19 ديسمبر، 2024 12:37 ص

علي بن ابي طالب .. تجليات العدل الالهي وسمو القداسة الانسانية  

علي بن ابي طالب .. تجليات العدل الالهي وسمو القداسة الانسانية  

اكتب في فكرة تأرجحت في حدائق الأفكار، وكلمات خجلى في موسوعات المفكرين الذين لم تكتمل رؤاهم في التوصيف والانصاف لمقامه.صرخة الحر التي لم تبلغها نفوس العظماء وصفاء لا يرتقي اليه فلاسفة الفكر وعطاء روحي لا يبتغي المقايضة او التزلف الدنيوي في محاكاة الرب حين يقول:”عبدتك لا خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك” وما تحمله وصيته لابنه الحسن (ع )تجسد فضاءا انسانيا وسموا روحيا تمتزج بين ثنايا الوصية روح العدل الالهي لتكون الدليل لضمير من أحب اقتفاء أفكاره والدستور المقنن الذي يحكم العلاقة العقدية بين الفرد والحاكم والفرد والآخر في ارجاء المعمورة: ” يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم ، واحسن كما تحب أن يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ..”
تلك سمفونية الحق يغردها الاحرار أينما كانت اهواءهم ومشاربهم تعبدا او إلحادا.
اما ما نذهب عليه في تفسيره كظاهرة فكرية اجتمعت فيها العلوم نبوغا فلسفيا ورؤيا متجلية في استنهاض القيم الانسانية في روح العدالة الإلهية،     ويمكن القول ان العقاد خير من ذهب بوصف الظاهرة:
” وهكذا فرضت على الرجل العظيم ضريبة العظمة الغريبة في ديارها وبين آلها وأنصارها . فالعلاقة بينه وبين كرام الصحابة كانت علاقة الزمالة التي ينوب فيها الواجب مناب الألفة . والعلاقة بينه وبين الخصوم كانت علاقة حسد غير مكفوف وبغض غير مكتوم . والعلاقة بينه وبين سواد العامة كانت علاقة غرباء يجهلونه ولا ينفذون الى لبابه ، وإن قاربه الناس معجبين ، وباعده أناس نافرين . تلك ايضا آية الشهيد “.       اما ما قاله ضرار بن ضمرة في وصف علي بن ابي طالب ع حينما دخل على معاوية بن ابي سفيان .. فكان الأبلغ اثرا والاجمل وصفا وللإنسانية زهوا:قال له : يا ضرار صف لي عليّاً ، فقال : أو تعفني ، قال : لا أعفيك قالَها مراراً .
فقال ضرار : أما اِذ لا بُد ، فكان والله بعيد المدَى ، شديد القوى ، يقول فَصلا، ويَحكم عَدلا ، يتفَجّرُ العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يَستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستَأنس باللّيل وظلمته . 
كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة ، يُقَلِّب كَفّهُ ويُخاطِبُ نفسه ، يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جَشُب . كان والله كأحدنا ، يُجيبنا اذا سأَلناه ، ويبتدأنا اذا أتيناه ويَأتينا اذا دعَوناه ، ونحنُ والله مع قربه منّا ودُنوّه الينا لا نكلِّمهُ هيبةً له ، ولا نبتديه لعظمه ، فاِن تبسّم فعن مثل اللُؤلؤ المنظوم . يعظّم أهل الدين ، ويُحبّ المساكين ، لا يطمع القَويٌ في باطله ، ولا ييأَس الضعيف من عدَله ، فاشَهَدُ بالله لقَد رأيته في بعض مواقفه ليلةً ، وقد ارخى الليل سجوفه ، وغارَت نجومه ، وقد مثل قائماً في محرابه ، قابضاً على لحيته ، يتمَلمَلُ تَململُ السليم ، ويَبكي بكاء الحزين ، وكأني أسمعه وهو يقول : يا دنيا غرّي غيري ، اَبي تَعرّضْتِ اَم اِلَي تَشَوّقْت ، هيهات هيهات قد أبَنَتُكِ ثلاثاً لا رجعَةَ لي فيك ، فعُمركِ قصير ، وعشيكِ حَقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووَحشة الطريق . قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته فلم يملك رَدّها وهو يُنَشفها بكمِّهِ ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثم قال معاوية : رحم الله أبا حَسَن ، فقد كان والله كذلك ، فكيفَ حُزنك عليه يا ضرار ؟ 
فقال : حُزن من ذُبحَ ولدها في حجرها فلا ترقَأ عبرتها ولا يَسكُن حُزنها.
       وما سطره الشاعر اللبيب عبدالباقي العمري الملقب بالبغدادي الذي ينتهي اصله الى عاصم بن الخليفة عمر بن الخطاب:”أنت العلي الذي فوق العلى رفعا
ببطن مكة عند البيت إذ وضعا
وأنت أنت ركن الذي حطت له قدم
في موضع يده الرحمن قد وضعا
وأنت ركن يجير المستجير به
وأنت حصن لمن من دهره فزعا
ما فرق الله شيئاً في خليقته
من الفضائل إلا عندك اجتمعا”
ومضة القول من حكمه:
“الناس صنفان: اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق”[email protected]