في مساء دامٍ من تموز 2025، اشتعل حريق هائل في مبنى “هايبر الكوت”، ذاك السوق التجاري الذي لم يمضِ على افتتاحه سوى أيام قليلة. النيران ابتلعت الطوابق، والدخان خنق المتسوقين، وسرعان ما تحوّل الحادث إلى كارثة وطنية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، بين نساء وأطفال، في مشهد أعاد إلى الذاكرة كوارث حرائق المستشفيات والأسواق والمراكز الحكومية السابقة.
لكن ما جرى في الكوت ومايحدث من في اماكن اخرى من كوارث بشرية ومادية ليس مجرد حادث عرضي أو “قضاء وقدر”، بل نتاج مباشر لخلل عميق في بنية العملية السياسية والإدارية، حيث تسود المحاصصة، ويتوارى القانون، ويغيب الضمير.
العملية السياسية في العراق ومنذ سنوات تئن تحت وطأة الفساد، وسوء الإدارة، وغياب المساءلة الحقيقية.
فمنصب المحافظ، ومسؤول البلدية، ومدير الدفاع المدني، وغيرهم، تُوزّع غالباً على أساس الولاءات الحزبية لا الكفاءة ، حيث انسدل الستار ونكشف المستور وتبين أن المبنى تم تشييده من دون موافقات رسمية، ودون التزام بتعليمات السلامة، وافتُتح دون فحص أو اعتماد من الدفاع المدني.
هنا تتساقط علامات الاستفهام صريعة الصمت…
من سمح؟ من تغاضى؟ من باع ضميره؟
كان يجب على الضمير أن يمنع توقيع إجازة بناء غير قانونية و يوقف افتتاح المبنى حتى استكمال شروط الأمان.
وكان من واجب القناعة أن تردع من حاول الاستعجال في الإنجاز من أجل الربح، على حساب الأرواح.
لكن، للأسف الشديد، حين يكون الهدف تحقيق مكاسب سريعة، تُدفن الضوابط وتُحرَق القوانين كما احترقت الانسانية في هايبر الكوت.
وإذا لم تُبنَ الدولة على أساس الضمير، والمساءلة، وتقديم الكفاءة على الولاء، فستتكرّر مأساة الكوت في محافظات أخرى، وبأشكال مختلفة.
ختاماً ، نقف على منبر المسؤولية ، حيث وقفتم وقسمتم على كتاب الله بحملكم لها ..ونتبصر ما خلفته هذه الكارثة من آثار لا تواريها الأزمان بأن دماء الشهداء في حريق هايبر الكوت ليست مجرد مناسبة لرفع شعارات أو إعلان الحداد، بل جرس إنذار يوقظ من بقي لديه ذرة مسؤولية. يجب أن تكون هذه الفاجعة نقطة تحول في العملية السياسية العراقية، تُستبدل فيها المحاصصة بالشفافية، والمصالح الشخصية بالضمير، والطمع بالقناعة.
وإلا، فالنار لن تتوقف… والمآسي ستتكرّر.