن) إلى الكيان الصهيوني على وجه السرعة ، لتقديم العزاء وفروض الطاعة والولاء ، رغم التباين الشديد بين خسائر الطرفين ، ورغم تزوير الإعلام المفضوح بتهويله لخسائر الكيان ، وبنفس الوقت ، إصابته بالعمى التام لعمليات القتل العشوائي للمدنيين من الأطفال والنساء ، بوحشية قل نظيرها في التاريخ ، أربعون ألف طن من المتفجرات على رقعة صغيرة ومكتظة للغاية ، هي غزة .

في بريطانيا قرقوز اسمه سوناك ، كان من اكثر الكلاب اللاهثة لإسترضاء الكيان الصهيوني ، مدّعيا أن الكيان الصهيوني الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، لأن الشاذ جنسيا في هذا الكيان لا يستحي من إعلان شذوذه ، وله كامل الحق في الإدلاء بصوته في الإنتخابات (!!) ، أية موجة قذرة يمتطيها هذا الدعي ؟،  وعند وصوله لأرض الكيان الصهيوني ، رفض رئيس وزراء الكيان مد يده له أو معانقته ، لحاجة في نفس (نتياهو) ! ، لأن سوناك يعلم ، أن منصبه مرهون برضا الكيان الغاصب ، وأعترفُ أن سوناك هذا على حق ، لكن كان يجب على الزعماء العرب إعتبار كلامه هذا شتيمة لهم لأنهم أكثر الناس تشدقا بالديمقراطية رغم كذبهم ، لكنه زارهم وأستقبلوه بالأحضان ! ، وفوق ذلك ، يستقبل عربان الخليج رئيس الكيان الصهيوني في مؤتمر المناخ في دبي ، في نفس الوقت الذي تُهدم فيه بيوت غزة على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء ، جراء عمليات القصف الوحشية بعد إنتهاء الهدنة ! ، كل ذلك ، والجسور الجوية لم تتوقف لتموين الكيان الصهيوني بالسلاح والعتاد ، مستخدمين أجواء منطقتنا العربية بل ومطاراتها ومنها مطار (عمّان) !، لم يكن شاعرنا مبالغا بوصفهم (إن حظيرة خنزيرٍ أطهر من أطهركم) !.

من مبادئ الديمقراطية هو الإفصاح عن الآراء مهما كانت ، ولكم أن تعرفوا ، كم من المشاهير ورجال الأعمال قد تدهور مستقبلهم لمجرد إنتقادهم للوحشية والقسوة اللامتناهية ، بل ولجرائم الحرب ضد الإنسانية ، تلك التي يمارسها الكيان الصهيوني ، اللهم إلا موقف إسبانيا المتمثل برئيس وزرائها ووزير خارجيته ، والذي أثار حفيظة ونباح الكيان الصهيوني ، موقف يساوي (أقفية) كل الزعماء العرب مجتمعين ، موقف سيشهد له التاريخ ، كذلك موقف بعض دول أمريكا اللاتينية ، والتي تقع على الجانب الآخر من الكرةالأرضية ، بعضها قطع علاقاته الدبلوماسية مع الكيان الغاصب وطرد سفيره ، لكن لا يوجد معها نظام عربي واحد ينضم لمشروع قرار بإدانة الكيان الصهيوني لأرتكابه جرائم ضد الإنسانية ، سلطوا علينا مجموعة من العملاء والإمّعات المتخلفين ، حاربوا الإبداع والفكر الحر بكل ما أوتوا من قوة لأنه سيزلزل عروشهم ، فجعلوا منّا قطعانا من المستهلكين ، تخلّفت عن مواكبة باقي البشر .

في تراثنا الإسلامي والعربي ، هنالك مبدأ مُعَطّل هو (العدلُ اساسُ المُلك) ، لكن شاعرنا (بُلَند الحيدري) ، وصفه خير وصف عندما قال :

العدل اساس الملك ..صه

كذب.. كذب.. كذب  

الملك أساس العدل !

أن تملك سكينا

تملك حقكَ في قتلي !..

لطالما عانت البشرية ، من محاولات الدول الكبرى لغرس ديمقراطية مريضة غير محايدة في تربة غير صالحة ، لكن تلك الدول ، خافت من إفشاء هذه الديمقراطية (وهي على مقاسهم فقط) ، لأن الديمقراطية سلاح ذو حدّين ، ومن أول مقتضياتها نقد ممارسات تلك الدول ، فعرفوا أنهم زرعوا مأزقا يواجههم ، فأخترعوا شتى الحركات والمنظمات بل والدول العميقة ، كالإرهاب الذي لا يملك تعريفا لحد الآن ، والديمقراطية في عرف تلك الدول ، أن تحرق المصحف علنا ، لكن لا يجوز لك مجرد رفع علم فلسطين ، إياك والتقرب من مجرد نقد للإلحاد والمثلية ومحارق النازية ، وأن جرائم الإحتلال الفظيعة ، لها ما يبررها ، بل هم بصدد وضع قانون يجرّم كل من ينتقد سياسة وممارسات الكيان الصهيوني ! ، وإختصارا لا أجد عبارة أبلغ مم قاله أديبنا (أديب إسحق) : (قتل إمرئٍ في غابة ، جريمة لا تُغتفر ، وقتل شعب بأكمله ، مسألة فيها نظر) ! ، ومنذ أكثر من نصف قرن ، وصف شاعرنا (مظفر النواب) حالتنا هذه :

 هل عربٌ أنتم ؟

ويزيد (عُمان) على الشّرفة

يستعرضُ أعراضَ عراياكم

ويوزّعهن كلحمِ الضأنِ

لجيش الرّدة

هل عربٌ أنتم ؟

واللهِ أنا في شكِّ

من بغدادَ ، إلى جَدّة …