23 ديسمبر، 2024 9:41 ص

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 / ح9 ( الأخيرة )

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 / ح9 ( الأخيرة )

بمناسبة مرور 51 عاما على عملية الهروب الكبيرة والشهيرة للسجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967
سننشر قصة ذلك الهروب على شكل حلقات يومية وبقلم الوالد الفقيد حسين سلطان صبي / أبو علي
الحلقة التاسعة / الأخيرة
ما بعد الهروب
بعد الهروب وصلت الى النجف خلال 30 دقيقة وتوجهت الى أحد بيوت أقاربي ولكني لم أستدل عليه بسبب إجراء بعض التغيرات في واجهة البيت لذلك توجهت الى بيت العائلة الكبير في محلة البراق ، ووجدت ابن عمي وعائلته وانبهرت العائلة كثيرا عند مشاهدتي ، بعدها نبهتهم الى أهمية الوقت ويجب أن نفكر بعائلة من أقاربنا غير معروفة ألتجأ اليها ، وبعد قليل من التداول توصلنا الى أحد الأشخاص وهو ابن عم والدتي ويدعى نعمة جويد ، حيث أخذني ابن عمي الى داره لأني لا أعرف مكان الدار ، وفي الحقيقة استقبلونا استقبالا جيدا وفرحوا ورحبوا بي وبقيت عندهم وكان ابنهم الصغير عبد نعمة هو الحارس وهو الذي يستكشف الوضع ، وخرج في اليوم الثاني صباحا وجاءني بالأخبار عن تطويق مدينة الحلة وعن الحال في النجف وكان يأتيني بأخبار جديدة كل نصف ساعة تقريبا ، حيث كان طالبا في المتوسطة على ما أعتقد .

وفي تلك الفترة انتشر خبر الهروب سريعا ، وفي المساء جاءني بخبر عن أحد الرفاق في منطقتهم وهو ( أبو لميعة ) والذي يعمل خبازا فأرسلت له الشاب عبد نعمة حيث أتاني معه ، والى الليل انتقلت الى بيت الحزب وكان هناك الرفيق أبو هشام ( محمد حسن مبارك ) وجابر الحكيم وعائلته التي تسكن في نفس البيت، وأقمنا حفلة في ليلة 7/8 اكتوبر ( تشرين الأول ) بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية حيث ان الهروب كان في ليلة 6/7 من ذلك الشهر، وكان جو الحفلة لطيفاً وفرحاً حيث ان تحرير المناضل لنفسه من السجن وفي هذا الظرف يعتبر مسألة كبيرة ، وبقيت عشرون يوماً تقريباً أو أكثر في ذلك البيت الحزبي حتى سَمعتُ خبر من الحزب بالتوجه الى بغداد ، وأرسلوا لي سيارة يقودها أحد المناضلين مع عائلة وطفلين الى باب البيت وأخذنا طريقنا الى بغداد مروراً بكربلاء .

وقبل الوصول الى بغداد وعلى مشارف نقطة سيطرة الدورة سَحبت أحد أطفال العائلة وأجلسته على رجليَّ لغرض التمويه، وما أن شاهد الشرطي الذي في السيطرة حالة السيارة ( عائلة وأطفال ) أشار لنا بالمسير وعلق الرفيق السائق قائلا : ان هذا الشرطي يفتهم جدا . وبعد الوصول الى بغداد ذهبنا الى أحد البيوت وبقيت فيه يومين أو ثلاث ، ثم توجهت الى كردستان حيث مكان انعقاد الكونفرانس الثالث للمشاركة فيه لقد أدان الكونفرانس الثالث بشدة أعمال الانشقاق والتخريب كما لمَّح الى التساهل ( وكان هذا التساهل في غير مكانه ) مع الانتهازيين والوصوليين، وانتقد خط آب 1964 ورسم خطاً شدَّ بموجبه وحدة الحزب وتلاحمه ونحى البعض وتقدم البعض الآخر من الرفاق الى قيادة الحزب .

وعاد الشيوعيون الى أعمالهم بهمة أكبر وعزم أشّد ، وعدت أنا الى بغداد بعد انتهاء أعمال الكونفرانس وأسكنني الحزب في بيت حزبي في منطقة الكرادة ، وبعد أيام ألقيَّ القبض على الرفيق آرا خاجادور ويبدوا أنه كان يسكن في ذلك البيت أو يعرف مكانه حيث جاءني الرفيقين باقر ابراهيم ومهدي عبد الكريم وأخبروني بضرورة الانتقال الى مكان آخر بسبب إلقاء القبض على الرفيق آرا ورتبوا نقلي مع الرفيق علي نور حيث كان علي نور يسكن مع عائلة كربلائية لمناضل سابق وترك العمل الحزبي وعلى معرفة بعلي نور ، وطلب علي نور من صاحب البيت أن أسكن معهم مؤقتا لفترة ووافق الرجل حيث سكنا أنا وعلي نور في غرفة في الطابق الثاني من البيت ، وكان علي نور يخرج لقضاء أعماله الحزبية وأنا أبقى في البيت ولا أغادره لسوء وضعي الصحي حيث يأتيني مهدي عبد ألكريم مرة أو مرتين اسبوعياً ، وبعد أن ازدادت زيارات مهدي عبد الكريم لي وهو يأتي الى البيت بسيارة وبعد أن عرف صاحب البيت بتلك الزيارات أصابه الخوف وطلب من علي نور أن نغادر البيت في ذلك اليوم وقال : أنا لا أسمح أن يصبح بيتي شبه مقر للجنة المركزية . وعند المساء لم يعطينا الرجل أي مجال آخر ، فجمعت وثائقي في فايل وخرجنا من البيت بملابس جيدة ونظارات ولا نعرف الى أين نتجه ، ونعلم أن هنالك بيتين يمكن التوجه لأحدهما ولكن لا نعرف ظروفهم ، وركبنا في سيارة أجرة متوجهين الى الشواكة وأثنــــاء ذلك اشتكى السائق لنا عن حالة الكساد والجوع وبعد نزولنا من السيارة علقنا على شكوى السائق لأنه أفضل منا ، على الأقل له دار يعود لها بعد انتهاء عمله ، رغم الفارق الكبير بيننا وبينه حيث اننا نعرف ماذا نعمل ، بعدها اهتدينا الى البيت التي يسكنها المناضل صاحب الحكيم وعائلته وقضينا عندهم اسبوع تقريبا ، وأحضروا لي المناضل الدكتور عبد الصمد نعمان لعلاجي ، ثم انتقلت الى بيت آخر لأحد الرفاق الشيوعيين وأخبروني بالانضمام الى لجنة منطقة بغداد لأكون مسؤول أقضية أطراف بغداد التي كانت تضم قضاء المحمودية ونواحي أبو غريب وأقضية بلد وسامراء وتكريت ، فسلمني الرفيق المسؤول السابق وعقد اجتماع للرفاق وأبلغهم اني سوف أستلم المسؤولية بدلاً منه وغادر الاجتماع ، حيث كنا نجتمع في بيت أحد المناضلين ويلقب كاظم ديمقراطية من سكنة مدينة الثورة وعقدنا اجتماعين أو ثلاث في ذلك البيت وبدون مواعيد احتياطية لأني لا أعرف مكان سكن الرفاق الذين أجتمع معهم ، وكان الرفيق كاظم دائما يطلب التفرغ للعمل الحزبي كلياً وأنا كنت أعده بدراسة الموضوع ويبدو ان الرفيق المسؤول السابق كان يعده بذلك أيضاً ، وقد أشرت للرفاق بعدم وجود مجال للتفرغ الحزبي لأننا نحاول اظهار الرفاق المختفين ، لذلك أخبرت الرفيق كاظم بعدم وجود مجال للتفرغ . كان الرفيق كاظم يعمل في المحمودية لأنه من سكنة المحمودية أصلاً ولا يحضر اجتماعاتنا لكونه بمستوى عضو لجنة قضاء .

وبعد انتهاء أحد الاجتماعات ومغادرة الرفاق طلب الرفيق كاظم اللقاء بي وبعد أن انفردت معه ، أخرج لي ورقة من جيبه مكتوب فيها استقالته من الحزب فأجريت معه بعض المحاولات للحفاظ عليه في صفوف الحزب فطلبت منه أن يبقي الرسالة معه حتى يفكر بالموضوع بشكل جيد فقال : أنا فكرت بالأمر ومنتهي منه ، وفي محاولة أخرى أخبرته بأني سوف أبقي الرسالة معي ولا أسلمها للحزب حتى يستطيع التفكير مرة أخرى بالموضوع ، فأجابني انه فكر بالموضوع منذ أكثر من شهر والقضية منتهية . عند ذلك طلبت منه برجاء الحفاظ على الأمانة فـقال : ســوف أبقى صديق للحزب وأرجوا أن توصلوا أدبيـات الحزب لي ، وأكدت مره ثانية حول موضوع الأمانة وطلبت منه عند قدوم الرفاق في الجمعة القادمة أن يخبرهم ان الاجتماع في مكان آخر وخرجت وأنا في حيرة من أمري لأني لا أعلم بمكان سكن الرفاق أعضاء اللجنة لإخبارهم بالذي حدث مع الرفيق كاظم . لذلك فكرت بالحضور الى بداية ذلك الزقاق في موعد الاجتماع القادم لألتقي بأحد الرفاق وترتيب الأمر .

كنت قد استلمت الجريدة وأدبيات الحزب من الشهيد محمد الخضري لذلك طويتها وذهبت على الموعد المقرر في بداية زقاق بيت الرفيق كاظم وعند حضور أحد الرفاق ، أبلغته اني ذاهب الى مقهى في المنطقة أشرت اليه وعليك انتظار بقية الرفاق ومن يحضر منهم ارسله الى المقهى ، وبعد اكتمال حضور الرفاق طلبت من عامل المقهى احضار لعبة ( الدومينو ) لنا ، نشرنا قطع اللعبة أمامنا وبدأنا اللعب بشكل ظاهري أمام الجلوس لغرض التمويه، وحكيت لهم عن الحالة وقلت لهم اضطررنا الى هذا اللقاء وسلمتهم الجريدة والأدبيات وطلبت منهم تقسيمها بينهم في أحد بساتين الكاظمية ، وحددنا موعداً للاجتماع القادم في احد بساتين الكاظمية أيضاً لعدم وجود امكانية للكلام ونحن في هذا الوضع وخرجت من المقهى .

أثناء ذلك كنت أفكر في هذه الحالة ، أنا والرفاق والجريدة والأدبيات ويلقى القبض علينا ، فكم من الكلام يدور حول بساطتي وعدم اهتمامي بسرية العمل ، حيث شخص مضى على هروبه من السجن شهرين ويجلس في مقهى ومعه رفاقه وأدبيات الحزب وأي أحكاما سوف تصدر عليه . فأحياناً تصدر أحكاماً أو يجري الحديث عن أحداث دون أن تعرف حقيقتها والظرف الموضوعي الذي يحيط بالمناضل وبوضعه في مثل تلك الحالة ، ويصبح هنالك عار على مظاهر الكلام وقلت مع نفسي جيد ان الحالة انتهت بسلام .

في الجمعة الأخرى التقيت مع الرفاق وتكلمت معهم بحرية وتمكنا من الحصول على دار حزبي ، حيث التحق المناضل علي نور الى محلية الأطراف وعلي نور معروف في هذه القضايا حيث تمكن من أن يوفر لنا بيت نجتمع فيه وتواصــــــــلت اجتماعاتنا في ذلك البيت حتى انقــــلاب 17 تموز 1968. منذ الكونفرانس الثالث وحتى عام 1971 ساهم في العمل في منطقة بغداد من المكتب السياسي واللجنة المركزية والكوادر المتقدمة عدد من الرفاق وهم : باقر ابراهيم ، عمر الشيخ ، بهاء الدين نوري ، مهدي عبد الكريم ، د. نزيهة الدليمي ، د . ماجد عبد الرضا ، د . كاظم حبيب ، حسين سلطان ، محمد الخضري ، عبد الخالق زنكنة ، زكيه خليفة ، وابلة الشيخ ، د . صباح الدرة ، صالح مهدي دكلة ( لفترة قصيرة ) ، آرا خاجادور ، عبد الأمير عباس ( أبو شلال ) ، عبد الأمير سعيد ، عبد الوهاب طاهر وجمعه اللامي والأخير كان مرشحا للمنطقة . وهؤلاء عملوا في لجنة منطقة بغداد ثم نقلوا الى مجال آخر ، إلا عنصرين بقوا في اللجنة منذ البداية حتى النهاية وهما مهدي عبد الكريم وحسين سلطان .