سياسية الحياد التي لا تستند الى تبريرات معقولة ، وانما تحاول ان ترضي جميع الاطراف لحظوة سلطوية ، هي السياسة التي لا يمكن قراءتها الا في سياق صدورها عن افق الانتهازية والنفعية كما يؤكد القاموس السياسي ذلك ، والذي نحتكم اليه في قراءة المواقف المراوغة او سياسة الفرجة من خلال الوقوف على الجبل ازاء العصف السياسي والتصالح مع الموقف الذي لا يصيب المؤمن بهذا النوع من السياسات بشظايا هذا العصف .
ان اتباع هذا النوع من السياسة في الواقع العراقي يمثلون الكثرة ، ولكن قراءة مواقف عمار الحكيم ابتدءا من تصدره للعملية السياسية يعبر بشكل واضح عن هذا الطابع النفعي في محاولة انتهاز الفرص ولو على حساب المجتمع العراقي ، سيما وان الطابع الوطني غائب عن مواقفه وخطبه العائمة التي تحاول ان تتخفى ببلاغياتها عن قدرة الكشف لهذا النوع من الغياب التام للطابع الوطني وتعويم المواقف التي تحتاج من السياسي الى نوع من الحسم بازاءها والتي تتجلى في مغازالته الدائمة وعقد التحالف مع القوائم التي يظن انها الاقوى وانها المؤهلة لقيادة المجتمع العراقي.
لكن ما الذي حصل عليه عمار الحكيم في رهاناته على هذا النوع من السياسة العائمة ؟ بالتأكيد ان واقع انحسار قاعدته الشعبية يخبرنا بكامل قصة الخيبة التي مني بها في رهانه على تلك القواعد التي باتت لا تؤمن الا بالمعطى الواقعي الذي يسهم برفاهيتها السياسية والاقتصادية والحياتية بشكل عام ، وذلك ما لم تحققه سياسة عمار الحكيم العائمة والمنزلقة في وحل السياسات التي لا تعبئ الا بمصالحها في حيازة السلطة وحسب .
ربما ان تجنيد الاعلام وشراء ذمم محترفي الكتابة الذين دأبوا على تزييف الحقيقة هو رهان عمار الحكيم في اعادة ارتباطه بتلك القواعد التي لم يدرك انها انهارت وظلت مجرد ضفاف يحاول الاعلام ان يكذب حقيقة كونها مجرد ضفاف لا يمكن الرهان عليها ، لكن اكذب الكذابين هو وحده من لا يرى الحقيقة ، فهذه طبيعة بشرية اخبرتنا عنها دروس التاريخ وعلم النفس وباتت حقائق مكشوفة لدينا ، بل لربما انها لا تحتاج الى كثير من الذكاء لاكتشافها .
الا يكفي مثلا الفشل المتكرر في الانتخابات لكتلة عمار الحكيم ، وهو فشل ذريع لمن يمتلك تلك الماكنة الاعلامية الهائلة ، ربما تفشل بعض الكتل نتاج غياب دعمها على المستوى المادي والاعلامي ، لكن حيازة هذين العنصرين كفيل بانجاح العملية السياسية مع وجود قاعدة شعبية التي تعتبر الاهم في المعادلة والمقياس الانجح ، وهذا ما يفسر النجاحات المتكررة لبعض الكتل رغم غياب عنصري الدعم المادي والاعلامي لانها بنت لها قاعدة شعبية مكينة .
نستطيع الجزم بازاء هذه الحقيقة ان عمار الحكيم الذي اسرف في عطاءاته للاعلام الزائف لم يتمكن من ترميم علاقته مع القواعد الشعبية التي تعتبر سر نجاح اي سياسة تحمل مصداقيتها وتحاول في اطار هذه المصداقية ان تسعد المجتمع ، هذه بديهية بات يدركها الكثير من العراقيين الذين اكتشفوا ان عمار الحكيم كان السباق في ايقاف استحقاقات المجتمع من البترول ، والذي كان سيكتب للمجتمع العراقي الرفاهية في ظلها ، لكنها سياسة التجويع التي دأب عليها محبو السلطة هي التي اوهمت عمار الحكيم ان ايقاف هذه المستحقات كفيل بارضاخ الشعب وضمان تابعيته .
ان سياسة عمار الحكيم حتى وهو يلعب على انغام الوحدة باتت مكشوفة ، وان البلاغة التي تخفي ذلك النوع من الغياب التام للوطنية تسلل اليها الوعي النقدي وكشف عن زيفها ، ولم يعد امامه الا خيار التخلي عن سياسة ارضاء الاقوى في المعادلة السياسية والتحول الى ارضاء المجتمع الذي فقد ايمانه به وبكتلته ، لكن أنَا له ذلك وفاقد الشيء لايعطيه .