إذن فعلها فعلا عمار الحكيم، رغم ترجي القيادي في المجلس الأعلى همام حمودي له بالتریث، إذ أعلن تخليه عن زعامة «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق – سابقا -)، ليشكل حزبه الجديد، باسم «تيار الحكمة الوطني». ويلاحظ إن كلا من مفردتي «الحكمة» و«الحكيم» هما من جذر واحد (ح.ك.م)، وربما تكون لهذا دلالتان، الأولى هو إن الحزب أو التيار الجديد، هو حزب أو (تيار عمار الحكيم)، وفي نفس الوقت هو تيار (أحكم سياسيي العراق)، كما يحب أن يسوّق نفسه.
سأجعل جزءً من تحليلي لهذه الخطوة في ضوء أهم ما جاء عن عمار الحكيم في إعلانه عن حزبه السياسي الجديد، الحزب الحكيم للقائد الحكيم عمار الحكيم «تيار الحكمة». وكم هو العراق في حاجة إلى الحكماء. لكن لنتأمل هل نستطيع أن نعوّل فعلا على هذا الكيان الجديد، ليكون البداية الجديدة لانتهاج منهج الحكمة في سياستنا في عراق ما بعد 2003 الذي افتقرنا فيه منذ سقوط ديكتاتورية صدام إلى الحكماء من السياسيين، وإلى الحكمة في السياسة المنتهجة.
عمارالحكيم يقول إن تياره الجديد «يرفض عسكرة المجتمع بأي ذريعة». أيقول هذا لأن صقور الجناح العسكري الذي كان يعرف بـ«فيلق بدر»، الذي تحول إلى «منظمة بدر»، كانوا قد غادروا المجلس الأعلى، أم لأنه شخّص وعيا جديدا متناميا في المجتمع العراقي يرفض عسكرة المجتمع، كما يرفض أحزاب الميليشيات التي تسعى لتكون البديل عن القوات المسلحة من جيش وشرطة؟
ثم يقول إن «عراق 2017 يختلف كثيراً عن عراق 2003»، مطالبا القوى السياسية الفاعلة المخلصة بأن تعي هذا الاختلاف «مثلما وعيناه نحن» أي هو حكيم السياسة العراقية الجديدة. لكن لنسأله من يا ترى الذي يتحمل كل الأخطاء المدمرة والكارثية طوال الأربعة عشر عاما الماضية؟ أليس هو «المجلس الأعلى» و«حزب الدعوة» وبقية الأحزاب الشيعسلاموية المنضوية تحت مظلة ما يسمى بـ«التحالف الوطني»؟ وهل تخليه عن زعامة المجلس الأعلى يمكن يا ترى أن يبرئه من المحاسبة على كل ما يتحمل مسؤوليته المجلس والدعوة بجناحيها والفضيلة والتيار الوطني والتيار الصدري قبل التحول، وغيرها من أحزاب الشيعسلاموية العراقية؟
ويواصل كلامه عن حزبه الجديد بكون «شعار تيار الحكمة (العراق جسر للتواصل وليس ساحة للصراع)، ويفتح ذراعيه لجميع المواطنين للانضمام إليه». وهل سيصدق ذلك المواطنون المتطلعون إلى دولة المواطنة والنابذون للطائفية والعرقية والمحاصصة من عقلاء السنة والكرد والتركمان من الطائفتين والمسيحيين والمندائيين والإيزيديين والشبك وغيرهم، لينضووا تحت لواء حزبه الجديد هذا، مصدقين أنه أول حزب يعتمد المواطنة وينبذ الطائفية التي كان المجلس الأعلى بقيادة أبيه عبد العزيز أشد المتحمسين لتأسيس العراق الجديد على أساسها، وكان هو الوريث لقيادة المجلس الأعلى عن أبيه، كما ورثه أبوه عن عمه المؤسِّس (أو المُؤسَّس له إيرانيا)؟
وأطلق الوعود التي أشك أن يصدقها عاقل، حتى مع فرض صدقه، بأنه «سيعمل لإدامة وصيانة وحدة العراق»، وسيخوض «الانتخابات بعناوين جامعة لكل الأطياف، والخروج من التخندقات الطائفية». لا أدري هل سيتشترون العضوية من المكونات المختلفة، كي يسوقوا أنفسهم كحزب عابر للطوائف والقوميات؟
أما عن قوله بأن «العراق اليوم ينتظر ولادة تيار سياسي جديد يملك رؤية واضحة ويقدم الحلول والنظر إلى المستقبل بثقة وكسر الأطواق السلبية والإحباط، ويملك العزيمة والإصرار، ويقدم مشاريع وطنية حقيقية تكون نقطة الانطلاق لبناء وطن جديد، وإعادة بناء المؤسسات الاجتماعية التي سحقت بسبب الأوضاع الأمنية» فهي بحق كلمة حق لا أدري ما يراد منها، فحقا إن العراق بحاجة إلى تيار سياسي جديد، بعقلية جديدة، وبرنامج جديد، وطبقة سياسية جديدة، لكنه في حاجة إلى تيار ديمقراطي علماني ليبرالي، يؤمن حقا وحقيقة، وقولا وفعلا وتطبيقا، بمبدأ المواطنة، ويعمل على تحقيق العدالة والرفاهية الاجتماعيتين، وليس العراق بحاجة إلى تيار سياسي يكون مؤسسه رجل دين (بالمظهر)، وليس بحاجة إلى (قائد) إسلامي يتظاهر بالإيمان بالدولة المدنية، أو (قائد) شيعي من الناحية السياسية، ويتظاهر بتبني دولة المواطنة بدلا من دولة المكونات، التي كان حزبه الذي تخلى عنه أحد أهم من أسس لها وأصرّ على اعتمادها منذ 2003.
وهل يمكن للمواطن العراقي أن يصدق كونهم في حزبهم الجديد سيواصلون «العمل مع الجميع بأفكار وأطر جديدة تنطلق من الواقع»؟ نقول لا يمكن أن يكون نفس الرموز الذين كانوا مسؤولين عن كل الخراب الذي حل بالعراق، هم الذين يُعوَّل عليهم في إصلاح ما جرى تخريبه وإفساده خلال الأربعة عشر عاما.
وهناك حقائق يجب أن نضعها أمامنا، إذا أردنا أن نقيّم خطوة عمار الحكيم في تأسيس (تيار الحكمة الوطني):
«المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق – سابقا -) تأسيس إيراني – مشابه إلى حد كبير لتأسيس إيران لـ«حزب الله» اللبناني – اعتمد مبدأ ولاية الفقيه، وقام على أساس الولاء المطلق والطاعة المطلقة لجمهورية إيران الإسلامية، وللولي الفقيه (مرشد الثورة الإسلامية حسب الترجمة العربية لمصطلح قائد الثورة الإسلامية «رهبر انقلاب إسلامي»)، متمثلا بخميني أولا، ثم بخامنئي من بعده.
عمار الحكيم ورث قيادة المجلس الأعلى عن أبيه عبد العزيز، وأبوه ورثها عن أخيه محمد باقر، وبالتالي أصبح المجلس الأعلى حزبا أسريا تابعا لآل الحكيم حصرا، كما هو التيار الصدري حزب لآل الصدر، والديمقراطي الكردستاني حزب لآل برزاني.
عمار الحكيم يلبس لباس علماء الدين، وهو ليس بعالم ديني، ولم يتلق دروسا في حوزة علمية، كما تسمى مدارس تدريس علوم الدين عند الشيعة من فقه وأصول ومنطق وعقائد وغيرها.
عمار الحكيم صعد على أكتاف القادة المخضرمين، وأكثرهم من المؤسسين مع عمه محمد باقر، ثم أدار لهم ظهره، بعدما تصور أنه أصبح مستغنيا عنهم.
عمار الحكيم بتأسيسه لحزبه الشخصي يريد – كما يبدو – أن يوفر لنفسه فرصة أوسع للتفرد بقيادة الحزب، وعدم حاجته إلى الاستماع والمراعاة لمشورات المخضرمين في المجلس الأعلى.
عمار الحكيم كرئيس لـ«التحالف الوطني» يرأس كتلة برلمانية، رغم أنه ليس عضوا في البرلمان، وهذا ما لا نجد مثيلا له في برلمانات الأنظمة الديمقراطية، وهي سُنّة سيئة سُنَّت في العراق، كما سُنَّت على يد المالكي السنة السيئة بتأويل الكتلة البرلمانية ذات العدد الأكبر من المقاعد، بينما كلا السُّنّتين السيئتين لا نجد لهما مثالا في كل الأنظمة الديمقراطية.
عمار الحكيم يريد – حسب ادعائه – أن يؤسس كتلة سياسية جديدة بعقلية جديدة وبطاقات شبابية. لكن حزبه الجديد سيبقى – حسب تقديري – حزبا إسلاميا وشيعيا، وبالتالي حاله حال كل أحزاب الإسلام السياسي، وكل أحزاب الطائفتين الشيعية والسنية، نقيضا للدولة المدنية (العلمانية) كحزب إسلامي، ونقيضا لمبدأ المواطنة كحزب شيعي، إلا إذا قام بشراء عضوية أعضاء من مكونات غير إسلامية وغير شيعية لغرض التزويق ليس إلا. وأقول شراء، لأني لا أحتمل أن أحدا من عقلاء المكونات الأخرى سينتمي إليه عن قناعة.
حزبه الذي تخلى عنه (المجلس الأعلى) وقادته المخضرمون بما فيهم رئيسه المتخلي عنه، هم من القوى والشخصيات التي تحوم حولها وحولهم شبهات الفساد المالي، بل هي أكثر من كونها مجرد شبهات.
عند إعلان عمار الحكيم عن قرار تأسيسه لحزبه الجديد، ظهرت وراءه ثلاث صور؛ لعمه مؤسس المجلس الأعلى «محمد باقر الحكيم» يمينا، ومُوِّرثه الزعامة أبيه «عبد العزيز الحكيم» يسارا، تتوسطهما صورة جده «محسن الطباطبائي الحكيم»، الذي اقترن اسمه تأريخيا بفتوى «الشيوعية كفر وإلحاد». وهذه بحد ذاتها رسالة تريد التأكيد على أن عمار الحكيم هو الوريث الشرعي لنهج هذه الأسرة، وكما قد وزعت على الجمهور المُحضَر للاحتفاء بالتأسيس نفس الصور.
فهل مازال هناك من الناخبين الشيعة، ناهيك عن غيرهم، من هم مغفلون إلى هذه الدرجة، بحيث تخدعهم هذه اللعبة الجديدة لأمثال عمار الحكيم ونوري المالكي؟ ناهيك عن إمكان فوزه بثقة الناخبين السنة وأتباع الديانات والقوميات الأخرى.
للأمانة: اعتمدت في المعلومات ما نشر عن الموضوع على موقعي «السومرية» و«صوت العراق» و«جريدة الحياة» وعلى ما بثته قناة «الحرة – عراق» في أخبارها ليوم الثلاثاء (العراق اليوم).