23 ديسمبر، 2024 5:27 ص

عنجهية واستبداد امريكا لن يطول بعد وداخليا ستنهار !؟!

عنجهية واستبداد امريكا لن يطول بعد وداخليا ستنهار !؟!

في وقت ما من العامين الماضيين قضت الهيمنة الأمريكية نحو ثلاثة عقود تميّزت بمحطتين كل منهما شكلت نوعاً من الانهيار. ولدت الهيمنة مع انهيار حائط برلين وكانت بداية النهاية مع غزو العراق ليتواصل الانهيار البطيء منذ ذلك الحين, لكن السؤال عمّا إذا كان هذا الوضع غير العادي للولايات المتحدة ناتجاً عن أسباب خارجية أم أن واشنطن قامت بتسريع زوالها خلال سلوكها السيء؟ هذا هو السؤال الذي سوف يناقشه المؤرخون في السنوات المقبلة ولكن في هذه المرحلة، لدينا ما يكفي من الوقت والمنظور لتقديم بعض الملاحظات الأولية . كما هو الحال مع معظم الوفيات فقد ساهمت عوامل عدّة في موت الهيمنة الأمريكية. صحيح أنه كانت هناك قوى هيكلية عميقة في النظام الدولي عملت بلا هوادة ضد أي دولة راكمت الكثير من القوة لكن مع ذلك يُصاب المرء في الحالة الأمريكية بالذهول لطريقة تعامل واشنطن مع هيمنتها في العالم واستغلال قوتها وفقدان حلفائها وتقوية أعدائها. وصولاً إلى الآن في ظلّ إدارة “ترامب” حيث يبدو أن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بل إيمانها بالأفكار والأهداف التي حفّزت حضورها الدولي لمدة ثلاثة أرباع القرن. لقد أراد صانعو السياسة في الولايات المتحدة تغيير العالم في التسعينيات ولكن بثمن بخس. لم يكن لديهم رأس المال السياسي أو الموارد اللازمة للإقدام على ذلك وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت واشنطن تنصح حلفاءها دائماً بعلاج الصدمات الاقتصادي والديمقراطية الفورية والقيود التي وضعتها الولايات المتحدة لنفسها من أجل عدم دفع الأثمان لم تجعلها تغيّر خطابها وأن نتيجة السياسة الخارجية الأمريكية كانت “الهيمنة الجوفاء” التي استمرت منذ ذلك الحين وأن إدارة “ترامب” قامت بتفكيك السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو أكبر، وما يحرّك “ترامب” هي غرائز على الطريقة الجاكسونية (نسبة للرئيس اندرو جاسكون) فهو غير مهتم إلى حد كبير في العالم إلا بقدر ما يعتقد أن معظم البلدان تغضب الولايات المتحدة وهو قومي وشعبوي مُصمم على وضع “أمريكا أولاً” لكن ما فعله أكثر من أي شيء آخر هو الانسحاب من الساحة وفي ظلّ إدارته انسحبت الولايات المتحدة من شراكة عبر المحيط الهادئ ومن التعامل مع آسيا بشكل عام. وها هي تنفصل عن الشراكة مع أوروبا والتي دامت لـ70 عاماً.. وتعاملت مع أمريكا اللاتينية من خلال منظور يقوم إما على إبعاد المهاجرين أو الفوز بأصواتهم في فلوريدا ولقد نجح في جعل الكنديين ينفرون، ومنح عقد سياسة الشرق الأوسط لـ”إسرائيل” والمملكة السعودية ومع استثناءات قليلة متهورة – مثل الرغبة النرجسية في الفوز بجائزة نوبل من خلال محاولة صنع السلام مع كوريا الشمالية – فإن أبرز ما يميّز السياسة الخارجية لـ”ترامب” هو غيابهـا.

«كيف أضاعت واشنطن لحظة القطب الأوحد». والحقيقة أنه ليس من الصعب تخيل ما جاء فى المقال ليس فقط لأن ما جاء فيه ورد فى عدد من المقالات والكتب السابقة للمؤلف؛ وإنما لأن فكرة تراجع القوة الأمريكية كانت واردة منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى وساعتها كان السؤال عما إذا كان انهيار القوى العظمى واردا فلماذا ينطبق ذلك على القطب السوفيتى ولا ينطبق على القطب الأمريكى؟ وكما حدث مع القطب الأول حينما بدأت الشروخ تتوالى فى جسده، فكان أنصاره من الماركسيين والشيوعيين يجزمون بأن الانهيار ليس واردا- وكان ذلك فى زمن جورباتشوف- وأن الإصلاح سوف يأتى لا ريب فيه، وفى الوقت المناسب أيضا. بداية القصة جاءت مماثلة فيما يتعلق بأمريكا، حيث كانت الحرية والديمقراطية والرأسمالية مبشرة بقيادة العالم بالعلم والتكنولوجيا والأفكار حتى «نهاية التاريخ»…

كيف دمرت أمريكا نفسها وهى التى خرجت من الحرب العالمية الثانية قائدة للعالم، وهى أولى الدول التى امتلكت القنبلة الذرية واستخدمتها، وهى أول من وصل إلى القمر، وعندما انهار الاتحاد السوفيتى باتت القوة العظمى الوحيدة فى العالم. الأسباب التى أتى بها «فريد زكريا» متوقعة، ففى الوقت الذى وصلت فيه أمريكا إلى القمة خلال التسعينيات من القرن الماضى كانت هى ذات اللحظة التى ظهرت فيها الصين كقوة عظمى محتملة. لم تكن لا الشيوعية ولا الديكتاتورية ولا الحزب الواحد عائقًا أمام تحقيق أعلى معدلات النمو التى عرفتها البشرية فى تاريخها. وحينما بدا أن الدنيا قد استقرت لواشنطن فى قيادة العالم وليس فقط حلف الأطلنطى بما راحت تقوم به لإعادة ترتيب الأوضاع فى أوروبا بتوحيد ألمانيا، وتوسيع الاتحاد الأوروبى، والتدخل العسكرى لتفتيت يوغوسلافيا، وتوسيع حلف الأطلنطى لكى يصل إلى الحدود الروسية؛ فإن لحظة القمة ربما كانت لحظة التراجع وفقدان لحظة «القطب الأوحد». جرى ذلك فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ حينما جرى تدمير برجى مركز التجارة العالمى فى مشهد مروع ورهيب فتح الباب لحرب ضد الإرهاب لا تزال معنا حتى الآن. كان رد فعل جماعة «المحافظون» الجدد الحاكمين لأمريكا فى مطلع الألفية بقيادة جورج بوش الابن أن القيادة الأمريكية لم تكن حازمة بما يكفى فكانت الحرب فى أفغانستان، وعندما لم تكن الأهداف هناك كافية للقوة الأمريكية، فكان غزو العراق. ذهب المحافظون الجدد، وذهب جورج بوش، ولا تزال الولايات المتحدة لا تعرف ماذا تفعل مع العراق، أو أفغانستان، وهل تستمر فى الحرب ضد الإرهاب أم تغلق الأبواب على ذاتها، فلا يأتيها إرهابى ولا مهاجر. ولم يمض وقت طويل على أية حال حتى عادت روسيا مرة أخرى تحت القيادة الحازمة لفلادمير بوتين الذى سرعان ما خلص روسيا من فوضاها، وبعدها كان السعى لاستعادة الهيبة مرة أخرى، فكان التدخل العسكرى فى حورجيا، ثم ضم شبه جزيرة القرم، وضغط على أوكرانيا حتى بات مستحيلا انضمامها إلى حلف الأطلنطى، وحينما حل التدخل الروسى فى سوريا باتت موسكو تمسك بمفاتيح الحديث والترتيب مع تركيا وإيران وإسرائيل؛ وحتى باتت لديها القدرة للتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠١٦!

ولكن الصين والإرهاب وروسيا لم تكن أكثر العوامل خطورة فى تقويض القوة الأمريكية وحرمان الولايات المتحدة من إمبراطوريتها الدولية الواسعة حتى باتت أقصر الإمبراطوريات عمرا فى التاريخ؛ وما كان أكثر خطورة كان تولى «دونالد ترامب» الإدارة الأمريكية فانتهى الأمر بالدولة الأمريكية للتراجع وراء حدودها بالحماية الجمركية، وبالأسوار، وبالحاجز النفسى بين الشعب الأمريكى وبقية العالم. أصبحت أمريكا فى حالة حرب باردة مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى وأنواع مختلفة من التوتر مع اليابان ودول الخليج العربية وكوريا الجنوبية وحتى كندا وأستراليا.

الثابت على أية حال أن الإمبراطوريات الكبرى لا تنهار بسبب غزو من الخارج، أو حتى فشل خارجى مروع، وإنما حينما يكون التآكل داخليا، فلم يكن ترامب ظاهرة أتت من خلف الغمام، وإنما كان ظاهرة نبتت وازدهرت كما حدث لمثيلاتها فى كثير من البلدان الغربية. ترامب كان جزءا من موجة كبيرة عادت أصولها إلى اللحظة التى سميت فيها أمريكا «القطب الواحد». وهنا فإن «فريد زكريا» لا يذهب بعيدا إلى ما بات شائعا الآن باسم «أزمة الديمقراطية» التى أشار لها الزميل والصديق د. محمد كمال فى مقال له فى «المصرى اليوم»، وكذلك الزميل الأستاذ عبد الله عبد السلام فى «الأهرام»، والتى باتت الآن ظاهرة فى الكثير من الدوريات والكتب الغربية. فالحقيقة أن كاتبين مثل «فريد زكريا» و«توماس فريدمان»، على قدر علمهما، يتحملان جزءا من المسؤولية فى توفير الاندفاع الفكرى والأخلاقى لإمكانيات تغيير العالم وقلبه رأسا على عقب. ولكن الواقع فى العالم كان مختلفا، والدول والأمم لها طرقها فى التغيير، بما فيها حتى الولايات المتحدة التى لم تعد تتحمل المزيد من الحرية والليبرالية التى كان عليها مواجهة تقاليد وأعراف وأخلاقيات جماعية لم تقبل البعثرة ولا الانتقاص. وفى الوقت الراهن بات العالم ثلاثى الأقطاب، وبينما يجرى الزلزال فى قطب منها انتظارا للانتخابات القادمة فى ٢٠٢٠، فإن الصين تنظر بركن عينيها إلى «هونج كونج» المختلفة فى حالها التظاهرى عن الحالة القديمة فى «ميدان السلام السماوى». روسيا هى الأخرى يجرى لها الكثير ليس فى سوريا أو أوكرانيا وإنما فى موسكو. وعلى هامش القوى الثلاث فإن اليابان بدأت خلافا مع كوريا الجنوبية أما الاتحاد الأوروبى فإنه يواجه «البريكسيت» ليس كخروج بريطانى من الاتحاد، وإنما كإشارة إلى مصير الاتحاد نفسه. هل يكون العالم أفضل حالًا بدون القوى العظمى، أو وهى مجروحة ومضطربة، أم أن ذلك سوف يكون إيذانًا بيوم القيامة؟!

أزعم أنّه ليس ثمة مراقب أو محلل سياسي يزعم القدرة على التنبؤ بسير الأحداث
العامل المشترك والرئيس في هذا المشهد اليوم هو أمريكا! هل ستدخل في حرب مع إيران، خاصة بعد تفجير ناقلات النفط في خليج عُمان (13 حزيران /يونيو 2019)؟ وهل ستعلن عن صفقة القرن؟ ومتى؟ وهل ستنجح في حربها التجارية مع الصين؟مثلما نمت الهيمنة الأمريكية مع بداية التسعينيات بدأت القوى العالمية بالحدّ من هذه الهيمنة وكيف ستفعل ذلك كلّه وهناك الكثير من القضايا الكبرى و لتفصيلات الأخرى التي تدور في فلك الهيمنة الأمريكية التي بات الكثير من المحللين والمراقبين يرى أنّها في طريقها المتعرج نحو النهاية أو التدمير الذاتي؟
بداية؛ إنّ عنوان هذا المقال “التدمير الذاتي للقوة الأمريكية”، المكثف والعميق والصادم، والذي يبدو محمّلاً بالثقة والقطعية، لم آتِ به من عندي؛ حتى لا أتَّهم جزافاً بمعادة الهيمنة الأمريكية والأمركة العالمية والنقطة الرئيسة موضوع “الهيمنة الأمريكية”، ويعني بأنّ موت هذه الهيمنّة كان نتيجة “لعدوى داخلية نتيجة سلوك وعادات واشنطن السيئة . كتحديدٍ زماني لنهاية أو “موت” حقبة الهيمنة الأمريكية، يجازف زكريا بالقول: إنّها بدأت خلال العامين الماضيين تقريباً؛ حيث إنّ عمر السيطرة الأمريكية كان قصيراً جداً؛ حيث استمر مدة ثلاثة عقود من الزمن فقط، متميزاً بلحظتين فارقتين في نوعهما؛ الأولى ولدت بالتزامن مع انهيار جدار برلين، العام 1989، والثانية كانت حرب العراق، العام 2003، والتي كانت بداية النهاية البطيئة للهيمنة الأمريكية ولكنّ السؤال الذي يجب على المؤرخين السياسيين والمحللين الإجابة عنه خلال الأعوام القادمة، هو: هل كانت نهاية هذه الهيمنة نتيجة عوامل خارجية أم داخلية سرّعت بها واشنطن نتيجة سلوكها وعاداتها السيئة؟ بالطبع؛ إنّه في مثل هذه الحالات هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في هذه النهاية، وجلّها متعلق في العمق بهيكلية “النظام الدولي”، التي تعاند أيّة أمة تراكم كمّاً هائلاً من القوة بشكل منفرد مثل الإمبراطورية الأمريكية.
في المثال الأمريكي الذي يعدّ مختبر تجارب عالمياً اليوم لتحليل النظام الدولي وسلوك الدول، تبدو واشنطن، كأنّها أساءت استخدام هيمنتها وقوتها وخسرت أصدقاءها، في الوقت نفسه الذي تساهلت فيه مع أعدائها، وجعلتهم يتجرؤون عليها واليوم؛ في ظلّ وجود دونالد ترامب، فإنّ أمريكا فقدت مصالحها وإيمانها بالأفكار والأهداف التي صبغت شكل وجودها الدولي خلال ثلاثة أرباع القرن وهناك شبه إجماع بين المؤرخين والمحللين السياسيين، الغربيين طبعاً، على أنّ الهيمنة الأمريكية، بعد حقبة الحرب الباردة، لم يكن لها مثيل في التاريخ منذ الإمبراطورية الرومانية ولكنّ الظروف تختلف؛ فحقبة الحرب العالمية الثانية، بالتأكيد، تختلف عن حقبة ما بعد انهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفييتي، بعد العام 1989، وهي الحقبة التي يحتفل بها الكثير من المحللين، خاصة الصحفيين، مثل توماس فريدمان، كعلامة تاريخية لبداية انطلاقة العولمة المعاصرة والاهم والمهم؛ أنّه في حقبة ما بعد 1989 بدأ يظهر إلى السطح لاعبون جدد، مثل: اليابان، ألمانيا، والصين، وفي العام 1990، كانت مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة، تجادل بأنّ العالم يقسم إلى ثلاثة أطياف سياسة، يسيطر عليه: الدولار الأمريكي، والين الياباني، والمارك الألماني، وفي العام 1994؛ تنبأ هنري كسينجر، في كتابه “الدبلوماسية”، ببزوغ فجر عصر “متعدد الأقطاب” السياسية …يبدو أنّه، مثلما نمت الهيمنة الأمريكية مع بداية التسعينيات على غفلة من العالم، كذلك مع نهاية التسعينيات، بدأت القوى العالمية بالحدّ من هذه الهيمنة، رغم الحديث الشعبي عن أنّها أمة لا تقهر، وأنّها القوة العظمى الوحيدة في العالم واليوم، ورغم كافة الادعاءات بانكفاء وانحسار القوة الأمريكية، إلا أنّها ما تزال، حتى الآن، القوة المهيمنة على العالم، ولا أعتقد بأنّ هناك معنى لمفهوم “النظام الدولي”، حتى كوحدة تحليل، دون أمريكا، مع الإقرار بأنّ هناك منافسة شديدة من قبل بعض الدول في العالم للحدّ من هذه الهيمنة والسؤال: ما هي العوامل والقوى العالمية التي أخذت تنافس الهيمنة الأمريكية؟

أولاً: الصين، التي أصبحت المنافس الحقيقي للهيمنة الأمريكية، والتي بدأت عملية من التطور والنمو الاقتصادي المستمر منذ العام 1980، ومزجت بطريقة غريبة وهجينة (فرانكشتاينية) بين الرأسمالية المتوحشة، والماركسية اللينينية.
ثانياً: روسيا، التي بدأت مع حقبة فلاديمير بوتين تستعيد قواتها ومناكفتها لأمريكا، وتسعى للسيطرة على الفضاء الأوراسي، وفكرة الأوراسية على نطاق عالمي هي العالمية الثورية، التي يدعو الأوراسيون الجدد، وعلى رأسهم ألكساندر دوغين (Alexander Dugin)، المنظّر الروسي المُقرَّب من فلاديمير بوتين، إلى أن تكون منصّة جديدة للتفاهم المتبادل والتعاون من أجل تكتل كبير من مختلف القوى: الدول والأمم والثقافات، والأديان التي ترفض ما يطلق عليه دوغين النسخة الأطلسية من العولمة وبوجود الصين وروسيا، بدأ العالم يدخل “ما بعد” المرحلة الأمريكية.

ثالثاً: ساهمت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وظهور الإرهاب الإسلاموي، في الحدّ من هذه الهيمنة، طبعاً هذا اعتراف خطير من قبل زكريا؛ حيث إنّه أعاد موضعة القوة والمصادر في واشنطن، خاصة في مجال الحرب على الإرهاب وزيادة موازنة الدفاع لغزو أفغانستان، ثم احتلال العراق الذي كان نقطة تحول في تاريخ سلوك وأخلاقيات السياسة الخارجية الأمريكية، التي تمّت إدانتها ومعارضتها من معظم دول العالم، حتى من حلفاء أمريكا نفسها فمع انسحاب القوات الأمريكية من العراق، بتاريخ 18 كانون الأول (ديسمبر) 2011، وتسليم كافة المسؤوليات إلى السلطات العراقية، بعد قرابة تسعة أعوام من الاحتلال التي خسرت خلالها أمريكا 4474 قتيلاً، و33 ألف جريح، بحسب الأرقام الرسمية، وأنفقت حوالي تريليون دولار، وبقي السؤال معلقاً: هل حققت عملية الاحتلال أيّة أهداف، أم كانت عملية خاسرة؟

إذا أخذنا برأي الخبير العسكري الأمريكي المعروف بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن؛ أنتوني كوردسمان، فإنّ الانتصارات التكتيكية التي قادتها القوات الأمريكية لم تتمخض إلا عن تقليص عدد الحوادث الأمنية، وبالتالي تخفيض مستوى الصراع الذي نتج من الإخفاقات الأمريكية في أعوام الغزو الأولى، إلا أنّ “الولايات المتحدة خسرت تلك الحرب إستراتيجياً”.
من جهته، أكّد أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ بجامعة بوسطن؛ أندرو باكيفتش، أنّ التراث الكارثي للحرب الأمريكية في العراق يتخطى الخسائر المالية والخسائر في الأرواح؛ حيث إنّه أظهر للعالم افتقار القيادة السياسية الأمريكية القدرة على ضبط النفس ونزوعها إلى استخدام القوة كأداة في السياسة الدولية!!!إذاً؛ ما هي العوامل التي أدت إلى تفتيت الهيمنة الأمريكية؛ هل هو بروز التحديات الجديدة، وهي كثيرة جداً، أم التوسع الإمبريالي المكلف إستراتيجياً، كما في احتلال العراق وغزو أفغانستان؟ وكما في أيّة ظاهرة تاريخية كبيرة ومعقدة؛ فإنّ “السببين معاً: التحديات الجديدة والتوسع الإمبريالي، يقفان وراء تفتت الهيمنة الأمريكية، وإنّ أمريكا، بقيادة ترامب وسياسته الأحادية والشعبوية والحمائية والانسحاب من المعاهدات الدولية، تجازف حالياً بفقدان دورها كقائد للعالم الحرّ