23 ديسمبر، 2024 10:03 ص

تتموضع الأحاديث القيمية بفكرة جوهرية تتضمن بعداً رئيسا في مفاهيم الحق ،  و هي تلك الفكرة التي تشير إلى المعاناة التي تعيشها الحقيقة في العالم البشري ، و تتكرس هذه الفكرة بتعبيرات و جوانب مختلفة ، نجدها في التراث الروحي الأنساني ، و من هذا التراث هي مجموعة الايات القرأنية و الأحاديث النبوية الكريمة و كلمات الحكماء التي تؤكد ، على مدى معاناة أفكار الحق ، من قبيل قوله تعالى : ( و أكثرهم للحق كارهون ) و كذلك تلك الأحاديث إلى تشير الى أن أصحاب رسالة الحق يتعرضون إلى الأذى و المتاعب ، و منها قول ورد عن أحد الصالحين مفاده : ( إن مثل المؤمن كمثل كفتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ) ، لا يسعى هذا المقال لتركيز فكره بإساسات دينية أو عقائدية ، بل من أجل الأشارة إلى عمق الفكرة التي نريد أن نتحدث عنها ، و إلَّا مصاديق و أمثلة هذه الفكرة في المنظومات الفلسفية الاخلاقية و المعرفية لا حصر لها ، هذه الفكرة إستحضرتني و أنا أحضر جلسة أخرى للمحكمة الاتحاديا العليا بخصوص قضية شرعية جلستي مجلس النواب المنعقدتين في الرابع عشر و السادس و العشرين من شهر نيسان الماضي ، و لا أخفي القارىء إنني و لإكثر من مرة شعرت بالامتعاض من حجم الجدل و التجاذبات بين أطراف الدعوى ، فضلا عن تشظي وكلاء هذين الطرفين في مساحات سياسية خلافية ، على الرغم من وجودهم في قاعة محكمة ، إلا أن الأمر لم يقتصر على ذلك ؛ فقدرة المحكمة على التعاطي و مسايرة هذا الواقع بشكل سلس ، ليس لي تعليق عليه إلا أنه مثير للانتباه
 ـــ كيف يمكن تحمل كل حيثيات الخلاف السياسي من قبل هيئة المحكمة ؟
ـــ و كيف لهذه المحكمة أن تتعاطى بهذا الاسلوب المرن و الهادىء مع هذا الكم الخلافات الكبيرة و الصغيرة التي قد تبلغ حد السذاجة ؟
لم أبقى بإستثارتي هذه ، حتى جاء الرد من رئيس المحكمة قائلا : إن هذه المحكمة و على الرغم من تخصصها الدستوري ، و التي لا تعقد إلا بين أشهر متعددة كما يحصل في كل بلدان العالم ، تتعاطى الى درجة عقد جلسة اسبوعية حوالي ، فقط من أجل أن تحسم هذه القضية بما يحقق المصلحة الوطنية ، و إنها من أجل ذلك تتيح للأطراف أوسع حرية فقط من أجل إدراك الهدف الاسمى في العمل القضائي و هو ( العدالة ) ، و يمكن لكل متابع لجلسات المحكمة الاتحادية أن يجد مصاديق لهذه الفكرة في الكثير من فعالياتها و نشاطاتها .