تلقيتُ قبل أيامٍ طلب صداقة من شاعرةٍ راحلةٍ، فارتبكتُ، وأخذتُ أضرب أخماساً لأسداس !
عشتُ دقائق عصيبة من المشاعر المتناقضة، وافترستني الأفكار السوداوية افتراس الذئب لفريسته!
قد يشعر القارىء بالدهشة، وهو يقرأ هذه السطور ، ولكن هذا هو الذي حصل معي : مزيجٌ من الخوف والرجاء!
الخوف من أن تكون هناك دعوةٌ وجهت لي للذهاب إلى العالم الآخر قبل التأهب لذلك السفر المجهول الطويل!
والرجاء في فتح نافذةٍ للتواصل مع شاعرةٍ متمكنةٍ من صنعة الشعر، فالتأثير والتأثر واردان في عالم الكلمة !
لكن تبيَّن في ما بعد أنَّه لا هذا ولا ذاك !
قلتُ :لعلَّ في المسألة خطأً ما، أو تشابه أسماء.
أعدتُ النظر في الطلب، بعد أن مسحتُ نظارتي بمنديلها الشفاف الذي غالباً ما يضيع في أحد الجيوب فيُعييني في البحث عنه حتى أجدهُ !
قرأتُ في النافذة : ( kazhal ibrahim تطلب صداقتك).
بحثتُ في الغوغول،ومنصاتِ التواصل، فوجدتُ أنَّ الطلب مقدمٌ من الشاعرة الكردية (كزال ابراهيم خدر) المولودة سنة ١٩٦٨م في قضاء( قلعة زادة) شمال السليمانية، ولها ديوانٌ شعريٌّ واحدٌ هو (قصبة قلعة دزة)، والمتوفاة إثر نوبة قلبية الساعة العاشرة مساء يوم ٢٠١٨/٤/٢٦م !
اللافت أنَّ هذه الشاعرة ظلت مخلصةً لكتابة قصائد الحب حتى ترجمت قصائدها إلى سبع لغات.
فاذن تبددت الحيرة، فهناك مَنْ يسعى إلى إدامة تواصل المبدع بعد رحيله، كنوعٍ من أنواع رد الدين له، وإتاحة الفرصة للباحثين عن نتاجه للتواصل معه.
إنَّ إحياء تراث شاعر راحل ينمُ عن خصلة وفاء، ويرسخ قيمةً إنسانيةً عليا.
وتظل إدامة نوافذ الراحلين مسؤولية، فيها من النبل الكثير، فضلاً عن إنطوائها على تقديرٍ وتكريمٍ للأحياء، ومد جسرٍ بين عالمي الأحياء والأموات، ويدل على حضور الكلمة وبقائها حتى لو غاب صاحبها.
إنَّ الشاعرة كزال إبراهيم خدر لم تتخل عن شفافيتها حتى في قصائدها الوطنية فتقول في إحدى قصائدها :(حين يكون الوطنُ/على أعتاب نوافذ الحرب/عشرات الورود الرضيعة تذبل/والظلمات تفتح أحضانها/وأنتَ تصبح لحناً مليئاً بالأحزان/ وأغنيةً مملةً للهلاك).
إنَّ العاطفة الصادقة لا تكفي وحدها لكتابة قصيدةٍ مؤثرةٍ، بل لابدَّ من توفر أدواتٍ تعبيرٍ حقيقيةٍ عند الشاعر المتمكن.
تقول كزال في قصيدة (الساعة) :
(قلبي والساعةُ التي خلفَ رأسي/متشابهان/
كما هي تدقُ للوقتِ/قلبي مثلها يدق لك)
حين قرأتُ هذه القصيدة أخذ قلبي يدق لها!