لست حوارياً مادام عصرهم إنقضى، ولست ممن يوحى إليه فَيُستدل بي للحق، لو كنت يا “عمار الحكيم” رجل معصوم، كم ستحتاج لإثبات ذلك..؟ في عصر معجزة الذهب، وحدة السيف، قبال أحقيتك يا “عمار” فهل لك طاقة وقدرة أن تقنع من حولك بأحقيتك..؟ لتنطلق الى الفضاء الأوسع وتقنع الاخرين…؟!
لم يصل بي الأمر أن أكون منك كمنزلة “عمار ابن ياسر” من أميره “علي”، وحتى إن كنت كذلك، فهل هذا يمنعني من الشك بما أنت عليه..؟ أموال في الجادرية، وعقارات يتكلمون بها، وحمايات وخدم وحشم، ونساء تدعوا للريبة تملأ قاعات أنت متواجد فيها، وفوق كل ذلك، معاوية اليوم أقنع الجميع بسبك وشتمك على المنابر وفي المحافل..! كما فعلها معاوية الأمس مع “علي” وأبقى “عمار إبن ياسر” متحيراً بين الشك واليقين..!
لست ممن يشكك بولاء “أبن ياسر” في “علي إبن أبي طالب” ولكن الرواية تقول: (خرج “عمار ” من داره، ليقترض نقوداً من أحدهم، في وقت لم يجد درهم واحد يشتري به طعام لعياله، فصادفه سيده ورئيس الدولة “علي ” في طريقه، فسلم عليه وقال: ما أخرجك يا أمير المؤمنين.؟ تبسم “علي” وقال: أخرجني الذي أخرجك يا “عمار”..! عيالي يطلبون الطعام فلا يجدونه..! فقلت لعلي أجد من يقرضني المال أسد رمقهم بقرص خبز…!
تبسم “عمار” وقال: عجبا لك وأنت “رئيس البلاد، وسيد ألأمصار..! فقال يا “عمار” تعال من خلفي، وذهب به الى بستانه، وصلا شجرة هناك، قال: إحفر جنب تلك الشجرة، قال: عمار فحفرت قليلا وإذا بي أجد صندوق ملؤه الذهب والدنانير..! فتعجبت من أمره وعلي من خلفي مبتسم، فشككت في “علي” حينها، أيعقل “علي” المعصوم يسرق بيت المال..؟! ويخفيه لنفسه،كتمت شكي بجوارحي، وكأني اطبقت قلبي على سيف حاد، فقال “علي” خذ لك دينار وأعطني مثله، وأرجع الصندوق لموضعه..!
أرجعت الصندوق، وأتبعت “علي” أمشي من خلفه، وأنا أنظر اليه بنظرة شك وظن بالسوء، تكاد تزهق روحي مما أنا فيه، فوقف “علي” ونظر إلي وكانت دموعه على خديه وتملأ لحيته…! وقال: حتى أنت يا “عمار” تظن بي ظن السوء..؟! إرجع معي ولنعيد المال لمكانه، فرجعت معه والحياء أدركني، وحفرت الأرض فلم أجد الصندوق في مكانه، فتعجبت، واذا بعلي يضرب على كتفي بعد إن مسح دموعه: يا “عمار”إن الله علم بحب الناس للمال فأخفاه عنهم ليختبرهم بفتنته، وعلم بزهدنا فيها فاضهره لنا لينقذنا به.! قال “عمار” فصفعت وجهي وأجهشت بالبكاء طلبا من “علي” ان يغفر لي شكي وظني فيه..
“عمار” كان شكه في محله، يرى ذهب وأموال في بستان علي اخفاها تحت شجرة ، ويتكلمون عن نساء يزورها في الليل، حتى قيل فيه أبا الارامل والأيتام، في وقت يظهر به علي بزي الفقير، الذي يقول فيه: رقعت مدرعتي حتى إستحييت من راقعها..! فشتان للعقل أن يجمع بين ما يرى وما يسمع وما يتصور له، وسأحاول أن أقتل شكي فيك من هذه القصة، ولكن…..،
سياسة جمعت الطالح والصالح بين قوسي الفشل، وحكومة لك فيها من يمثلك، تكتال لتعيش بدلو الفساد من بئر بلد مسكين، وشعب لا يفرق بين الناقة والجمل، وأقلام والسن مأجورة، وتاريخ يريد أن يدون ما أمام عينه ممن يملأ عليه بلسان ويعطيه أجره بكف، وأجيالاً تنتظر ما يكتبه التاريخ بفارغ الصبر، ألم يكتبوا إن “صلاح الدين الأيوبي” كلمة تقوى وسيف حق، حارب وجاهد وحرر بأسم الدين، في وقت انه “خراب الدين” و لا يعدوا “أبو بكر البغدادي” في بطشه وانحرافه عن الدين وقتله للأبرياء..! ونشر الدمار والخراب في كل شبر تطأه قدمه..!هل بقي شيء يمنعني من الشك فيك يا “عمار”..؟
إبن ياسر شك في سيده علي، ومعركة النهروان شاهد لم يغب حاضره، مابين عبور النهر كما اخبروا عليا، ويقين علي بعهد رسول الله، فتقاطرت عمائم رجال “علي” من على رؤسهم كتقاطر الماء من بين اصابع ضوء الشمس، لولا برهان ربك الذي اصلح واعاد من تأخر البقاء منهم، وإلا لقتل علي هناك..! خطابك المعتدل ووسطيتك ودينك وتقواك والتمسك بمرجعية تتبنى انت قوامها، وسياستك ووطنيتك ودولة المؤسسات التي تطمح لها ستكلفك الكثير وتأخذ منك الكثير يا “عمار”، ولأكاد اجزم ستكلفك حتى من حولك، ومن يتدين بدينك ويعتاش من إناء عطائك، أنت لست ضعيف فيما لو اردت ان تفعل ما يفعله بك من حولك، بل ضعفك يكمن في ( إنك تشبه علي في زمن معاوية..!)
أرى فيك شيء لم أره في غيرك، الكل يدعوا الناس له ليكون لهم، إلا انت تدعوا الناس للحق لتكون للجميع، وهذا ما جعل علي يبكي في ظلمة البئر، لأنه لم يجد من يبكي له ويبث امامه شكواه من هموم وشضايا السياسة والمجتمع، فأذا عزمت ان تكمل طريقك هذا، فاني ارتقبك ليوما وأحذرك منه، سترفع فيه يدك للسماء وتصرخ: “اللهم إبدلني بخير منهم وابدلهم بشر مني” وعندها وفي ذلك الحين سأرجع انا وغيري نعض اصبع الندم على ذلك، هذا وسأختم مقالي فيك بقول الله تعالى “( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).