18 ديسمبر، 2024 8:39 م

عمامة والدي غادرت الجمعة!

عمامة والدي غادرت الجمعة!

عاد الى الأرض ليقود سفينة النصر، ويحقق أحلام المظلومين في الخلاص، ليشعروا بحرية ماعرفوها، طيلة عقود عجاف زمن النظام البائد، فهو جحيم مرعب رسمه خبراء في الظلم والقمع، لكن ليث المعارضة العراقية، السيد محمد باقر الحكيم رجع للعراق، ليختم أحزاننا بأفراح طالما إنتظرناها، وعندها إستهوتني الذكريات مع والدي عليه الرحمة، كيف أنه يعيش يوم الجمعة في أول رجب وهو صائم، حيث الدعاء، والإستغفار، والصلاة، فالشهر الأصب له طقوسه المهيئة لتهذيب النفس، إستعداداً لشهري شعبان ورمضان.
رصيد روحي مهيب يمنحنا طاقة تمكننا من العبور، صوب مملكة الفضائل والمكارم، فالعبادة لاتحتاج الى شعارات لتنفيذها، بل هي منحة إلهية تستهوي المؤمن لتسكن قلبه، فكيف بمَنْ صلى ظهيرة الجمعة، في رحاب الروضة العلوية المطهرة، صائماً، عابداً، داعياً للعراقيين بالخير والبركة، ومودعاً لهم في الوقت نفسه، طالباً منهم البقاء بخندق واحد لمواجهة التحديات، وتحمل المسؤوليات، لإدارة البلد في أوضاع عسيرة ومحنة كبيرة، فالبيت خالٍ وبلا جدران، ويحتاج لجهود جبارة للبناء، فتوحدوا جميعاً من أجل العراق.
عمق جهادي وتأريخي ثرّ ومجد لا نظير له، ذلك النتاج الفكري، والعملي، والسياسي، الذي تميز به شهيد المحراب، جعلته محط أعجاب العالم، فأهداف مشروعه كانت لدينه، ولمجتمعه، وأمته، ولم يردها قط لنفسه، فعلى قدر الهدف يكون الإنطلاق، ففي طلب الرزق قال تعالى:”فإمشوا في مناكبها”، وللصلاة قال:”فإسعوا الى ذكر الله”، وللجنة قال:”وسارعوا الى جنة”، أما الطريق الى الباريء عز وجل، فقال:”ففروا الى الله”، فأي فرار أقدم عليه السيد محمد باقر الحكيم، ليكون بحق شهيد المحراب الخالد؟!
عمامة والدي الحكيم غادرت الحياة، ظهيرة الأول من رجب عام1424،على يد عصابات الكفر والشر، لكنها تركت بصمة أمل وورقة عمل لأبنائه، ليكونوا رجال الغد، وشباب المستقبل، وقادة التغيير، لندرك عمق القدر الإلهي لوطن إسمه العراق، ولوجب علينا أن تمتزج كل عناوين المحبة، والتعايش، والتسامح، فالعراق كبير بما يكفي ليكون لنا جميعاً، والحرية هي غاية الأحرار، لذا تركت بينكم عمامتي، لأعلمكم ان النهاية عظيمة، وستكون بعظمة المشروع الذي جاهدنا لأجله، فالنهايات العظيمة تليق بنا وبكم.
لايوجد عنوان أكبر من العراق بماضيه، وحاضره، ومستقبله، بكل طوائفه، ودياناته، وقومياته، ومذاهبه، وحتى بتقاطعاته، فهو ثورة تلهب الضمائر، رأس حسيني شامخ ووفاء عباسي بكربلاء، وعباءة زينبية تنادي:هيهات منا الذلة، وباب للحوائج في الكاظمية، وباب نجاة الأمة ومنقذها في الروضة العسكرية، وباب شهيد للمحراب في الكوفة العلوية، لتعلن أن أصدق تعابير الوطنية خدمة الوطن بصدق، بعيداً عن العصبية والمذهبية، فالرسالي الهادف هو مَنْ يستطيع خدمة الناس، وإصلاح المجتمع نصرة لدينه، فسلام على عمامتك يوم رحلت أيها الحكيم.