23 ديسمبر، 2024 3:53 م

عندما تتغلب السياسة على الدين والقومية

عندما تتغلب السياسة على الدين والقومية

رغم أن السياسة كعلم وممارسة حديثة قياسا بالقومية والدين إلا إنها تكاد تكون قد تجاوزت الأثنين معا  وتسطحت فوقهما , ربما لأنها أحد أجزاء العملية التفاعلية الإجتماعية للفرد وربما لأنها وليدة العاطفة الآنية “على الأقل” في بداية تأسسها عند الإنسان وبالتالي تكون هي طريقته في الحياة .
في العام 1959 كان العراق في بداية عهده الجمهوري وكان للحزب الشيوعي قواعد أججها التحول السياسي للبلد  , وذات يوم لعب الفريق العراقي لكرة القدم مبارات مع إحدى فرق الإتحاد السوفيتي ,كانت المقهى مليئة بالمستمعين واللعبة تنقل على الهواء  فسجل  أحد اللاعبين السوفيت هدفا ضد الفريق العراق وسرعان ما صفق الشيوعيون وأخذتهم الفرحة . يومها حصلت في مدينتنا معركة بالأيدي سببت شرخا في العلاقة الإجتماعية التي كانت أم التلاحم والتوادد بين المواطنين بل وسببت ردود فعل سلبية  للتنظيم الشيوعي وخلق توجهات سياسية مناوئة  له .
ضمن أخبار الأمس لفت إنتباهي خبران متعاكسان الأول : توجه ثلاثة شباب  أمريكان من ولاية ويسكونس إلى مدينة عين العرب دفاعا عن مواطنيها من هجمات تنظيمات داعش , يقول أحدهم وأسمه  جوردان ماتسون : جئنا لنقف إلى جنب السكان الأبرياء الذين تتعرض داعش الإرهابية لوجودهم وحياتهم .
ورغم أن هذا يشكل نسبة ضئيلة لما يقوم به متطرفون من أمريكا وأوربا للتطوع مع داعش لكنه يعطي مؤشرا بأن هناك من يجدون في تنظيم داعش خطرا وبالتالي إنطلاقا من شعورهم  يأتون متطوعين دفاعا عن الإنسانية ضد داعش وغيرها من منظمات ظلامية .
والخبر الثاني أيضا ضمن دائرة الحرب في عين العرب حيث يقود الهجمات من الجانب الغربي للمدينة المدعو أبو خطاب , كردي عراقي من حلبجة ترك مدن إقليم كردستان تحت هجمات داعش وظلمها  وفيها أهله وأبناء جلدته وقوميته وجاء متطوعا لدخول عين العرب مع داعش ولم يكتف بذلك بل كان يحشد الشباب من أبناء القرى لهذه المهمة . ناسيا أن داعش تذبح أبناء قوميته ودينه بلا رحمة , لكنه ينتصر لسياستها بغض النظر عن كل التزاماته الخلقية .
هنا إنتصرت السياسة على الدين وكذلك على القومية , ولعل سائل يقول وما إلعلاقة السياسة بين الشبا ب الأمريكان وعين العرب ؟.  إنها إنسانية السياسة .  لأن السياسة كعلم إجتماعي  تعني كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات مع الأفراد , وبعبارة أخرى هي وحسب رأي الفيلسوف الألماني  فريدريش نيتشه : أن كل واحد منا يملك في ذاته الحاجة الطبيعية للنزعة الإنسانية , فالذي قاد الشباب الثلاثة هي نزعتهم الإنسانية لأن يكونوا بإزاء الإنسانية التي تدمر من ألا إنسانين . وكما يسميها فقهاء علم السياسة : وحسب رأي الدكتور  حسن صعب صاحب كتاب
 علم السياسة : هي وعي بمعرفة الهوية الإجتماعية – السياسية ودور الفرد في الحياة , وهو قريب من الفهم الماركسي للموضوع .
ومن يتصور أن داعش توجه ديني تجاوز السياسة  فهوعلى  خطأ , فداعش هي واحدة من منظمات عديدة إتخذت من الدين غطاء لحربها السياسية ليس لتصويب الدين وإنما لخلق دين سياسي يمزق وحدة المسلمين  , بل لو كانت منظمة دينية حقيقية لعملت من أجل تطوير العمل الإسلامي ومد يد العون لملايين المعذبين في كل العالم مسلمين وغير مسلمين لأن الدين عند الله العمل  وليس تكفير الآخر.