22 ديسمبر، 2024 6:40 م

عمار الحكيم بين الوهم والحلم ؟!!

عمار الحكيم بين الوهم والحلم ؟!!

لست بصدد الحديث عن سيرة آل الحكيم أو موقفهم السياسي والديني ، ومواقفهم الوطنية المشرفة على طول التاريخ،ولكني سأتحدث عن دور السيد عمار الحكيم في العمل السياسي ، ومنذ توليه لمقاليد رئاسة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بعد وفاة السيد عبد العزيز الحكيم ،وهو يعمل على تطبيق الرؤى والنظريات السياسية ووضع السنن المكتسبة والموروثة من السيد محمد باقر الحكيم (قدس)،وما أن حث الخطى نحو قيادة المجلس الأعلى حتى بانت رايات الخلاف وبدأت الانشقاقات في بنية المجلس الأعلى ، فالمجاهدون القدامى كلاً يرى نفسه الأقدر والأولى بقيادة المجلس الأعلى ، وهذا ما زاد في حجم الهوى بين الطرفين ، مما تسبب لاحقاً بانشقاق القيادات القديمة وانسحاب الحكيم من رئاسة المجلس الأعلى وتشكيل تيار الحكمة،وبدأ بوضع أسسه من الصفر وشارك في الانتخابات الأخيرة والتي حصد فيها على 19 مقعد، ولكنه وان نصراً بحد ذاته كونه نزل منفرداً ، إلا انه لم يستفد من هذا النصر بقدر ما جعله بعيداً عن قوة القرار وصدارته، وبعده عن أدوات التغيير المنشودة في العملية السياسية، وهذا ما شاهدناه جلياً في المتغيرات الخطيرة على الساحة السياسية عموماً .

الحكيم وعلى طول فترة توليه سواءً لرئاسة المجلس الأعلى ، أو ما جاء بعده من تشكيل لتيار الحكمة، عمل بجد من أجل وضع الأسس لنظام سياسي يمكن التعويل عليه في أي تغيير قادم،وبدأ يخرج عن السياق العام للطبقة السياسية العراقية والمتمسكة بغنائم السلطة ومنافعها،وبدأ بالانتقال من المرونة للديمقراطية التوافقية إلى معادلة التمثيل السياسي والأكثرية الحاكمة، لذلك كان يسعى إلى ان تكون هناك أغلبية بغض النظر عن الهوية والانتماء، ما سبب حرجاً للكثير من الحلفاء قبل الخصوم، وفرضت عليهم البحث عن مفهوم قريب من هذا التوجه للتودد من الشارع الغاضب والمحتقن من جهة، والمحافظة على مكتسباتهم في السلطة من جهة أخرى ، خصوصاً بعد القرار الأخير بترك صفوف الطبقة السياسية الحاكمة للانتقال إلى المعارضة، وهذا بحد ذاته تأسيس لنظرية حكم جديدة مبنية على أساس(الحكم المعارض)،وإذا ما علمنا أن الطبقة السياسية الحاكمة حاصرت القرار بعدما باتت الكابينة الوزارية محاصرة بشروط (الفتح –سائرون) الأمر الذي أدى إلى تعطيل تشكيل الحكومة من جانب وتحجيم دور المكونات الأخرى .

الحكيم تناغم كثيراً مع توجهات المرجعية الدينية العليا ، والتقط أشاراتها لذلك نأى بنفسه عن أي دور في حكومة قادمة، إلى جانب عدم مشاركته في أي أزمة بين الحكومة والمرجعية الدينية، لذلك كانت قراءته للأحداث موضوعية وفيها شيء من التقارب والدقة، وهذا الشيء ليس بغريب خصوصاً أذا ما قارنا بين تاريخه وتاريخ عائلته والذي جعله متمسكاً بالحفاظ على الموروث السياسي والديني لها،وعمل على الالتزام برؤى المرجعية الدينية ومتبنياتها، خصوصاً وان الكتل السياسية الشيعية تحديداً لاتنسجم تماماً مع متبنيات المرجعية الدينية،فكلاً من هذه الكتل تعتقد بمرجعية دينية وسياسية لها ، لذلك يمكن القول أن الحكيم أنفرد بالالتزام بها ، واختار طريق النأي بالنفس عن أي صراع قادم .

قرارات الحكيم كانت جريئة قي بعضها،فخروجه من قيادة المجلس الأعلى، وانحيازه لجيل الشباب حمل معنى كبير في مفهوم التغيير ، حيث تجاوز هذا الفهم الوعي محطات سياسية في تاريخ العراق الحديث، وهو بذلك أستطاع التخلص من دائرة الخطاب الطائفي والانفتاح على الفضاء الوطني المتعدد،إلى جانب إعلانه المعارضة ، وهي سنة أحرجت القوى السياسية إلى جانب الوضع الإقليمي الذي كان يراهن على وجود الحكيم في أي حكومة تتشكل، وعلى الرغم من حجم كتلته إلا أن ثقله السياسي بات واضحاً في الكثير من المواقف السياسية، إلا أن الحوارات والاجتماعات تدور في مكتبه وتحت رعايته ، وهو بذلك أبعد نفسه تهمة ضرب حكومة محمد توفيق علاوي ومحاولة إفشالها .

الحكيم وعلى الرغم من كونه مارس العمل السياسي مؤخراً،وقاد تيار الحكمة حديثاً، وعدم امتلاكه للوسائل والأدوات التي تؤهله للقيادة في البلاد،إلا أن مطالب أكثر من أي وقت في التعامل مع جميع القوى بمرونة عالية ، وتجاوز الفكر والعقيدة إلى الوطن،خصوصاً إذا علمنا هنا ولادة لجيل جديد بدا ساخطاً على الطبقة السياسية الحاكمة،وذلك لعجزها وفشلها في تحقيق طموحات هذا الشعب، لذلك على الحكيم التحرك نحو استقطاب هذه الأجيال والتقرب لها، ولكن هذه المرة باداوات ووسائل مؤهلة وتكون مؤمنة بأطروحاته ورؤاه ، لاتريد من وراء ذلك غير خدمة وطنها، لاتبغي المصالح الشخصية ، ويكون تياره جسراً للمناصب ، إلى مناصب ليكونوا بعد ذلك وبالاً على تيار الحكيم ، أذا أصبح الحكيم متحرراً من أسر عدد المقاعد وانطلق نحو الثقل والحضور السياسي في البلاد .