27 ديسمبر، 2024 3:14 ص

عندما تتوانى القيادة الدينية (المرجعية العليا!) عن وظيفتها !

عندما تتوانى القيادة الدينية (المرجعية العليا!) عن وظيفتها !

في الرواية انه سئل الامام الكاظم (عليه السلام) : (هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون اليه؟
فقال (عليه السلام): لا)..
وهذا يبرر لنا ان نجترح اسئلة مهمة في الواقع الاسلامي.. وما يخص المرجعية الدينية..
وهي اسئلة تثير الوعي وتدعو لنقاش موضوعي يكشف الكثير من الحقائق المستورة تحت ركام الواقع..
اننا عندما نسأل عن معنى كلمة مرجع ديني.. يأتي الجواب: بأنه يمثل القيادة الاسلامية في زمن الغيبة، من حيث استنباطه للاحكام الشرعية، ومن حيث تقديمه للحلول الاسلامية لكل مشاكل الحياة.. ومن حيث انه مرجع ومركز لكل ما يتصل (بالحوادث الواقعة) التي تنص عليها الرواية : (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا)..
ونلاحظ في التاريخ ان هناك سيلاً من المراجع الذين قدموا تاريخاً جهادياً في التضحية، وفي المواجهة، وفي قيادة الثورات..
ولا نطيل الامعان في التاريخ الشيعي لنلاحظ نماذج معطاءة من قبيل (الشيخ محمد كاظم الخراساني وقيادته لثورة المشروطة..
او الميرزا محمد حسن الشيرازي في ثورة التنباك..
او السيد ابو الحسن الاصفهاني ومواقفه التي اودت به الى ان ينفى..
او الشهيدان العامليان الاول والثاني..
او الشهيد محمد باقر الصدر..
او الشهيد صادق الصدر..
او السيد الخميني ..
او السيد فضل الله..
او الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء..
او السيد محسن الحكيم..
او غيرهم!!
كنماذج تسيدت الموقع المرجعي ..
ان الموقع المرجعي يتعاطى مع خط الاسلام كله.. بحيث انه ينفتح على كل الواقع المعاصر .. ويعيش الاسلام كتحدي امام كل الجهات التي تحاول ان تصيد المسلمين بتغيير ثقافتهم او تدجين حماستهم او استغلال حركتهم!!
وفي المقابل فإن المرجع عليه ان يعي كل الواقع حوله، وان يدير دفة الحالة الاسلامية باتجاه الكمال والاهداف المنشودة.
وهذا الواقع الممتلئ بالتغيرات وما يطرأ على عنصري الزمان والمكان والاحداث وتشابك القوى العالمية والاقتصاد والسياسة والافكار والنمو السكاني و… الخ!!
فإن هذا الواقع يحتاج الى اجتهاد بحجمه وصيرورة فقهية لمشكلاته..
بحيث ينطلق المرجع لتغطية كل الساحة بافكارها وملابساتها وما تنطوي عليه..
وفي كلمة ملفتة للسيد الخميني يتحدث فيها عن معايير مهمة في القيادة المرجعية، حيث يقول: ((ان الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات غير كاف، بل ان شخصاً اذا كان الاعلم في العلوم الحوزوية المتداولة، ولكنه لا يستطيع تشخيص مصلحة المجتمع أو تمييز الاشخاص الصالحين والنافعين من سواهم أو بصورة عامة يفتقد الى البصيرة الكافية والحزم في المجالات السياسية والاجتماعية، فإن هذا الشخص غير مجتهد في المسائل الاجتماعية والسياسية))…. المصدر: صحيفة النور:ج٢١ ص٤٧.
واليوم ونحن نطالع حركة المرجعية نراها قد تقوقعت بالشكل الذي صارت الالقاب والانتفاخات المصطلحية تحيط بها من كل جهة..
وبدون ان نعيش شيئاً يذكر من الوعي الذي تقدمه.. او الفكر الذي تنشره..
او رؤيتها من تجددات العصر..
او اجابتها عن ما يغوص به الواقع الاسلامي والافكار الاسلامية من شبهات..
او مشروعها الاخلاقي الناهض..
او فكرتها من السياسة والواقع السياسي..
لا نجد لها في الواقع غير ما يستدر به الموقع المرجعي .. فلم نجد غير الرسالة العملية !!
ويعرض الموقع الرسمي عدداً من الكتب له يبلغ عددها (٣٧) كتاباً.. وفي الواقع لم نجد غير ثلاثة كتب فقط!!
والغريب: ان اغلب المقلدين عندما تسألهم عن المعايير التي دفعتهم باتجاه الرجوع اليها.. لا يجيبون!!
او حتى عندما نسألهم عن اسم الاب للسيد فلان دام ظله..
يجيبك بقوله: لا اعلم!!
ان المشكلة التي تنتابنا اليوم هي في ضيق الافق الذي ينتاب بعض المرجعيات.. فهي تميل الى السكون والدعة..
فالمرجعية ليست مجرد فتيا، او الجواب بكلمة (يجوز ولا يجوز).. بقدر ما هي تمثل انفتاح الاجتهاد الاسلامي على عنصر الزمن.. وتأصيل خطاب متزن يستوعب الحياة كلها .. وبكل ما يتصل بها..
بينما نلاحظ ان المرجعية بعد عشر سنوات من الزيارة الاربعينية المليونية تتحرك بشيء محدود تجاه بعض النصائح المكتوبة!!
الى الآن لا يعرف ملايين الناس موقفها من عشرات المسائل..
بحيث اضطر الشيخ (فلان) وهو ممثل السيد الخامنئي (دام ظله) ان يعلن موقف المرجع (الاعلى) في النجف من التطبير!!
وللامانة التاريخية فإن المرجعية لم تؤبن اي من المراجع الآخرين الذين توفوا!!
السيد الصدر الثاني..
السيد فضل الله..
الشيخ الغروي..
الشيخ البروجردي..
بينما نطالع بيانات التعازي للبابا يوحنا بولس الثاني!!
والتعازي للأمين العام للامم المتحدة!!
وفي المقابل من ذلك : يتحدث البعض عن حال السيد الخميني (قده) بعد رحيل السيد الحكيم (قده) فيقول: ((قلت: أليست الليلة عيد الغدير؟ إني لا اراكم تضيئون سراجاً في غرفتكم؟ قال الامام (الخميني): الا تعلم من فقدنا؟ إننا فقدنا الحكيم، ألا يجدر بنا أن نراعي حرمة هذه الشخصية لسنة على الأقل؟ هل يجوز لنا ان تكون لدينا افراح بعد رحيل السيد الحكيم؟))….. انظر: السيد عباس الصالحي: الامام الخميني والمرجعية.
الى الآن لا يملك احداً تسجيلاً لصوته!! ولا تصويراً فديوياً يقول فيه اي كلمة!!
لا اتذكر يوماً ان احد معتمديها قدم شيئاً معتداً به كحل سياسي او مناقشة للواقع، او حلولاً تنطلق من تحديد المسؤول عن الاخطاء في الواقع!!
بحيث ان الامة تواجه اكثر المشاكل السياسية او الامنية ايلاماً، ويكتفي صاحبنا بأن ينادي بصوته: ينبغي حل المشكلة!! ينبغي ان تحل الامور!!
هكذا الامور تطلق على عواهنها وبدون اي استيعاب، او مناقشة، او اشارة حازمة!!
بل نجد العكس: حيث الموقف الاخير من قانوني الاحوال والقضاء الجعفريين ..
القانونان يصححان الموقف الشرعي لملايين الشيعة في العراق، حينما انطلقت المرجعية (العليا) لرفضه بحجة المادة ٢٤٦ التي تنص على ان للفرد الشيعي ان يحاكم المسيحي او الاقليات الاخرى وفقاً لهذا القانون!
او ان المرجعية لا تلتقي بحامل القانون لأنه سياسي! والمرجعية لا تلتقي بالسياسيين!!
في الوقت الذي التقت فيه المرجعية بوزير الخارجية التركي..
وتركيا احدى الدول الرئيسية الداعمة للارهاب في العراق.. 
وعندما طالب البعض مستفهمين وناصحين بأن المرجعية في (البراگ) كان لها دوراً في تعطيل اقرار القانون او رفضه، قام البعض بالتهجم والانتقاص ..
مع ان اصل النصيحة مطلوب، ولا عيب على المرجعية ان يطالبها الناس بحق يرونه قد ضيع او آل الى الضياع.. وامير المؤمنين ع كان يقول ايها الناس حقي عليكم النصيحة في السر والعلانية!
فلماذا اذاً يصير السؤال واثارة المناقشة والنصيحة تهجماً واستفزازاً وطعناً في الخاصرة!
لماذا نكمم الافواه بدل الاجابة عن اثارات الناس لمعرفة مواقف مرجعياتها؟!
والواقع الذي حصل ان الوزراء الكرد وعدد من وزراء اهل السنة ووزراء الكتلة الصدرية ووزراء عدد من دولة القانون وغيرهم (حتى وزير مسيحي) كلهم كانوا مع اقراره، لولا الزوبعة التي اثارها البعض المتذرع بموقف المرجعية (العليا)!!!!..
مما ادى الى تزلزل مواقف الآخرين (الكرد والسنة) وانقسام الوزراء الشيعة، والنتيجة ان هذه الفرصة الذهبية لتطبيق الشريعة ذهبت سدى للاسف..
ثم لماذا لا تجيب مكاتب الدين والمعتمدين والوكلاء عن تبريرهم لموقف الرفض!
ولماذا هذا الاختفاء، الم يكن من الاجدر النقاش في الامور من دخالة العقل والحكمة والتعرف على الآخرين في مواقفهم، بدلاً من التراشق عن بعد، واثارة  الامور بهذه الطريقة..
ثم اذا كان فقه اهل البيت ع يمس الاخرين ولا يتعاطى مع حقوقهم (وفق المادة ٢٤٦) كما تتفضل بطرحه، اذن لنترك فقه اهل البيت ع ونجامل الاقليات؟! ونرمي بالاسلام بعيداً لأنه يمس الآخرين؟!