لا تكاد تفتح الرسالة العملية لأي فقيه شيعي حتى تواجه بصدمة رهيبة في المسالة الثانية من كتاب الاجتهاد والتقليد وتقريبا بنفس الترتيب لجميع الفقهاء حيث تقرأ هذه المسألة ((م_2 عمل العامي بلا تقليد باطل لا يجوز له الاجتزاء به الا ان يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل مع حصول نية القربى منه في ما كان العمل عباديا)) بينما لم يستخدم القران نفسه هذا الاقصاء والتهميش للانسان ما بينه وبين الله حيث نلاحظ قوله تعالى (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) فالله سبحانه ربط القبول بالايمان والعمل الصالح وفي اكثر من اية كريمة يؤكد ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين)) بُني التقليد بكل تفرعاته على رواية واحدة وهذه الرواية ضعيفة ومرسلة بأجماع فقهاء الشيعة انقل لكم نصها (( فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه )) وهي مروية عن الامام الحسن العسكري , فانّ الرواية ليس لها نصّ أو ظهور في وجوب التقليد، بل ورد فيها (فللعوام أن يقلّدوه)، وهذه العبارة ظاهرة في التخيير وليس في الوجوب، فكيف يعتبر العمل بلا تقليد باطل ! يعلق الحر العاملي احد كبار علماء الشيعة على الرواية قائلا (( التقليد المرخص فيه هنا هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح ,وذلك لا خلاف فيه ..على ان هذا الحديث لا يجوز عند الاصوليين الاعتماد عليه في الاصول ولا في الفروع , لانه خبر واحد مرسل ظني السند والمتن ضعيفا عندهم ,ومعارضه متواتر قطعي السند والدلالة , ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية )) ، يرى السيد الخميني في كتاب الاجتهاد والتقليد ص 97 ((…فالرواية مع ضعفها سندا ,,واغتشاشها متنا , لاتصلح للحجية ..)) بينما يرى المحقق الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد ايضا ص81 ((.ثمّ إنّ التكلّم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتّب عليه ثمرة فقهية، اللّهمّ إلاّ في النذر؛ وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات. نعم ورد في رواية الاحتجاج: (فأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه)، إلاّ أنّها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها(( لاحظوا يرى السيد الخوئي ان هذه الرواية هي للُنذر ولكن لنسأل السيد ذاته لماذا اعتبرتم عمل العامي بلا تقليد باطل بناءا على رواية للنذر وهي مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها كما تقولون فكيف اسستم عليها هذا الاساس الفقهي الضخم والمتشعب ؟,,اما رأي السيد محمد سعيد الحكيم في الرواية فذكر في كتابه (مصباح المنهاج – التقليد – ص13)، قال بعد كلام طويل: ((نعم قد يستفاد العموم من التوقيع الشريف: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأَنا حجّة اللّه عليهم). ومثله ما عن الاحتجاج من قوله (عليه السلام): (فأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه). وما عن أبي الحسن(عليه السلام): (اعتمدوا في دينكم على كلّ مسنّ في حبّنا، كثير القد في أمرنا .مضافاً إلى الإشكال في الجميع بضعف السند، خصوصاً الأخيرين، وعدم وضوح الانجبار بعمل الأصحاب، ومفروغيّتهم عن الحكم؛ لقرب احتمال اعتمادهم على الأدلّة الأُخرى، فلا مجال للتعويل عليها في استفادة العموم)) وان الرواية مذكورة في التفسير المنسوب للامام العسكري ..يعلق السيد الصدر في كتاب تاريخ الغيبة الصغرى ص197حول التفسير المنسوب قائلا ((فكان (عليه السلام) يدرّس الطالب بحسب ما يراه مناسباً مع فهمه، وكان الطالب يتلقّى عنه ويكتب ما يفهمه منه. ومن هنا جاء مستوى التفسير منخفضاً عن مستوى الإمام بكثير. على أن روايته ضعيفة, ولا تصلح للإثبات التاريخي(( فهنا السيد الصدر يرى ان الروايات الورادة في التفسير ومن ضمنها هذه الرواية التي نتحدث عنها لا تصلح للاثبات التاريخي ,, لا اعرف كيف تم بناء عالم الاجتهاد والتقليد بهذا التعقيد الغريب على اساس رواية واحدة غير ثابتة ,,وانا لا ارى مشكلة في بناء هذا العالم لكن المشكلة
تكمن في النص الذي ابتدعه الفقهاء والذي ذكرته في صدر المقال (( عمل العامي بلا تقليد باطل )),,بينما لم يكن عمل المسلم بلا ولاية باطل الا اذا كان يعرفها ويجحدها ويعادي اهل بيت النبي حسب النصوص الواردة والمتواتره في محبة اهل بيت النبي,, ففي اغلب التفاسير واسباب النزول الخاصة بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. )) نلاحظ ان رسالة وجهود النبي محمد ص ” كلها معرضة للضياع ان لم يتم التبليغ بولاية الامام علي ,,ما يهمنا هنا هو ربط موضوع الولاية واهميته بالتقليد وليس الحديث عن الولاية ذاتها فلذاك مبحث وحديث اخر ,,لكن نرى ان الله تعالى نفسه تدخل في ابلاغ النبي بتبليغ الولاية حسب الروايات الشيعية وبعض المصادر السنية ومع ذلك لم يتحدث القران عن منكري الولاية بان اعمالهم باطلة وغير مقبولة وعندما ترجم النبي محمد ص” هذه الاية على الارض وجمع المسلمين في حجة الوداع قائلا لهم بعد حديث طويل ..(( من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )) ولم يخبرهم بان الخارج عن موالاة الامام علي بشقيها (كما فهمها الشيعي بمعنى الخلافة وفهمها السني بمعنى المحبة) لم يخبرهم بان الخارج عنها عمله باطل ,,ولكن دعا الله بمعاداة من يعادي الامام علي ع” وبلا شك فان دعوته مستجابة وهل الإنسان الا علي وهل الحق الا علي وهل العدالة الا علي وهل الانسانية بحقوقها ومفاهيمها ومبادئها بشرقها وغربها قادرة على ان تنجب إنسان كــــ علي بن ابي طالب صوت العدالة الانسانية وضمير الحق ,, نعود لما بدأنا به فلو كان عمل العامي بلا تقليد باطل لماذا لم يتم التحشيد له قرانيا ونبويا ؟ كما حصل مع الولاية ,, طوال قرون وهناك فقهاء اخباريون شيعة لا يرون الاعتماد على العقل والإجماع في استنباط الأحكام الشرعية بل يكتفون بالرواية والقران ثم جاء بعدهم الاصوليون ليضيفوا للرواية والقران العقل والإجماع وهكذا ..ولكن النتاج ذاته صراع مستمر في المدارس والرؤى والتوجهات في داخل الاتجاهات ذاتها فاليوم الصراع ليس على العقل والإجماع والرواية والقران بل على الزعامة والخمس وبناء إمبراطوريات دينية تساهم في تسطيح وعي الامة باستمرار ليسهل قيادتها ولجمها نحو المصلحة العليا للدين التقليدي وليس دين الله . فأصبح التقليد المبني على رواية واحدة ضعيفة عصيا على النقد وخطر احمر واكثر من ذلك بل اصبح نقد ابناء المراجع يسبب مشكلة وهو خط احمر اشد احمرارا من الخط المرسوم للمرجعية وقدسيتها ,, نحن لا ننكر دور بعض المراجع في مواجهة الظلم وتهذيب المجتمع لكننا نعتقد بان هؤلاء قادة وقدوة للمجتمع لكن من غير المعقول ان يكون عمل العوام بدون امضاء الفقهاء باطلا فان الله وضع التقوى كمعيار اساسي لقبول الاعمال وردّها ,, وان الطريق الى الله بعدد انفاس الخلائق وليس بعدد ابناء المراجع ولا المراجع ولا بعدد الاحزاب والتيارات والامبراطوريات الخُمسيه الدينية !