( ظهور الأصوات في صيغة العلاقة المحورية الدالة )
قراءة في مجموعة ( خيول بلا أعنة )
كتابة القصيدة في عوالم الشاعر علي نوير تبدو دائما عبارة عن خروجات خارقة لدرجات قواعد الكتابة التوقعية اليومية ، حيث تبدو لنا القصيدة لديه ، كأنها انزياحا كشوفيا بعيدا في منطقة الماوراء الصوري ، و فضاء المفردة التواصلية ، المغموسة في لغة انتاج المتصور المتوقع و المصادف من غير وظائف لحظة اليومي و الطارىء . و نحن نقرأ قصائد مجموعة ( خيول بلا أعنة ) وجدنا ذات اللغة و الاجواء و الاجرائية المعتادة في كتابة الشاعر ، تبدو على مستوى توافقيا منسجما في تساؤلات أعماق توصيفية تهيمن عليها اختراقية ، نوافذ امكانية دلالة المقول الاظهاري الصادر بموجب حدود تداخلات دلالية زمنية غير محددة العنوان و المضمون و الصفة . و عند مطالعة جزء من قصائد المجموعة ، يتبين لنا بأن النص الشعري ، قد جاء شكلا من الاحالات النامية في هيئة مقاربات تصنيفية ، تتخذ لذاتها استجابة دوالية خاصة من زمن ، سيميائية تجسيدية ، تحيل كل الأشياء و السمات و الأسماء و الصفات و التحركات ، الى منظومة أفعال ، تقود خطاب القصيدة الى حالة من حالات
الثيميائية المتحركة نحو عتبة مشهد السؤال العنواني الأول في القصيدة :
سيزيف
أيها المكابر
تمسك بصخرتك جيدا
و أجعل منها
وسادة أيامك الباقية
فلا شيء
لاشيء هناك
سوى السديم
يجلله
أفق
من غبار قديم
تغلفه الاسئلة ..ص32
يفتتح الشاعر قصيدته بتوقيعا محتملا من بنية قصدية تناصية مغايرة ، لفعل هامشية الاقتراح الحضوري ، من مشهد فضاء مقولة النص الانبثاقية الأولى ، لذا نرى كينونة المراقبة المروية في صوت الراوي الملاحق في العبارة و المضمون ، راحت تعتمد شكلا أخباريا خاصا ، في منطقة التناص المشهدي ، أي مع صورة اسطورة ( سيزيف ) ، لتكون بها خاصية القول المشهدي ، متواصلة مع حلقات غياب أسئلة النص الاحتمالية ، المتشاكلة مع غيابات غايات حساسية الحضور و الغياب الترميزي في دال القصيدة . و على هذا الأساس صرنا نشاهد ، دال ( سيزيف ) راح يجسد لذاته فعالية اجرائية تدعم صيرورة ، لحظة التخاطب و المخاطب
( أيها ) و على نحو صار يبعث في طاقة التوليد الصفاتي ، حالة من حالات الألتفات الراهن بلفظة دال ( المكابر ) . ولا شك من ان عنونة العتبة ( سيزيف ) قد اخرجت للقراءة ، ثمة علامة حضورية محددة تتلخص بقول الآخر الفوري ( تمسك بصخرتك ) و لعلنا بهذا الأمر الفعلي من زمن القول ، صرنا نحبذ السير نحو لحظة التوحد الممكنة ، حيث أضحت الذاكرة و دال ( المكابر ) صوتا عائدا الى ضمير ( سيزيف ) و في حالة استئنافية واحدة ، من دليل تحولات الزمن الخطابي ، و تحولات الراهن الحلولي في حاضر جملة ( فلا شيء ) و على هذا الأساس نشاهد ، صعود عتبة حالة الاقفال التوحدي ما بين ( سيزيف + المكابر + و أجعل منها + غبار قديم = الأسئلة ) و تنطوي على هذا المضي ، عتبة الراوي الشعري في القصيدة ، و على نحو ذاكراتي ، يتلخص في منطقة
( هو / أنا ) في حين تتضح الصور المرئية و المتخيلة و الظنون و الهواجس و الأحلام ، الى شكل من أشكال
(ارجاء الدوال ) ، و لكن مع كل هذا ، تظل قصيدة الشاعر تشكل جملة مسارية مغايرة ، من آلية الروحية و الحلمية و التأملية ، و ما يتمخض عنها ، من طاقة تذهين معبرة في نمو فاعلية التخارج و التداخل التصوري ، في حين نجد من جهة أخرى ، بأن جميع الأسئلة الاحتمالية في أصوات الدوال و المداليل ، تبدو عبارة عن توافقات صوتية ، تشتغل بموجب خطاب اللحظة الخاطفة ، و بموجب صناعة اللقطة الفاصلة في حركية تشعبات الاستفهامية الانفتاحية ، و في تشعبات مركبات ذهنية لحظة القصيدة ذاتها :
ثمة
من يجلس الآن في معتزلة
في يوم خريفي كهذا
يقلب كتابه القديم
الذي لم يفارقه طوال الوقت
يجلس الآن
يقلب كتابه بأوراقه الصفر
ورقة
ورقة
بلا حذر أو رهبة
غير أنه
لم يستطع ان يوقف مجرى الريح
و هي تدفع نثار الكلمات
الى حيث لا يرى
الى حيث لا يريد .. ص18
ان ذات الشاعر هنا ، تستكشف وجودها عبر حدود هلامية من تجربة ( الذات الآخر / اللاشيء ) و مرة كشيء يخفى عن كل أستعمال ، و عن كل غاية ، و عن كل مجال ظهور الذات المتكلمة ، في دال النص ، لذا صرنا نشاهد ، قابلية ألتحام المروي من الدوال ، عبر عاملية المكان و الزمان و اللغة و التوصيف ، و الى درجة وصول الأمر الى تشظيات صورية ، غير محددة في النتيجة و الاطار و المدلول
( لا يرى / لا يريد ) و هذا الانعطاف المتشظي من الشاعر في القول الشعري ، صار يكشف لنا مدى فاعلية الذات المتكلمة في طرح قصدية الآخر ، ثم طرح ( خواء الأنا ) ، و على نحو معاينات حقيقية ، من زمن داخلية اللاشعور ، و من زمن مجريات خطاب الاظهارية الخارجية ، المنصبة في مؤولات الرمزي و الاشكالي في رسم الدال القولي
( يقلب / كتابه / القديم / لم يفارقه / طوال الوقت ) و الشاعر في هذه الجمل من قصيدته ، بات يحاول طرح الابعاد الضامرة من دال و دوال ( يجلس / الآن / معتزلة / معتزلة / خريفي ) و على هذا الأساس من الكيفية القارة في أصوات النص ، تظل حالات سلطة المحور المتكلم ، كأنها موقعات لحلول موقع ، ( ذات / صوت / أفق ) لذا فأننا أصبحنا نشاهد في مقاطع القصيدة ، ثمة ترابطية دلالية متعددة ، ما بين دال المتكلم ، و بين الآخر المشار أليه ، و بين تعددية محطة خطية الأنا و أفعالها ، كمركز تعالقي مع دلالات يقين دال الظهور و الاختفاء في ضمائر و صور القصيدة .
( الذاتوية في مرحلة يقين النص )
ان مقولات آلية الحلم في حياة نصوص ( خيول بلا أعنة ) تبدو مفتاحا لفهم طبيعة الذات الشعرية ، و هي تجنح في البحث عن الرؤية التي تمكن أدواتها القولية ، من الظهور على سطح ، حقيقة الانكشاف الطابعي و الصيروري في زمن تقويم مقولات الذاتية الحية في قصيدة الشاعر . ان مقولات الحلمية في حياة قصيدة ( علي نوير ) لربما تقودنا الى شبكة التساؤلي و السؤال المنطلق نحو ( من أين / الى أين ) ، أي أنها مجرد أنهار ذاتية في هواجس الحلم و في هواجس منطقة النص المتصاعدة نحو شعلة القول الشعري :
أنها مجرد أنهار
بطيئة أو سريعة الجريان
قصيرة أو طويلة
صغيرة أو كبيرة
أنها مجرد أنهار
تمر بالأرض الرخوة أو القريبة
سوى ذكرى مرورها
بالحقول أو المقابر ..ص24
ان الجزء الأكبرمن اجرائية مقاطع القصيدة هنا ،تبدو قادمة من بنية محمولات الارتباط الذاتي الانجازي ، لذا فأننا نلاحظ ، بأن البنية الدلالية في المناص المروي في النص ، قد حلت بروح وظائفية مقدماتية و تعريفية خاصة ، بمحددات الحالة الموصوفة في تداولية رسالة الصورة القولية من ذات الشاعر تحديدا ( أنها / مجرد / أنهار / بطيئة / سريعة ) ان حال الشرطية الدلالية و الاستشرافية في هذه المقطعية ، جاءتنا محددة بموجب دلالة جملة ( مجرد أنهار ) حيث ان مشروع القراءة لها ، بات يتركز في متعلقات خطاطة ( الذات / شكل الأثبات / فضاء الاحتمال / موطن حلم ) . و هكذا باتت تبدو لنا الاظهارية المشهدية في شعورية موطن التوصيف ، كأنها فسحة ملاحقات مهيمنة في صلة دليل (مجرد + أنهار = تعين = صورة =دلالة ) أي بما يظهر من قيمة الأدلة التصورية في سياقية محاورات ذاتية الاشياء الدالة ( بطيئة = أنهار = مجرد = قصيرة أو طويلة = ذكرى مرورها = المقابر = تفسير = استشرافية = حالة شرط ) من هنا تتضح امكانيات مرحلة التقطيع في ذاتية الدوال المتكلمة في القصيدة و السائرة نحو مشروعية المؤولات المنتجة في وصفية حالات النص ، لاسيما ان مساحة أظهارية الدليل ، قد أضحت للقارىء ، عبارة عن علاقات من المسبب و المؤشر و الانعكاس الذاتي في نسيج الدال الحلمي . و تبعا لهذا الأمر
نشاهد بأن جميع مؤولات الاظهار النصي قد أخذت تتعلق بلوازم موضوعة الاثبات الشكلي في هوية ( الآخر / الأنا / المصدر / الرابط )و هذه الحالات من شكل الادراك الذاتي ، نجدها بدورها عائدة الى منطقة ( البحث الذاتي الأول ) و (قضوية الممكن التشكيلي ) و ( عتبات مقاطع القصيدة ) . و على هذا الأمر الشائك و المعقد و العصي على الفهم ، نلاحظ بأن جميع حالات نصوص ( خيول بلا أعنة ) قد جاءتنا صور مسترسلة ، عن حدود ذاتية برهانية ، و عن شروط كاملة ، من غايات المدرك الدلائلي ، و بوسائط الزمن المصدري الناجع .. و في الآخير لا يسعني سوى هذا القول الختامي مني :ان مجموعة قصائد ( خيول بلا أعنة ) مجموعة علاقات عضوية ناشطة في رقعة لغة ( ظهور الأصوات ) و ( صيغة العلاقة المحورية ) و ( زمن تماثل الفعل القصدي ) و (منطقة المغاير ) و في رقعة اضاءات فضاء علامات الازمنة و الامكنة المتوغلة في خارطة تكاثرية شعرية الصورة القولية ، و في مواجهات الذات الشاعرة و هي ترسم زمن دوال أفعالها القصدية ، عبر مضامين حلمية دلالات المغايرة المنصبة في أفق صياغة العلاقات المحورية في القصيدة . و لربما القارىء لعوالم قصيدة ( خيول بلا أعنة ) سوف يعاين مدى تضاعيف ، راهنية حضور دلالات ( شعرية الاختزال المفارق ) لاسيما و ان مسيرة تحولات المشهد الشعري في قصيدة الشاعر الجديدة هذه ، راحت تشكل صورا توكيدية من طاقة تأثير زمن الدلالة الحلمية ، و زمن فضاء تنقلات مكانية الذاكرة الفعلية في سياق منظومة صوت الراوي و المروي . و تبعا لهذا الأمر فأننا وجدنا حال عنونة دلالة ( خيول بلا أعنة ) باتت تشكل اتساعا سيميائيا اقفاليا ، راح يهيمن بأفعاله و أسمائه و صفاته ، على أشكال خاصة من بنية فضاء تسمية
( خيول + بلا =غياب مطابقة = بؤرة حلم = مشهد أفتراق )
لذا فأننا نجد شبكة تعاريف القصيدة في مجموعة الشاعر ، عبارة عن توصيفات من دوال زمن ( الاضاءة البرقية ) و إزاء هذه الفيوضات المحيرة من تواصلات الدال و الدلالات البارعة في منطقة الحالة الشعرية ، أصبحت لدينا نصوص
( خيول بلا أعنة ) عبارة عن منظومة نداء ، منصبة في تركيبة المرسوم المقطعي الشعري ، الذي بات يقودنا نحو
أستقرارية تشكيلية ، ذات مستوى مساري منعقد الوصل مع زمن دال ( فضاء / علاقة ) . بل أنها أي قصائد المجموعة ، تبدو بمثابة الاستعانة بمصاحبات انتاجية ، مركزة في عمق عتبة متن الاطار الذاتي للأشياء ، و لدرجة غياب حدوث دلالات شروط الموضوعة الشعرية أحيانا ، و لكننا بمجرد معاينة الموضوع بدقة، نكتشف أننا نطالع مسارية تحولات الذات ، و هي في تقلبات صورة حركية الدال الشعري الحاصل في مشهدية معاينات الذات المغايرة في حدوثية الأشياء الواصفة في القصيدة .