20 ديسمبر، 2024 12:19 ص

عمق ظاهر و عمق مخفي

عمق ظاهر و عمق مخفي

ليس هناك من کلام يثير التهکم و السخرية کما هو الحال في التصريحات و المواقف المعلنة من جانب قادة و مسؤولي الجمهورية الاسلامية في إيران بخصوص مکافحة الارهاب و السعي من أجل القضاء عليه، ولاتمر فترة إلا و ينبري أحدهم للإداء بتصريح او موقف بهذا الصدد وقد کان آخر من أتحفنا بهذا الخصوص، قائد القوة البریة للجیش الإیراني العمید أحمد رضا بوردستان، عندما صرح بأن” خط إیران الأحمر مع المجموعات الإرهابیة علی مسافة 40 کیلومترا داخل الأراضی العراقیة”..

بوردستان الذي قال أيضا بأن” القوات البریة للجیش الإيراني علی أهبة الاستعداد لتدمیر داعش إذا حاول التسلل إلی إیران عبر الحدود الغربیة للعراق”.، فقد حدد أيضا عمقا لدخول القوات البرية الايرانية الى العراق بقوله”أن القوات العسکریة الإیرانیة رفعت من جهوزیتها بشكل كامل، وقد رسمت خطا أحمر علی مسافة 40 کلم داخل الأراضي العراقیة، للقضاء على المجموعات الارهابية”، ويمکن التصور بأن هذا العمق”أي 40کم”، قد تم تحديده خلال الزيارة الاخيرة لوزير الدفاع العراقي لطهران و التي وکما أکدت العديد من المصادر بأنه وافق خلالها على بقاء أکثر من 7000 من عناصر الحرس الثوري داخل العراق.

من الواضح بأن عمق 40 کيلومتر المعلن والمتفق عليه، هو العمق الظاهري الذي يبدو انه يناسب الحکومتين الايرانية و العراقية من أجل عدم إثارة الرأي العام العراقي و الاقليمي و الدولي لو تم الاعلان بأن العراق مفتوح أمام القوات الايرانية للتدخل لمکافحة”الارهاب”، لکن الذي يجب أن يفهمه کل لبيب و مدرك للأمور أن إيران تمارس دور من له حق الدخول الى سائر أرجاء العراق، واننا نتساءل هل أن ال7000 من عناصر الحرس الثوري منتشرون أيضا في عمق 40 کيلومتر؟ لأن التقارير الاخيرة قد أکدت بأن هذه القوات منتشرة في العمق العراقي، کما ان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس و القوات المرافقة له يجوب العراق طولا و عرضا، والحجة هي محاربة الارهاب المحدد بالارهاب ذو التوجه السني، أما الميليشيات الشيعية التي أشرف على تأسيسها و توجيهها سليماني بنفسه و قامت و تقوم بأعمال ذات طابع إرهابي من ضمنها”على سبيل المثال لا الحصر” عدم السماح للعوائل السنية بالعودة الى مناطقهم المحررة کما يجري حاليا في جلولاء و السعدية بشکل مکشوف، فإن هذه الميليشيات ليست مشمولة بقانون تحديد الارهاب من جانب طهران.

الجمهورية الاسلامية الايرانية التي طالما أعلنت بأنها ضحية للإرهاب، فإننا يجب أن نتمعن في کيفية کونها ضحية للإرهاب، إذ هل أن تنظيمات مثل القاعدة او

منظمات أخرى مشابهة لها قد قامت بإرتکاب أعمال إرهابية في داخل إيران؟ الحقيقة ليس هناك شئ من هذا القبيل لأن قادة من القاعدة و أقارب لأسامة بن لادن کانوا يتواجدون في طهران تحت حماية السلطات الايرانية.

الجهة التي تعتبر الجمهورية الاسلامية نفسها ضحية للإرهاب على يدها، هي منظمة مجاهدي خلق، وقصة المواجهة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية و منظمة مجاهدي خلق المعارضة، هي قصة مواجهة بين ايديولوجيتين و منطقين فکريين مختلفين تماما، إذ ان هذه المنظمة أعلنت عند الاقتراع على دستور قيام نظام ولاية الفقيه، رفضها الموافقة عليه بإعتباره يمثل إمتدادا للدکتاتورية و الاستبداد في البلاد و لکن تحت غطاء الدين، ومن يومها صارت المنظمة العدوة اللدودة للنظام الاسلامي و بلغت المساعي الرسمية الايرانية لتشويه سمعتهم و حرف کل الامور المتعلقة بهم و الطعن بهم علنا الى الحد الذي أعلنوا بأن حادثة الانفجار التي وقعت في مرقد الامام الرضا في مدينة مشهد في 10/6/1994، وفي مسجد لأهل السنة في نفس الفترة والذي إتهم السلطات الايرانية على الفور منظمة مجاهدي خلق المعارضة بإرتکابها وعلى الرغم من نفي المنظمة بشدة لذلك و إدانتها للجريمة، لکن النظام أصر على موقفه وقام بتقديم شخص على شاشة التلفزيون على انه منفذ الانفجار، حتى إنجلت الحقيقة بعد خمسة أعوام، عندما خرج أحد قادة الحرس الثوري ومن عناصر الاستخبارات سابقا والمدعو”أکبر کنجي”، ليعلن في لقاء له مع جريدة (آريا) الصادرة في يوم 4/12/99: “أن الاستخبارات هي التي قامت بهدم مسجد أهل السنة في مشهد ثم قامت أيضا بتنفيذ تلك الحادثة المؤلمة في انفجار حرم الإمام الرضا لتلقي تبعته على من تدعوهم المنافقين”.، هذا إذا وضعنا جانبا حوادث التفجيرات و عمليات ذات طابع إرهابي کانت الاجهزة الامنية الايرانية تقوم بها و تتهم منظمة مجاهدي خلق بإرتکابها في سبيل تحقيق أکثر من هدف و غاية في آن واحد.

الاغرب من ذلك أن منظمة مجاهدي خلق التي تم إدراجها ضمن قائمة الارهاب على اساس عملية إتفاق ضمنية بين إدارة الرئيس الاسبق کلينتون و طهران على أمل إعادة تأهيلها، قد نجحت في الخروج من قائمة الارهاب بعد معرکة قضائية خاضتها طوال 15 عاما تکللت بخروجها من القائمة و إعتراف الدول الغربية بأنها ليست إرهابية کما تزعم طهران، لکن الملفت للنظر، ان إيران و محورها المتمثل في بغداد ـ دمشق ـ حزب الله، يرفضون الاعتراف بالقرارات الدولية التي تؤکد براءة المنظمة من الارهاب وانما يصرون على العکس، والحقيقة انه ليس هنالك من خيار آخر لطهران غير خيار الاستمرار في إتهام المنظمة، لأنها إن إعترفت مع محورها بهذه الحقيقة فإن ورقة التوت التي تستر عورتها تسقط منها وتنکشف على حقيقتها البشعة، وان المشکلة ليست في ملاحقة الارهاب و

مطاردته من جانب طهران وانما المشکلة الاساسية أن تکف هي بتصديره للعراق بشکل خاص و للمنطقة بشکل عام، ونعود لبداية المقال و ماقد ذکر عن تحديد 40 کيلومتر للقوات البرية الايرانية کعمق ظاهري تتدخل فيه لمحاربة الارهاب، لکن ومع أن العراق کما اوضحنا صار کله عمق لإيران تسرح و تمرح فيه فإنها تريد أن يتمدد هذا العمق لبلدان أخرى لأن توقفها يعني قرع ناقوس الخطر بالنسبة لها.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات