18 ديسمبر، 2024 7:01 م

عمار الحكيم ، موقفا مغايرا للمألوف!!

عمار الحكيم ، موقفا مغايرا للمألوف!!

تعود العلاقات الكوردية مع عائلة السيد محسن الحكيم رحمه الله الى بداية ستينيات القرن الماضي حينما طلب النظام العراقي الحاكم آنذاك من السيد محسن الحكيم إصدار فتوى لشن حرب شاملة على الشعب الكوردي في كوردستان وتبيح قتلهم وحرق قراهم ومدنهم والاستحواذ على ارضهم و اموالهم كغنائم حربية ، لكن السيد الحكيم اصدر فتوى بخلاف ما طلب منه وحرم اقتتال الشعب الكوردي و كانت لتلك الفتوى الاثر البالغ في نفوس الشعب الكوردي قيادة وشعبا وفي مناسبات عديدة تم تقييم تلك الفتوى على انها موقف اسلامي وانساني شجاع لبيت السيد الحكيم ازاء نضال الشعب الكوردي ودفعت عائلة الحكيم فيما بعد ثمناً باهظا لها ، واضحت تلك الفتوى حلقة وصل اجتماعية و معنوية لتعزيز العلاقات بين الشعب الكوردي وتلك العائلة التي كان لها دور كبير في مقارعة النظم الدكتاتورية والشوفينية خاصة نظام البعث المقبور ، وفي مرحلة ما بعد الخلاص من الدكتاتورية كان لتلك العائلة عبر المجلس الأعلى الإسلامي العراقي دور فاعل في التغيير وكتابة الدستور وحضورها الفاعل في العملية السياسية عبر المشاركة في البرلمان والحكومة الاتحادية وكانت داعمة لحقوق الشعب الكوردي.

اذن ما الذي دفع بالسيد عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي للوقوف بشكل سلبي من قضية الاستفتاء والتصريح على ان اسرائيل ستكون الكيان الوحيد الذي سيرحب بالاستفتاء والاستقلال الكوردي!

اعتقد ان موقف السيد عمار الحكيم لم يكن موقفا عفوياً او مجرد تصريح اعلامي عابر بل هناك ثلاثة اسباب رئيسة دفعته للتصريح بذلك ويمكن تلخيصها بما يأتي:

1-لا يخفى على احد ان المجلس الأعلى الإسلامي العراقي تأسس مع بدايات الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي على يد الحرس الثوري الايراني كقوة معارضة عراقية ومنذ ذلك الوقت يتلقى الدعم والمساندة من طهران ولذلك لا يمكنه الخروج من الفلك الايراني وان يتخذ موقفا مغايرا لطهران حيال القضايا المختلفة في العراق او التي تخص المنطقة والعالم ، من الطبيعي ان موقف طهران لم ولن يكون ايجابيا من قضية الاستفتاء المزمع اجراؤه هذا العام في اقليم كوردستان بشأن حق تقرير المصير وكذلك من قضية رفع العلم الكوردستاني فوق الدوائر الرسمية في كركوك ومن مجمل الامور التي تعتقد طهران انها خطر يهدد امنها القومي ، لذلك موقف السيد عمار الحكيم جاء متناغما مع الموقف الايراني ازاء تلك القضايا الستراتيجية.

2- الامر الاخر هو اننا على اعتاب عمليتين انتخابيتين في العراق في هذا العام والعالم المقبل (مجالس المحافظات ، مجلس النواب العراقي) والدعايات الانتخابية بدأت منذ اشهر عن طريق التلميح بتشكيل تحالفات جديدة بين الكتل السياسية فضلا على اتخاذ مواقف سياسية وتصاريح اعلامية والسبل الاخرى ، لذلك فبعض الاطراف تسعى جاهدة لكسب الشارع والرأي العام العربي العراقي بتصريحات نارية ضد الكورد لتتمكن من حصد اكبر عدد من الاصوات وذلك بشحن الاجواء ضد اقليم كوردستان وشعبه عبر الماكنات الاعلامية المعادية لطموحات الشعب الكوردي ، اسامة النجيفي قبيل انتخابات مجلس النواب العراقي في عام 2010 كان لا يفوت فرصة او مناسبة الا ويتهجم على الشعب الكوردي واقليم كوردستان وفعلا تمكن من التأثير على الناخب ، ثم كرر التجربة ذاتها السيد نوري المالكي للعب على الوتر القومي للحصول على عدد اكبر من الاصوات في الدورتين الانتخابيتين اللتين فاز بهما بمنصب رئيس مجلس الوزراء، واعتقد ان السيد الحكيم يرى انها تجربة قابلة للتجديد

للدعاية الانتخابية وكسب الاصوات ويحاول بهذه الطريقة استغلال الجو المشحون في الشارع العراقي ضد الكورد خاصة بعد طرح قضيتي الاستفتاء و تقرير المصير.

3-هناك ملامح تحالفات سياسية جديدة في المرحلة المقبلة ترتبط بالمحورين الامريكي والايراني في العراق والمنطقة ، يعتقد المراقبون السياسيون ان المجلس الأعلى الإسلامي العراقي سيصطف الى جانب التحالف الذي يدعم المحور الايراني الذي ستقوده كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي وبعض القوى الشيعية الصغيرة فضلا على من يسمون ب (سنة المالكي)، وهذا ما دفع السيد الحكيم ليعلن بشكل غير مباشر اصطفافه الى جانب المحور الايراني لكسب دعم طهران للحصول على منصب رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة لصالح كتلته.

من حق السيد الحكيم ان يتحالف مع من يشاء من الكتل والقوى السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية ، حسبما يراه مناسبا ومنسجما مع مصالح حزبه وقاعدته الجماهيرية وهذا حق مشروع ، ولكن موقفه غير المألوف اضر بعلاقات الشعب الكوردي مع عائلة الحكيم التي تمتد لعقود من الزمن ، فضلا على علاقات حزبه مع الاحزاب والقوى السياسية الكوردستانية التي تعود لمرحلة الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية وفي السنوات التي تلتها ، والشعب الكوردي لن ينسى هذا الموقف السلبي كما لن ينسى موقف جده الايجابي في صدور الفتوى المعروفة.