23 ديسمبر، 2024 3:10 ص

عماد عبد الهادي “تشكيلي” و”مخرج” رحل عن العراق ليرحل بعدها عن الدنيا  

عماد عبد الهادي “تشكيلي” و”مخرج” رحل عن العراق ليرحل بعدها عن الدنيا  

بداية شغفي بالقراءة بأنواعها بداية مرحلة الصبا وحبّ الاطّلاع والفضول , خزنت ذاكرتي من إحدى قراءاتي البسيطة آنذاك عن بعض من أحوال العرب “قبل الإسلام” منها صفة مميّزة كانت تمتاز بها القبائل العربيّة  تلج أبواب التحضّر والرقيّ من أوسع أبوابهما , ذلك أنّ < قبائل العرب قبل الإسلام كانت تحتفل وتتقبّل التهاني من القبائل الأخرى عند مولد شاعر لهم ! > أدهشني ذلك ! كيف لقوم “أمّيّون” و “جهلة” ومع ذلك يحتفون بولادة شاعر بينهم ! من المؤكّد إذاً أنّ موت شاعر “والشعر هو المجال التعبيري الفنّي الحيوي للقبائل العربيّة قبل الاسلام , والحالة تلك , أنّنا أيضاً سنشعر بالسعادة عند ولادة فنّان لنا سيكون بالتأكيد معبّر عن خوالج وضمير محيطه الّذي ولد فيه , وبنفس الوقت فهو أسىً كبير سيكون موته بالنسبة لنا ..
كثير من العراقيين توفّاهم الله وهم في محنة الغربة , منهم فنّانون ذو شأن كبير تركوا بصماتهم على ساحات الذوق العراقي العام وحوّلوا سياقات سلوكيّة لا بأس بها في حياة العراقيين خاصّة في العمل الدرامي أو الكوميدي .. واليوم يغيب عن الساحة الفنيّة السمع ـ مرئيّة “والتشكيليّة” العراقيّة , وهو في محنة الاغتراب عن الوطن , فنّان عراقي مبدع ومُلهَم شكّل موته مصاباً للجميع , صدمة ووجع كبيرين لأهله ولأقاربه وكذلك لمحبّيه وأيضاً للوسط الفنّي السيمائي والتلفزيوني بشكل عام خاصّةً لمن عرف منهم قدرة عماد عبد الهادي الإخراجيّة التلفزيونيّة الّتي تركت بصمة كبيرة في الإخراج العراقي من كونه الوحيد بين المخرجين يمتلك “العين التشكيليّة” الفنّيّة في الإخراج , وبأهم مدارسها , أعطته طابعاً يميل “للمقطعيّة التعبيريّة” في المشهد التمثيلي زيادةً على “اللغة السيمائيّة” التقليديّة زادت المشهد رصانة وقّوّة تعبير مقنعة مشكّلاً بذلك مزجاً مثاليّاً لم يعهده المتلقّي العراقي من قبل .. لذا , ومع الأسف , من الصعب في ظرف العراق المأساوي الحالي الّذي يشكّل مصدّاً للكفاءات يستحيل اجتيازه للتغيير بل ويدفع بها ويلفظها خارج حدود البلد , أن يعوّض بطاقة إخراجيّة “العين الراصدة للمجتمع” أهملت كثيراً من قبل ذووا الشأن “وعلى وجه الخصوص إعلام آل البيت الوزاري !” مثل طاقة عماد عبد الهادي , شقّت طريقها بمظهرات صعبة كانت لها ظروفها , وأوّل مسبّبات صعوبة التعويض ولا نقول استحالته طابع “الاسلام السياسي” الّذي ملأ “فكره” المجافي للواقع  أجواءً من الغيبيّات لا أوّل لها ولا آخر سبق وأن أدركها سابقاً “المأمون” ولكن بعد فوات الأوان ..
أن تكون فنّاناً تشكيليّاً ومخرجاً تلفزيونيّاً في نفس الوقت هو ما ينقص عمليّة الفنّ “السمع ـ مرئي” عندنا في العراق كان عماد عبد الهادي العامري قد شكّل أوّل روّاد “هذا الاتّجاه” , ليس لأنّ عمليّة ممارسة التعبير التشكيلي تحتاج إلى اطّلاع معرفي واسع ؛ ذلك لأنّ المخرج الّذي لم يمارس التشكيل أيضاً كما يُفترض يمتلك ثقافة عامّة ومعمّقة اجتماعيّاً وفكريّاً أيضاً وفي مختلف جوانب الحياة , ولكن ينقص ساحة العمل التلفزيوني عندنا والسيمائي “الرؤية” التشكيليّة علاوة على الرؤية الاخراجيّة التقليديّة ممّا سيساعد على توسيع دائرة عمليّة استقبال النصوص العالميّة الّتي كان يصعب إخراجها سابقاً بإمكانيّات وخبرات لا زالت متواضعة وتشكو “المحلّيّة” لا تستطيع ولوج “العربيّة والعالميّة” في الانتشار كانت لطاقة واعدة عالميّاً كطاقة المخرج الراحل عماد أن تحكم أساسها بعمق في العمل المرئي العراقي خاصّةً وسيدفع بالعراق في هذا “السلاح” الاعلامي الشامل لآفاق رحبة وستتحوّل طاقاته إلى رافد لطاقات إخراجيّة تنفلق إلى عدّة اتّجاهات في الدراما وغيرها سيمائيّاً وتلفزيونيّاً فيما لو توافرت له أشراط وإمكانيّات الشروع بهذا المسار خاصّةً وإنّ مثل هذا “التنوّع” التكنيكي واللوني في الإخراج سيتقبل , “دون إحراج” , النصوص الأجنبيّة الصالحة للفن السابع وأعني بها الأعمال النصّيّة “الإنسانيّة” .. 
قدّم الراحل عماد مع بعض المخرجين المتميّزين أهمّ أعمال التلفزيون الدراميّة وأهمّ أعمال الكوميديّا الهادفة بالتزامن مع وضع أولى لبنات عمليّة “اكتشاف المواهب” سار على خطاها عماد العامري بشكلها المقنع “لملأ فراغ الأحقيّة المفقودة بالمواصفات الفنّيّة” لا العشوائيّة أو “الانتقائيّة” ؛ علاوة على “التشكيليّة” , هذه الأخيرة تخرّج الراحل من مَعْلَمِها الرئيسي “أكاديميّة الفنون الجميلة” 1967, بأعلى درجة في التقييم النهائي “للألوان” في أعمال التخرّج  حصدها من لدن الفذّ “فائق حسن” كانت “100 بالمائة” لم يحظ بمثلها أحد سوى المبدع العالمي “ضياء العزّاوي! “بحسب ما أتذكّر”..
قدّم المخرج “عماد عبد الهادي شاكر العامري” ألمع نجوم التمثيل العراقيّين “هديل كامل هند كامل محمّد حسين عبد الرحيم” للدراما التلفزيونيّة و “للضرورة الفنّيّة” الّتي تبحث عنها “الشخصيّة النصّيّة” لا “المقنّعة” لا لشيء آخر ولا لأجل العلاقات “الخاصّة” المستشرية في مؤسّساتنا الفنيّة المتصلّبة وغيرها لا تستطيع أقسى الظروف تليينها ..
عماد كان منذ طفولته مشروع ل”شاعر” جديد في الساحة الفنّيّة لمدينة الديوانيّة “جنوب العراق” لم يعر وقتها أهمّيّة موهبته أحد من مسؤولي الديوانيّة آنذاك سوى والده “الحقوقي” وبعض المثقّفين من أقاربه علاوةً على جمهور لا بأس به من البسطاء رغم أنّ الوسط الّذي وُلِدَ فيه هو في جوهره من رحم أولئك “الجاهلون” قبل الإسلام ! .. ( الديوانيّة )  مدينة , لو يعلم الكثير , أخرجت للعراق “وللأمّة” كبار التشكيليين والمسرحيين والرياضيين رغم صغر حجم المدينة المُترع بنهر صغير ساحر سالب للألباب يخترقها بهدوء تنام على ضفتيه جميع مؤسّسات الديوانيّة , حكوميّة وثقافيّة , كانت تنام في حضن  الديوانيّة منذ ثلاثينيّات وأربعينيّات وخمسينيّات القرن الماضي أربع دور عرض سيمائي مساوياً لعددها في بغداد آنذاك ! صيفي وشتوي , في وقت كانت تخلو من ولو واحدةٍ منها محافظات كثيرة في العراق .. كان يرسم جميع رسومات “القراءة الخلدونيّة” ويعمل “ريليف” لوجه عبد الكريم قاسم بالطين “الحرّي” على ظهر “صينيّة الشاي” وبإتقان مبهر بالنسبة لغيرنا أو بالنسبة لنا نحن الّذين كنّا نصغره ببضع سنين .. في نفس الوقت تتزامن مع موهبته “التشكيليّة” موهبته السيمائيّة أيضاً “بإشارات” كان يبعثها , واحدةٍ منها ولعه “بماكنة السيما” ؛ فكم كان يحاول الراحل عماد العامري وهو في سنّ “الرابع ابتدائي” صناعتها بيديه فيفشل ونحن نرقب ذلك بلهفة لنجاحه دون جدوى ! ..
كان معرضه التشكيلي بإسلوب “الواقعيّة الأكاديميّة” والّذي أقامه على قاعة جمعيّة التشكيليين العراقيين بالمنصور عام 1972 هو باكورة معارضه وهو آخرها ! ..
حاول أن يزيّن “حسينيّة” آل العامري الّتي أنشأها جدّه “شاكر العامري” في مدينة كربلاء “خاصّة بزوّار الديوانيّة” ؛ برسومات “تجريديّة” من مأساة الحسين , لكنّ الظروف لم تسعفه بذلك ..