ترجمة وتعليق: د.نجم الدليمي
نشرت جريدة زافترا- الغد الروسية في عددها رقم 28 تموز العام 1994 خبراً بعنوان بريماكوف ومكتب التحقيقات الجنائية الفيدرالية F.B.I ضد المدعو أيميس.
اشارت الجريدة الروسية بأن مخابرات المانيا الغربية(باند-BND نشرت تقريراً حول سير عملية التحقيق في (قضية أولدريج أيميس) الشخصية الرفيعة المستوى في المخابرات المركزية الامريكية والذي اعطى معلومات هامة وبمحض ارادته الى المخابرات السوفيتية{K.G.B } اعتقل قبل بضعة اشهر من قبل ال{F.B.I }، والجريدة هنا تعرض بعض الامور الهامة حول الموضوع
ان أيميس لم يكن مجندا في البداية من قبل المخابرات السوفيتية، بل كان تعاونه مع KGB حسب ادعائه بمحض ارادته وقناعته الشخصية، اذ بدا يقرف ولاسباب اخلاقية وشخصية من رجال المخابرات المركزية الامريكية F.B.I بسبب انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات.
وقد اتصل ضابط المخابرات السوفيتية متأخراً مع ايميس في واشنطن واخبره بأن قيادة المخابرات السوفيتية في موسكو قررت ان تدفع له اتعابه مقابل اعطاء معلومات، وعلى هذا الاساس فأن ايميس وافق على استلام المال..، وقد كان هناك شخصان فقط في المخابرات السوفيتية يعرفون معلومات واقعية عن أيميس، وان المعلومات المقدمة منه كانت قيمة وهامة جداً وانها كانت تصل مباشرة الى رئيس المخابرات السوفيتية فلاديمير كروجيكوف.، ومما يذكر انه قدم قائمة بأسماء 28 شخصاً رفيعي المستوى في جهاز السلطة السوفيتية والذي اطلق عليهم عملاء النفوذ اي ( الطابور الخامس).
وحسب تقييم المخابرات المركزية الامريكية فان نشاط هولاء يعتبر فعالاً جداً من اجل تنفيذ المصالح الاستراتيجية لامريكا، ومن الاسماء التي وردت في بداية القائمة هم:-
الكسندر ياكوفلييف، يفغيني بريماكوف، وان اساس هذه المعلومات المقدمة من قبل أيميس فأن رئيس المخابرات السوفيتية عام 1991 قدم خلاصة أتهام ضد ياكوفلييف.
وبالمناسبة فأن الكسندر ياكوفلييف كان سفيرا سابقاً لاتحاد السوفيتي في كندا لمد 14 سنة ومن ثم استقدمه غورباتشوف اول حكمة من وظيفته كسفير وعينه مباشرة في الكتب السياسي للحزب الشيوعي وجعله مسؤولاً للعمل الايديولوجي للحزب!!! ومن ثم مسؤولاً لقسم العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اي المسؤول عن الاتصالات بالاحزاب الشيوعية وحركة التحرر الوطني. بعد تقرير رئيس المخابرات السوفيتية نحي من عضوية المكتب السياسي وعينه غورباتشوف مسؤول جهازه الاداري الخاص. وياكوكلييف يعتبر من العناصر الهامة والمؤثرة الان في طاقم الرئيس يلتسين- جورناموردين، وقد عينه يلتسين مديراً للاذاعة والتلفزيون المخصص لبث أذاعي موجه لدول الرابطة- الاتحاد السوفيتي سابقاً، ويعتبر ياكوكلييف احد اهم العناصر الموجهة للاعلام الحكومي الروسي حالياً
أما بالنسبة لبريماكوف فالمعروف أنه كان صحفياً وبعد ذلك تدرج في الوظائف عمل كمراسل لجريدة البرافدا في مصر زمن( عبد الناصر)، ومديراً لمعهد الاستشراق، واصبح احد المستشارين الاساسيين لغورباتشوف ولاسيما في شؤون الشرق الاوسط بما فيها الاحزاب الشيوعية والحركات التحررية، اما الان فهو عضو مجلس الامن القومي الروسي بتعين من قبل يلتسين، ورئيس لقسم المخابرات الخارجية لروسيا، ومن الملفت للنظر انه كان يمتلك علاقات حميمة مع اكثر من رئيس عربي وقيادات الاحزاب الشيوعية العربية.
ومما قدمه أيميس الى السوفيت ان ثمة اشخاصاً يعملون لصالح المخابرات الامريكية وهم من فريق شاخ نازاروف..
علماً ان كافة المعلومات الامنية التي كانت تصل مباشرة الى رئيس المخابرات السوفيتية وبدوره يقدمها شخصياً الى ميخائيل غورباتشوف فقط . وخلال عام 1990-1991 بدأ غورباتشوف يحاول اهمال رئيس المخابرات السوفيتية طبعاً ولايعبأ بهذه المعلومات السرية والهامة حول ياكوفلييف، بريماكوف، وشاخ نازاروف…
وقد جرى بعد ذلك ان قام بوريس يلتسين بتعيين يفغيني بريماكوف رئيساً للمخابرات الروسية الخارجية حيث بدأ مباشرة في عملية التحري وبطرق مختلفة من اجل معرفة مصدر المعلومات التي قدمت الى رئيس المخابرات السوفيتية السابق، لاسيما اذا علمنا ان بريماكوف نفسه خرق العرف السائد في عمل المخابرات من اجل الوصول الى هذا الهدف، وفي نهاية المطاف استطاع الخبراء الامريكان في جهازF.B.I الوصول الى أولدريج إيميس من خلال جهاز بريماكوف فقط.
وبهذا الصدد تعلق جريدة الغد الروسية الصادرة في تموز العام 1994 على هذه الاحداث بقولها: ان إيميس سيدخل التاريخ كواحد من اعظم العباقرة والدهاة السياسيين وهو رجل مخابرات القرن العشرين الذي عمل لصالح الاتحاد السوفيتي وان الحثالة الذين باعوا إيميس وغدروا به هم انفسهم عملوا من اجل بيع وتصفية الاتحاد السوفيتي.
ويتذكر المتتبعون للاخبار والاحداث الجارية في روسيا( الاتحاد السوفيتي سابقاً) ان رئيس المخابرات السوفيتي السابق (فلاديمير كروجكوف) قدم للبرلمان السوفيتي في صيف العام 1991 تقريراً مفصلاً حول دور ونشاط عملاء النفوذ في الاتحاد السوفيتي الا ان البرلمان في حينه عندما كان غورباتشوف رئيساً للدولة) لم يتخذ اي اجراء معين بخصوص ذلك، لذا من حق القارى ان يسأل كيف يمكن ان تمر كل هذه الاحداث والملابسات والمؤامرات في دولة عظمى دون رادع، وان الجهات المعنية بالامر هي ايضاً لم تتخذ اي اجراء رسمي او غير رسمي من اجل الحفاظ على دولتهم.
نعتقد ان السبب يعود الى عبادة وتأليه سكرتير الحزب وكذلك الانصياع الرسمي الى سكرتير الحزب والمكتنب السياسي الذي هو من الناحية العملية صاحب الحكم المطلق، وكذلك عدم تعود القيادة على اتخاذ القرار الحاسم في اللحظة الحاسمة دون الرجوع الى رئيس الحزب، ويبدوا ان هذا النوع من الحكم أدى الى غياب الجرأة في اتخاذ القرار الهام والصائب من قياديين في قمة الحزب والدولة وكذلك القيادات المختصة الاخرى، وكان دور الجميع هو دور المتفرج على سير عملية الهدم البيرويسترويكا- الاصلاح وأسرار خطط غورباتشوف- ياكوفلييف- شيفرنادزه.
ومن الطريف ان رئيس لجنة الامن في دوما الدولة( البرلمان الروسي) فيكتور إيليوخين أكد مؤخراً بأن إيميس حدد أكثر من مئة شخص( في وقتها) وهم في قمة السلطة التنفيذية والتشريعية يعملون لصالح الغرب وهم لايزالون اليوم يمارسون الدور وهم في نفس المواقع الخطيرة ذاتها وان الـ F.B.I يستخدم وسائله الخاصة للضغط على عملاء النفوذ من اجل تنفيذ المخطط المرسوم.